ثلاث مدن سودانية تواجه حصارًا خانقًا وسط مخاوف من تكرار سيناريو الفاشر

تعيش ثلاث مدن في ولايتي جنوب كردفان وغرب كردفان جنوبي السودان واقعًا مأساويًا، نتيجة حصار خانق تفرضه “قوات الدعم السريع” منذ أكثر من عام، ما أدى إلى عزلها بالكامل وتدهور الأوضاع الإنسانية فيها، وسط تحذيرات من تكرار سيناريو مدينة الفاشر غربي البلاد.
بابنوسة تحت الحصار منذ يناير 2024
تعد مدينة بابنوسة من أكثر مناطق الحصار سخونة، حيث تحاصرها “قوات الدعم السريع” منذ يناير/كانون الثاني 2024، بينما تتحصن قوات الجيش داخل الفرقة 22 بالمدينة.
شهود عيان يؤكدون أن المدينة أصبحت شبه خالية من السكان بعد نزوح الأهالي إلى المناطق المحيطة، فيما تشير غرف طوارئ بابنوسة إلى نزوح 177 ألف شخص منها.
وتبرز أهمية بابنوسة الاقتصادية باعتبارها مركزًا رئيسيًا لمصانع الألبان والثروة الحيوانية وحقول النفط، إضافة إلى كونها ممرًا يربط السودان بجنوب السودان وبوابة الجيش نحو دارفور.
كادوقلي والدلنج… حصار مزدوج وهجمات متكررة
تعاني مدينتا كادوقلي والدلنج من حصار مشترك تفرضه “الدعم السريع” و”الحركة الشعبية لتحرير السودان–شمال” بقيادة عبد العزيز الحلو، وسط هجمات متكررة بالمدفعية والطائرات المسيرة.
وتسيطر الحركة الشعبية على المناطق الجنوبية من جبال النوبة منذ عام 2011، وتتخذ من مدينة كاودا عاصمة لها. وانخراطها مع “الدعم السريع” في “تحالف السودان التأسيسي” منذ فبراير الماضي منح الطرفين مساحة أكبر لتضييق الخناق على المدينتين.
ومع أن المدينتين ظلتا تحصلان على القليل من الغذاء عبر طرق وعرة، فإن الأمطار منذ يونيو/حزيران الماضي أدت إلى إغلاق المسارات بشكل كامل، ما تسبب في انقطاع الإمدادات الإنسانية.
تقرير لجنة مراجعة المجاعة “آي بي سي” أكد وقوع مجاعة فعلية في الفاشر وكادوقلي، إلى جانب تحذيرات من أن 20 منطقة أخرى في دارفور وكردفان معرضة للخطر.
الدلنج… مدينة محاصرة من أربع جهات
الوضع في الدلنج لا يختلف عن كادوقلي، إذ تُحكم “الدعم السريع” الحصار شمالًا وشرقًا، بينما تطوقها الحركة الشعبية غربًا وجنوبًا.
وتتحكم المدينة في خطوط الإمداد الأساسية بين شمال الإقليم وجنوبه وغربه، وتُعد محورًا اقتصاديًا يعتمد على التجارة والحرف اليدوية.
وفي يوليو الماضي ضيقت “الدعم السريع” الخناق بعد سيطرتها على منطقة الدشول، وهي نقطة استراتيجية تربط الدلنج بغرب كردفان.
أما الطريق البري الواصل بين الدلنج وكادوقلي والأبيض فقد تضرر بشدة جراء المعارك العنيفة منذ أبريل 2024، ما أدى إلى تعطّل خطوط الإمداد.
لا منتصر في الحرب
المحلل السياسي أمير بابكر يرى أن سيطرة “الدعم السريع” على مناطق واسعة في غرب وجنوب كردفان جعلت المدن الثلاث تحت مرمى نيرانها.
ويشير إلى أن منع تكرار سيناريو الفاشر يعتمد على قدرة الجيش على الصمود، في ظل محاولات الجيش السيطرة على مواقع متقدمة لتشتيت جهود خصومه.
وبالنسبة لكادوقلي والدلنج، يؤكد بابكر أنهما ظلّتا تحت تهديد نيران الحركة الشعبية، ما يضاعف الضغوط على الجيش للحفاظ على وجوده، لافتًا إلى أن طبيعة الحرب تجعل الحسم العسكري صعبًا.
ويشدد بابكر على أن ما يجري هو سباق لتحقيق أفضلية ميدانية قبل الذهاب إلى مفاوضات سلام، مؤكداً أن المدنيين هم الضحية الأولى.
مؤشرات التصعيد لا تزال قائمة
من جانبه، يؤكد المحلل السياسي عثمان فضل الله أن المدن الثلاث تواجه وضعًا إنسانيًا “شديد الخطورة”.
ويقول إن كادوقلي تشهد انعدامًا شبه كامل في السلع الأساسية وارتفاعًا في حالات الوفيات المرتبطة بالجوع، فيما تعاني الدلنج من انقطاع الطرق وارتفاع غير مسبوق في أسعار السلع ونفاد الوقود.
أما بابنوسة، فيرى أنها أقل حدة نسبيًا لخلوها من المدنيين، لكن الحصار مستمر نتيجة محاولات الأطراف المتحاربة السيطرة على الممرات الاستراتيجية.
ورغم مخاوف تكرار سيناريو الفاشر، يؤكد بابكر أن الوسطاء الدوليين — السعودية ومصر والإمارات والولايات المتحدة — يحاولون منع الانزلاق، بينما تبقى مؤشرات التصعيد قائمة.
خريطة السيطرة في السودان
من أصل 18 ولاية، تسيطر “قوات الدعم السريع” حاليًا على ولايات دارفور الخمس باستثناء أجزاء من شمال دارفور التي يسيطر عليها الجيش، فيما يحتفظ الجيش بسيطرته على المناطق الرئيسية في الولايات الـ13 المتبقية بما فيها العاصمة الخرطوم.
ومنذ أبريل 2023، تتفاقم المعاناة الإنسانية بسبب حرب دامية بين الجيش و”الدعم السريع” أدت إلى مقتل عشرات الآلاف وتشريد نحو 13 مليون شخص.




