جدل واسع في تونس بعد قرارات قضائية بتعليق أنشطة جمعيات: تفكيك للمجتمع المدني أم مواجهة للتمويل الأجنبي؟

في أعقاب صدور قرار قضائي بتعليق أنشطة عدد من الجمعيات في تونس، يبرز انقسام واضح بين أكاديميين يرونه خطوة نحو “تفكيك المجتمع المدني”، وبين السلطات التي تعتبره “إجراء ضروريا” في ظل شبهات حول “تمويل أجنبي” لبعض الجمعيات.
وتقول جمعيات مدنية إنها تلقت، منذ أكثر من أسبوعين، إخطارًا من القضاء بتعليق أنشطتها لمدة شهر لتسوية أوضاعها، بناءً على ما يصفه القضاء بعدم الالتزام بالمرسوم 88 المنظم لنشاط الجمعيات والصادر بعد ثورة 2011.
ومن بين الجمعيات المشمولة: المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، جمعية النساء الديمقراطيات، جمعية نخلة، مركز شاهد لمراقبة الانتخابات، وجمعية نواة للصحافة.
اتهامات رئاسية بالتمويل الأجنبي
وخلال لقاء رسمي في نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، تحدث الرئيس قيس سعيد عن التمويل الأجنبي للجمعيات، قائلا إن “إحدى الجمعيات تتلقى أموالا طائلة بطرق غير شرعية لتمويل الأحزاب السياسية”، مشيرًا إلى جمعية أخرى تلقت عام 2022 أكثر من مليوني دينار تونسي.
واتهم الرئيس تلك الجمعيات بتنظيم أنشطتها في “فنادق 5 نجوم” خلال عطلة نهاية الأسبوع.
مهدي مبروك: تفكيك للمجتمع المدني بعد تفكيك الأحزاب
وقال أستاذ علم الاجتماع في الجامعة التونسية مهدي مبروك إن ما يحدث “كان متوقعا بعد تفكيك الأحزاب وتصحر المشهد الحزبي والسياسي”، معتبرًا أن الهدف هو أن “يخلو المكان للرئيس ويصبح اللاعب الوحيد دون مضايقة”.
وأشار مبروك إلى أن القانون يتضمن مبادئ مهمة استفادت منها الجمعيات، لكن السلطات “تعمد الآن إلى تأويل النصوص القانونية للإجهاز على الجمعيات تحت ذريعة التمويل الخارجي والتخابر ومسألة السيادة”.
وأوضح أن المرسوم 88 أنجز في “لحظة تفاؤل وتحرر”، لكن البلاد “ذاهبة الآن نحو مرحلة تراجع عن ذلك”.
استهداف الحركات النسوية والحقوقية
واعتبر الأكاديمي أن المناخ الحالي “مهيأ لتنقيح القانون”، مشيرًا إلى استهداف جمعيات مثل “منامتي”، وجمعية “أرض اللجوء – تونس”، والحركة النسوية والحقوقية والبيئية.
وأكد أن الهدف هو “خنق أنفاس المجتمع التونسي”.
وأشار مبروك إلى أن التمويل الأجنبي قانوني وأن المشكلة “سياسية أكثر منها قانونية”، موضحًا أن السلطات لا تبحث عن تقويم الأوضاع بقدر ما تستهدف “التفكيك”.
رأي مخالف: قانون جديد لحماية الدولة
من الجانب الآخر، قالت النائبة فاطمة المسدي، مقدمة مشروع قانون جديد للجمعيات، إن آلاف الجمعيات لديها “شبهة تمويل أجنبي”، مضيفة أن مقترح القانون “ينظم العمل الجمعياتي ولا يستهدف إغلاقه”.
وأكدت أن الجمعيات التي لديها وثائق تثبت قانونية تمويلاتها “لن تُتخذ ضدها أي إجراءات”، وأن القرارات الحالية “تحفظية وليست حلًا للجمعيات”.
وأضافت أن مشروع القانون مطروح منذ 3 سنوات وأن مظاهرة ستُنظم في 17 ديسمبر المقبل للمطالبة بتمريره وإلغاء التمويل الأجنبي.
أزمة سياسية ممتدة منذ 2021
وتشهد تونس أزمة سياسية منذ قرارات الرئيس قيس سعيد في 25 يوليو/ تموز 2021 التي شملت حل البرلمان وإصدار تشريعات بأوامر رئاسية وإقرار دستور جديد.
وترى قوى سياسية أن تلك الإجراءات “انقلاب على الدستور”، بينما تصفها أخرى بأنها “تصحيح لمسار الثورة”. ويؤكد سعيد أنها “تدابير لحماية الدولة من خطر داهم”.
نفي محامو المتهمين صحة التهم الموجهة إلى موكليهم.



