المجلس العربي يصدر بيانًا حول أعمال ورشة: مستقبل فلسطين والمنطقة بعد اتفاق السلام الأخير

عقد المجلس العربي يوم السبت في مقره بإسطنبول، ورشة عمل سياسية وفكرية بعنوان: “مستقبل فلسطين والمنطقة بعد اتفاق السلام الأخير” برئاسة الدكتور منصف المرزوقي، رئيس المجلس العربي والرئيس الأسبق للجمهورية التونسية، وبمشاركة نخبة من الخبراء والناشطين الفلسطينيين والعرب، لمناقشة تداعيات الاتفاق الأخير على القضية الفلسطينية، وعلى مستقبل المنطقة، واستراتيجيات المقاومة، والتحولات الإقليمية والدولية المرتبطة بها.
وبعد الاستماع إلى المداخلات الغنية والمتعددة الزوايا، انتهت الورشة إلى جملة من الخلاصات والنتائج والتوصيات، يمكن تلخيصها في ما يلي:
وبعد الاستماع إلى المداخلات الغنية والمتعددة الزوايا، انتهت الورشة إلى جملة من الخلاصات والنتائج والتوصيات، يمكن تلخيصها في ما يلي:
أولًا: في تشخيص المرحلة الراهنة
1. الوضع في غزة والقضية الفلسطينية
أكد المشاركون أن ما جرى ويجري في غزة يمثل حالة إبادة جماعية وتدمير منهجي للبشر والحجر، خلّفت آثارًا نفسية واجتماعية عميقة على الشعب الفلسطيني، وأن هذه الجولة ليست نهاية الصراع بل محطة في مسار طويل مرشّح لجولات أشدّ كلفة وخطورة.
2. صورة الاحتلال والشرعية الدولية
أُشير إلى أن الكيان الصهيوني خسر كثيرًا من رصيده في الرأي العام العالمي، وتآكلت سرديته الدعائية عن “الدفاع عن النفس”، وبات مهددًا قانونيًا وأخلاقيًا بتهم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب أمام محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية، مع عودة القضية الفلسطينية بقوة إلى صدارة الاهتمام العالمي.
3. الأمة في مأزق تاريخي
شدّد المشاركون على أن الأمة العربية والإسلامية تمرّ بـ أزمة بنيوية على مستوى الأنظمة والقيادات والمؤسسات، في مقابل حيوية لافتة في الشارع والحركات الشعبية والنخب، ما يفرض ضرورة الانتقال من ردّ الفعل إلى مشروع عربي–إسلامي استراتيجي يجعل من فلسطين بوصلة للأمن القومي ولنهضة الأمة.
ثانيًا: في استراتيجيات المقاومة والبيت الفلسطيني الداخلي
4. إعادة تقييم استراتيجيات المقاومة
أكّد المجتمعون أن المقاومة حق مشروع وطبيعي للشعوب تحت الاحتلال، لكنها تحتاج إلى مراجعة عميقة في المفهوم والأدوات والخطاب؛ بحيث تنتقل من مقاومة فصائلية أو فئوية إلى مقاومة وطنية شاملة، تتكامل فيها الأبعاد الشعبية والسياسية والعسكرية والقانونية والإعلامية.
5. وحدة الساحة الفلسطينية وإعادة بناء المؤسسات
دعت الورشة إلى إعادة بناء البيت الفلسطيني عبر:
• تجديد مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية على أسس ديمقراطية وتمثيلية حقيقية.
• توحيد القيادة الوطنية والمقاوِمة.
• مراجعة المسار السياسي الذي كرّس التبعية والرهان على مسارات تسوية فاشلة، والانتقال إلى مشروع تحرر وطني حقيقي.
6. رفض الطائفية وتسييس الصراع المذهبي
شدّد المشاركون على ضرورة رفض تحويل المقاومة الفلسطينية إلى ملفّ طائفي أو مذهبي، وعلى أن العدو المركزي هو المشروع الصهيوني العنصري الاستعماري، وأن الانزلاق إلى صراعات جانبية يخدم في النهاية أجندات التفتيت والتطبيع.
ثالثًا: في القرارات الدولية والبعد القانوني
7. مخاطر القرارات الدولية الأخيرة
نوّهت الورشة إلى خطورة بعض القرارات الصادرة عن مجلس الأمن والقوى الكبرى، والتي تمهّد عمليًا لنوع من الوصاية أو الإدارة الدولية على غزة، وتشرعن تجزئة الأرض وتقنين الأمر الواقع لصالح الاحتلال، وتحويل القضية من قضية تحرر وحقوق سياسية إلى “ملف إنساني–أمني” يُدار من فوق إرادة الشعب الفلسطيني.
8. استثمار مساحات القانون الدولي
أوصى المشاركون بتفعيل أدوات القانون الدولي، وخاصة:
• ملاحقة مرتكبي جرائم الحرب والإبادة عبر الولاية القضائية العالمية في عدد من الدول.
• إحياء التصنيف القانوني للحركة الصهيونية كحركة عنصرية استيطانية.
• دعم المبادرات الرامية إلى تجميد أو تعليق عضوية إسرائيل في المنظمات الدولية، وعلى رأسها الأمم المتحدة، باعتبارها كيانًا خارقًا للقانون الدولي ومرتكبًا لجرائم جسيمة.
رابعًا: في الموقف العربي والإسلامي والدولي
9. الموقف الرسمي العربي والإسلامي
عبّر المشاركون عن أسفهم لأن جزءًا من المواقف الرسمية العربية والإسلامية لم يَرقَ إلى مستوى التضحيات الفلسطينية، بل شارك أحيانًا في إضفاء غطاء على مسارات سياسية أو قرارات دولية ملتبسة تمسّ جوهر القضية، وطالبوا بمراجعة شاملة لهذه السياسات، ووقف كل ما يساهم في تصفية تدريجية لفلسطين أو تطبيع مجاني مع الاحتلال.
10. حيوية الشارع العربي والإسلامي والحركات الشعبية
ثمّن المجتمعون الدور الكبير الذي قامت به الشعوب العربية والإسلامية، والجاليات في الغرب، في الدفاع عن فلسطين في الشوارع والساحات والجامعات ومواقع التواصل، مؤكدين أن الدبلوماسية الشعبية والإعلامية باتت ساحة حاسمة في الصراع، وأن هذه الطاقة الشعبية تحتاج إلى تأطير وتنظيم في جبهات وحملات مستدامة.
11. الإعلام والسردية والدبلوماسية الشعبية
دعا المشاركون إلى:
• إطلاق حملة إعلامية واستراتيجية طويلة المدى تعيد تعريف القضية الفلسطينية باعتبارها قضية تحرر من استعمار عنصري، لا نزاع حدودي.
• توظيف وسائل التواصل والمؤثرين والنخب الثقافية والفنية في العالم لإسناد السردية الفلسطينية.
• تكثيف الجولات والاتصالات مع البرلمانات ومراكز الأبحاث ومنظمات المجتمع المدني في أوروبا والأمريكتين وأفريقيا وآسيا.
خامسًا: التوصيات العملية ودور المجلس العربي
انتهت الورشة إلى حزمة توصيات عملية، من أبرزها:
1. العمل على تشكيل إطار أو جبهة عربية–إسلامية واسعة من القوى الحيّة والنخب والهيئات، تتبنى برنامجًا مشتركًا لنصرة فلسطين ومواجهة مخططات تصفية القضية.
2. دعم الجهود الرامية إلى إعادة بناء القيادة الفلسطينية والمؤسسات الوطنية على أسس ديمقراطية ووحدوية، ورفض أي ترتيبات تتجاوز إرادة الشعب الفلسطيني أو تُفرض عليه من الخارج.
3. تأسيس أو دعم مرصد قانوني–حقوقي عربي–دولي، يعنى بتوثيق الجرائم، وإعداد الملفات القانونية، والتنسيق مع المحامين والمنظمات الدولية لملاحقة مسؤولي الاحتلال.
4. إعداد خطة إعلامية ودبلوماسية شعبية، يتولى المجلس العربي الإسهام في تنسيقها مع شركائه، وتستهدف الرأي العام العالمي، خاصة في العواصم المؤثرة.
5. إعطاء أولوية عاجلة للجانب الإنساني والإغاثي في غزة وسائر الأراضي الفلسطينية المحتلة، عبر حملات منسقة، والضغط من أجل فتح ممرات إنسانية مستدامة.
6. التزام المجلس العربي بمتابعة تنفيذ هذه التوصيات، عبر:
• تشكيل لجنة متابعة من بين المشاركين في الورشة لصياغة برنامج عمل خلال عام واحد.
• عقد ورش ومؤتمرات دورية لتقييم المستجدات وتحيين الاستراتيجيات.
خاتمة
يؤكد المجلس العربي أن القضية الفلسطينية ستبقى القضية المركزية للأمة، وأن كل محاولة لتصفيتها أو تفتيتها أو تحويلها إلى ملف إنساني إداري محكوم عليها بالفشل، ما دام هناك شعب يقاوم وأمة حية ترفض الاستسلام.
ويجدّد المجلس التزامه الأخلاقي والسياسي بالعمل، مع كل القوى الحيّة في المنطقة والعالم، من أجل إنهاء الاحتلال، ومحاسبة مجرمي الحرب، وتمكين الشعب الفلسطيني من كامل حقوقه في الحرية والعودة وتقرير المصير.






