مقالات وآراء

على الصاوي يكتب: نور بين السطور

يقولون: إن أول خطوة في مكافأة أهل الفضل هو الاعتراف بفضلهم وللدكتور أيمن نور فضل على كثير ممن اقترب منه، هكذا أقولها جملة واحدة بلا مواربة أو مجاملة، ربما يزعج هذا الكلام المرجفون في المدينة وأصحاب العداوات المبنية على مصالح ضيّقة ومواقف نفسية لا علاقة لها بالسياسة، أولئك الذي يخلطون الإنساني بالسياسي بلا أي مساحات أخرى تُبقى على خيط الود والاحترام ومراعاة أى معروف ولو بسيط، لربما عادت المياه إلى مجاريها، في النهاية نحن بشر لحم ودم، ولسنا شياطين مردة أو أحجار صلدة لا تشعر ولا تلين.

أكتب هذا الكلام وأنا أعلم أن الدكتور أيمن في نفسه شيء مني على استحياء، لا أعرفه تحديدا لكنه معه عذره، لأنه بُنى على أباطيل كثيرة من جهة لأناس في نفوسهم مني حاجة لا أعرفها، لو كنت أعرفها لأعطيتهم إياها، لربما وجدوا راحتهم وأكرموني ببعدهم عني، وحماس شخصي غير محسوب العواقب من جهة أخرى، تأثر بمناخ مسموم يجعل الحليم حيرانا وتقف أمامه عاجزا لا تدري مَن الصديق ومَن العدو، لكن تبقى أقوال الضمائر في الناس أهم بكثير من أقوال الألسنة التي تتقلب بين الفنية والأخرى كتقلب القوافي على ألسنة الشعراء، إذا أعطيتهم رضوا وإن لم تعطهم إذا هم يسخطون.

كانت المعضلة هناك أن ظاهري كباطني، لم أكن أجيد الكذب ولا المراوغة حتى لو أخطأت أو أساءت التقدير، وقد كلفني ذلك الكثير، حتى تيقنت أن الحياة لا تعاش باللون الأبيض فقط، ولا بالعبارة الصريحة الواضحة، لا بد أن تكون عبارة عن قوس قزح لتعيش بين الناس آمنا مطمئنا.

هذه المقدمة كان لا بد منها لاعتبارات يعرفها هواة الصيد في الماء العكر فمن لا يتجاوز الماضي يصدأ، ومن لا يفتش إلا على عيوب الناس هو أكثر الناس عيبا، ومن لم يفسح للتسامح في صدره مكان، لن يفسح الله له ذرة رحمة في الدنيا ولا في الآخرة، لكن المقال لتسليط الضوء على كتاب الدكتور أيمن نور الجديد “أوراق من مذاكراتي” الذي احتفل بتدشينه أمس الجمعة داخل قناة الشرق، وقد تصفحت الكتاب في نسخته الالكترونية فلمست فيه شجن نفسي وبوح إنساني أكثر منه سياسي، يمزج بين المذكرات والسيرة الذاتية، مزيج عبقري اختمرت فيه الخبرة الحياتية بالمواقف السياسية وأيضا شهادة تفصيلية على حقب تاريخية ربما لم نعاصرها نحن الشباب بوعى كامل لندرك أبعاد أحداثها، والكتاب أيضا وثيقة تاريخية تصلح لأن تكون مرجعا مهما لأحداث سياسية قديمة ومواقف تميط اللثام عن ما وراء الكواليس في غرف صانع القرار السياسي في مصر إبان حقبة مبارك.

عندما تبدأ بتصفح الكتاب تشم راحة وفاء من تلميذ لأستاذ وهو وفاء موجه للزعيم المناضل سعد زغلول، الذي افتتح الدكتور أيمن كتابه باعتذار له بسبب ما لقى في منفاه من ضيق وعوز.

ثم يأخذك الكتاب في رحلة دافئة بين طفولة وغربة واعتقال وحياة نيابية متخمة بالصراعات السياسية، كأنك تشاهد مسلسل تليفزيوني لقصة ملحمية تستحق أن تُروى، مفعمة بالحماس ومليئة بالأحداث والاشتباكات والخبرات، وقد تجلت تلك القصة في بداية سطور الكتاب حين كتب الدكتور أيمن فقال: ذاكرتي عمل تركيبي بانورامي بناء سيمفوني مكون من ملايين الأشياء، بدءًا من مكاتيب السجن والحب والأوراق القديمة إلى مصحف أمي والزمن المحفور على جبين أبي والجرح الساكن في جبين ابني.

كلمات تفيض شجنا ومواساة وربما رثاء لذكريات لا تبرح الذهن ولا تتآكل مع مرور الزمن، الكتاب فعلا شيق، وكنت أود حضور حفل توقيعه مثلما كان لي دور في حفل توقيع كتابه السابق رؤية، لكن الله لم يرد ذلك، ربما بسبب اللون الأبيض والحماس غير محسوب العواقب، أو بسبب أخاديد السواد المحفورة في كل مكان هناك ويسكنها شياطين بشرية في جثمان إنس.

ملحوظة: اللى يزعل من هذا الكلام يتفلق.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى