الهيئة الوطنية تلغي منافسات أولية بسبب مخالفات في الدعاية والفرز وتقدير الأصوات

تأتي انتخابات مجلس النواب بعد ثلاثة أشهر من انتخابات مجلس الشيوخ التي أجريت في أغسطس الماضي رويترز
على رغم كثرة الانتقادات التي شابت المرحلة الأولى من الانتخابات النيابية في البلاد الأسبوع الماضي بعد تراشق أحزاب الموالاة والمعارضة حول مدى توغل ظاهرة المال السياسي وشراء المقاعد، وظهور ما يعرف بتوريث المقاعد بصورة غير مسبوقة، فضلاً عن الجدل حول قانون الانتخابات ذاته الذي يجمع بين النظامين الفردي والقائمة المغلقة المطلقة، أحيا تدخل الرئيس في المشهد الانتخابي وتوصيته بالتدقيق في الطعون والتظلمات التي شابت المرحلة الأول بعضاً من الأمل، وما يعتبره بعضهم ثقة غائبة عن انتخابات مجلس نواب 2025.
بعد دعوة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي “الهيئة الوطنية للانتخابات” للتدقيق التام وفحص الأحداث والطعون المقدمة خلال المرحلة الأولى من الانتخابات البرلمانية، مع ضرورة اتخاذ القرارات حتى لو وصل الأمر إلى إلغاء نتيجة هذه المرحلة بأكملها، أبطلت الأخيرة الانتخابات في 19 دائرة انتخابية بسبع محافظات لوجود خروقات، وذلك من أصل نحو 70 دائرة جرت فيها الانتخابات على النظام الفردي خلال المرحلة الأولى التي شملت 14 محافظة.
وعلى رغم أن الخطوة لم تكن كافية، وفق بعضهم، لما شاب العملية الانتخابية برمتها سواء على النظام الفردي أو القائمة من خروقات وانتهاكات، لكنها بعثت بعضاً من الأمل لدى آخرين في شأن المرحلة الثانية من الانتخابات المقرر إجراؤها الأسبوع المقبل، ولا سيما بعد أن شكا مرشحون فرديون خاضوا المنافسة من مخالفات في حصر وفرز الأصوات داخل بعض الدوائر خلال المرحلة الأولى، مما أثر في نتائج الانتخابات.
إعادة الانتخابات في 19 دائرة
ووفق ما أعلنه رئيس “الهيئة الوطنية للانتخابات” جهة مستقلة المستشار حازم بدوي فإن الخروقات التي جرى رصدها “تمثلت في الدعاية الانتخابية أمام اللجان وعدم تسليم المرشح أو وكيله صورة من محضر الأصوات والتفاوت في عدد الأصوات بين اللجان الفرعية والعامة، وكلها عيوب جوهرية تنال من نزاهة ومشروعية الاقتراع والفرز”.
وقال بدوي خلال مؤتمر صحافي خصص لإعلان نتائج الجولة الأولى اليوم الثلاثاء إن “الهيئة انتهت إلى إبطال الانتخابات في الدوائر الـ19 الواقعة في سبع محافظات من أصل 14 تشملها المرحلة الأولى، وإلغاء الانتخابات فيها كلياً على المقاعد الفردية، وتحديد موعد آخر لإعلان الانتخابات”، مضيفاً “تؤكد ‘الهيئة الوطنية’ أنها لم تكن يوما منفصلة عن نبض الشعب المصري، وتلتزم في عملها مبادئ العدالة والمساواة والشفافية، وتضمن أن اختيار الشعب هو الفائز”.
وبحسب بدوي فإن إلغاء الانتخابات شمل دوائر إمبابة بالجيزة وبندر الفيوم وإبشواي بالفيوم جنوب والفتح في أسيوط جنوب، وسبع دوائر في محافظة سوهاج بصعيد مصر، وأربعاً بمحافظة قنا جنوب، وواحدة في محافظة الإسكندرية شمال، وثلاثاً بمحافظة دمنهور شمال، مشيراً إلى إجراء انتخابات الإعادة في الدوائر الملغاة خلال الجولة الأولى في الأول والثاني من ديسمبر كانون الأول المقبل في الخارج، ويومي الثالث والرابع من الشهر نفسه داخل البلاد.
وتقع غالبية هذه الدوائر في جنوب مصر إضافة إلى دائرتين شمال البلاد، إحداهما في الإسكندرية والأخرى في البحيرة، وشملت المرحلة الأولى من الانتخابات 70 دائرة انتخابية خاض غمار المنافسة فيها نحو 1281 مرشحاً على المقاعد الفردية، وقائمة انتخابية واحدة هيمنت عليها أحزاب الموالاة في قطاع غرب الدلتا، وقطاع وسط وجنوب وشمال الصعيد، بالنسبة إلى المقاعد المخصصة لنظام القوائم الانتخابية، وهو ما يعني أن عدداً من المرشحين ضمنوا فعلياً مقاعدهم قبل بدء التصويت.
وجاء قرار “الهيئة الانتخابية” بعد يوم من دعوة السيسي لها إلى عدم التردد في إلغاء التصويت الخاص بمقاعد النظام الفردي خلال الجولة الأولى من انتخابات مجلس النواب بالكامل، أو إلغائها جزئياً في بعض الدوائر إذا تعذر الوقوف على إرادة الناخبين الحقيقية.
ناخبون خلال عملية الإدلاء بأصواتهم في أحد مراكز الاقتراع بمحافظة الجيزة رويترز
وشدد السيسي في منشور عبر منصة “إكس” على أن الأحداث التي وقعت في بعض الدوائر الانتخابية التي شهدت منافسات على المقاعد الفردية تخضع في فحصها والفصل فيها للهيئة الوطنية للانتخابات دون غيرها، بوصفها هيئة مستقلة في أعمالها وفقاً لقانون إنشائها، مطالباً الهيئة بالتدقيق التام عند فحص هذه الأحداث والطعون المقدمة في شأنها، وأن تتخذ القرارات التي تُرضى الله وتكشف بكل أمانة عن إرادة الناخبين الحقيقية.
كما دعا الهيئة إلى تعزيز شفافية الإجراءات حتى يأتي أعضاء مجلس النواب ممثلين فعليين عن شعب مصر تحت قبة البرلمان، وأن لا تتردد في اتخاذ القرار الصحيح عند تعذر الوصول إلى إرادة الناخبين الحقيقية، سواء بالإلغاء الكامل لهذه المرحلة من الانتخابات أو إلغائها جزئياً في دائرة أو أكثر من دائرة انتخابية، على أن تجرى الانتخابات الخاصة بها لاحقاً.
عودة الأمل في المرحلة الثانية
وعلى رغم كثرة الانتقادات التي شابت المرحلة الأولى من الانتخابات النيابية في البلاد الأسبوع الماضي بعد تراشق أحزاب الموالاة والمعارضة حول مدى توغل ظاهرة المال السياسي وشراء المقاعد، وظهور ما يعرف بتوريث المقاعد بصورة غير مسبوقة، فضلاً عن الجدل حول قانون الانتخابات ذاته الذي يجمع بين النظامين الفردي والقائمة المغلقة المطلقة، أحيا تدخل الرئيس في المشهد الانتخابي وتوصيته بالتدقيق في الطعون والتظلمات التي شابت المرحلة الأول بعضاً من الأمل، وما يعتبره بعضهم ثقة غائبة عن انتخابات مجلس نواب 2025.
ويقول الأمين المساعد لحزب التجمع حزب يساري معارض عبدالناصر قنديل إن “تدخل الرئيس في المشهد مثل انحيازاً للمواطن في مواجهة العوار والانتهاكات التي شابت المرحلة الأولى من الانتخابات، موضحاً في حديثه إلى “اندبندنت عربية” أن “رئيس الجمهورية استخدم صلاحيته باعتباره حكماً بين السلطات، وذلك حين نبه إحدى الجهات المستقلة الهيئة الوطنية للانتخابات إلى ضرورة إعمال القواعد الخاصة بها في التعامل مع بعض الخروقات والانتهاكات، من دون التدخل في عملها”.
وأشار قنديل إلى أن تدخل الرئيس “هدف لتصويب عوار ناتج من عزف جهاز من أجهزة السلطة بالمعايير والقواعد دون النظر إلى مدى رضا المواطن عنها”، متابعاً “كان هناك إجماع احتفائي بقرار الرئيس بالتدخل ولا سيما بعد أن لفت إلى أن أداء الهيئة الوطنية للانتخابات وسلوكها يحتاج إلى إعادة نظر وصرامة أشد”، موضحاً أن “الهيئة الوطنية للانتخابات كانت تعاني إشكالين كبيرين خلال العمليات الانتخابية التي أجريت العام الحالي، الأولى وقف العمل بمجموعة من الضمانات خلال عملية الاقتراع وأبرزها وقف استخدام الحبر الفسفوري وقصره على الانتخابات الرئاسية والاستفتاءات، وهو الأمر الذي كان يضمن صحة وصوابية عملية الاقتراع وثقة المواطن في الانتخابات برمتها، فيما يتمثل الإشكال الثاني في منع مندوبي المرشحين من حضور عمليات الفرز في اللجان الفرعية، وذلك على رغم انتقاد الأمر خلال انتخابات مجلس الشيوخ التي جرت قبل نحو ثلاثة أشهر، فضلاً عن عدم تسليم نسخ من محاضر فرز الأصوات”، ومعتبراً أنه بهذه الأخطاء فإن “الهيئة الوطنية تتحمل جزء ليس بالقليل من المأزق الراهن”.
وواجهت “الهيئة الوطنية للانتخابات” انتقادات سبقت انطلاق التصويت بعد أن منعت عدداً من الشخصيات المعارضة من خوض المنافسة على مقاعد النظام الفردي استناداً إلى تفسير مشدد لشرط أداء الخدمة العسكرية، بينما حالت كُلف الحملات الانتخابية والفحوص الطبية دون ترشح آخرين، ويقول منتقدون إن مثل هذه القيود، إضافة إلى المتاعب الاقتصادية المستمرة منذ أعوام، أدتا إلى فتور بين شرائح من الناخبين مما انعكس في نسبة الإقبال على التصويت في انتخابات مجلس الشيوخ.
واعتبر قنديل أن إلغاء الانتخابات في 19 دائرة على النظام الفردي من دون المساس بنظام القائمة ظلم، وقال “من الخطأ أن يجري تحميل النظام الفردي كل تشوهات المشهد الانتخابي، ولا سيما أن الجزء الأكبر من تلك التشوهات يعود للقائمة التي أعلن فوزها”، موضحاً أن “نظام القائمة بطريقة تشكيلها واختيار عناصرها كان الأسوأ في تاريخ الحياة النيابية المصرية على مدى 160 عاماً، وهو ما أثار السخط الأكبر في الشارع بعد أن رأى المواطن في النظام الفردي النافذة الوحيدة التي يمكن الولوج عبرها للبرلمان، وحين أغلقت سخط على المشهد برمته وليس على النظام الفردي وحده”.
وعن انعكاس إلغاء “الهيئة الانتخابية” عدداً من الدوائر على المرحلة الثانية من الانتخابات، أو حتى جولة إعادة الانتخاب في الدوائر الملغاة الانتخابات فيها، أوضح قنديل أن “الخطوة تمثل قفزة غير متوقعة في اتجاه مأسسة الحراك الديمقراطي والتوجه نحو حراك وتفاعل مختلف”، مشدداً على أن المرحلة المقبلة من الانتخابات “ستكون شبه نموذجية في إدارة المشهد ككل، إذ قد لا نرى التشوهات والانتهاكات الفجة التي رأيناها خلال الجولة الأولى، والتي أدت إلى إبطال الانتخابات في بعض الدوائر”.
قبل انطلاق المرحلة الأولى خيم على المشهد تراشقات أحزاب الموالاة والمعارضة حول مدى توغل ظاهرة المال السياسي وشراء المقاعد وظهور ما يعرف بالتوريث رويترز
وتابع قنديل أنه “إضافة إلى الأداء المختلف المتوقع من قبل القضاء والمستشارين في اللجان الفرعية، سواء في تعاملهم مع المصوتين أو المرشحين ومندوبيهم، فإن الناخب ذاته من المتوقع أن تعود له الثقة في أن أي انتهاك سيجري رصده مع احتمال عودة تدخل الرئيس لمواجهة تلك الانتهاكات”، معرباً عن اعتقاده بأن تشهد المرحلة الثانية من الانتخابات “أداء أفضل على مستوى المشاركة والإدارة، ومستقبلاً مراجعة النموذج الانتخابي برمته”.
ووفق قنديل فإن التطورات التي شهدها المشهد الانتخابي خلال الساعات الأخيرة أعادة فتح الأبواب “للحديث عن فساد النظام الانتخابي وضرورة الذهاب إلى نظام اقتراع أكثر تمثيلاً وعدالة وتناسباً مع حاجات الدولة المصرية”، مشيراً إلى أنه “على رغم أن التشوهات والانتهاكات التي شابت المرحلة الأولى من الانتخابات، والتي كثيراً ما شهدتها الانتخابات المصرية خلال الأعوام الماضية، لكن الفارق الوحيد هذه المرة أن هناك رئيساً قرر أن يتدخل وألا يشاهد فقط المشهد من بعيد، وآثار هذا التدخل ستظهر سريعاً”.
في المقابل اعتبر مؤسس ورئيس الحزب الليبرالي المصري شادي العدل أن “مشهد الانتخابات وإلغاء بعض الدوائر يذكرني بمشهد قانون الإجراءات الجنائية الأخير قبل وبعد تدخل الرئيس، حين رحبت به أحزاب الموالاة وعدته هدية مصر للعالم، قبل أن يتدخل الرئيس ويرفض التصديق ويعيده مرة أخرى للبرلمان، ليعود الأشخاص والأحزاب نفسها وتعتبر تدخل الرئيس انتصاراً للعدالة، وهو أمر يعكس مرض الحياة السياسية في مصر وضعفها بصورة غير مسبوقة”.
وأوضح العدل أن “تدخل الرئيس الأخير في المشهد جاء بعد فجاجة الانتهاكات التي شابت المرحلة الأولى في معظم الدوائر الانتخابية، في مشاهد أعادة للمصريين ذاكرة إدارة ‘الحزب الوطني الحاكم’ وقت الرئيس السابق حسني مبارك للمشهد الانتخابي، وهندسته بما يخدم مصالح الحزب، مما أضعف ثقة المواطن بالانتخابات برمتها”.
وبحسب العدل فإن تناقض تصريحات القائمين على “الهيئة الوطنية الانتخابات” أيام التصويت الانتخابي الأسبوع الماضي واليومين الأخيرين، حين أشادوا في البداية بالعملية الانتخابية وأكدوا “عدم وجود خروقات”، ثم لاحقاً التلويح بإلغاء الانتخابات كلياً أو جزئياً في الدوائر التي شهدت انتهاكات في أعقاب تدخل الرئيس، يعكس “أن فكرة استجابة الهيئة لمناشدة الرئيس كانت سياسية أكثر من معالجة الأمر في إطارها القانوني والدستوري”، موضحاً أن “إبطال الانتخابات في 19 دائرة محاولة للتعاطي مع تلويح الرئيس بمزيد من التدخل بعد رفضه شكل إدارة المشهد الانتخابي برمته”.
وقال العدل “رأى الرئيس أن تبعات ما شهدته المرحلة الأولى من الانتخابات قد تصل إلى منظومة الحكم في البلاد برمتها، ولا سيما أمام موجة كبيرة من السخط والغضب الشعبي”، معرباً عن اعتقاده بأن تشهد المرحلة الثانية من الانتخابات “تراجعاً في حجم الانتهاكات والتجاوزات وإقبال أكبر نسبياً من قبل المواطنين على عملية التصويت، بعد أن عادت له الثقة جزئياً في صوته ومشاركته”.






