
قرار الرئيس الأمريكي ترامب بإحالة ملف الإخوان بغية تصنيفهم جماعة إرهابية إلى كل من وزيري الخارجية والخزانة لإعداد التقارير الداعمة لهذا التوجه هو تتويج لسلسلة من الإعلانات السابقة، والتي بدأت بتعهد انتخابي لترامب في دورته الأولى، والتي أنهاها دون تنفيذ هذا التعهد بناء على توصيات وزارة الخارجية والأجهزة الأمنية التي لم تستطع توفير مسوغات قانونية وسياسية للقرار، ورأت أنه سيكون ضارا بالمصالح الأمريكية.
لم يتوقف سعي اللوبي الصهيوني الأمريكي والعربي لدفع ترامب لتنفيذ تعهده، ومعهما التيار المسيحي الصهيوني الذي يمثل الحاضنة الرئيسية لترامب، وكل هؤلاء يرون أن الإخوان هم الخطر الأكبر على المشروع الصهيوني، وتمدده عبر اتفاقات التطبيع الإبراهيمي، وزاد الأمر خطورة عليهم طوفان الأقصى، حيث يرون أن الإخوان هي الأم لحركة حماس، وهي التي لعبت دورا كبيرا مع غيرها من القوى الإسلامية والقومية في حشد الشعوب العربية والإسلامية بما في ذلك في الغرب، وداخل الولايات المتحدة نفسها ضد العدوان الإسرائيلي، وحرب الإبادة والتدمير ضد قطاع غزة، ولذا فمن الضروري أن يدفعوا ثمن ذلك!.
المكارثية والإسلام فوبيا
التصنيف الإرهابي سلاح تستخدمه الولايات المتحدة، ودول أخرى ضد خصومها، في الخمسينات وخلال تصاعد الحرب الباردة بين المعسكرين الغربي والشرقي استخدمت الولايات المتحدة فزاعة الشيوعية، وتولى عضو مجلس الشيوخ جوزيف مكارثي تسويق هذه الفزاعة التي نسبت إليه (المكارثية)، ومن خلالها تم فصل وحبس عدد كبير من الموظفين الحكوميين خاصة في وزارة الخارجية بتهمة اعتناق الشيوعية، والعمل لصالح الاتحاد السوفيتي، كما كانت دول المعسكر الشرقي، وتوابعها في المنطقة العربية تستخدم اتهامات معاكسة لمعارضيها أنهم موالون، أو جواسيس للأمريكان كما حدث مع الكاتب مصطفى امين.
تغير المشهد بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، ومعه حلف وارسو، فبحث الغرب بقيادة أمريكا عن عدو جديد، كان هذا العدو هو الإسلام، وكحيلة لتجنب غضب المسلمين بشكل عام تم توجيه السهام إلى الحركات، والجماعات الإسلامية المناهضة للمشروع الاستعماري والصهيوني، وكانت جماعة الإخوان في القلب من ذلك، لكن المواجهة العنيفة معها ظلتمؤجلة قليلا، حيث كانت الأولوية للجماعات المسلحة، كما شملت بتصنيفها الجماعة الإسلامية المصرية، ولكنها حذفتها من القائمة في العام 2022 ضمن مراجعة دورية تجري كل 5 سنين.
ضريبة الربيع ومواجهة التطبيع
الهوس بالتصنيف الإرهابي لجماعة الإخوان هو عقاب لها على قيادتها مشهد التغيير في الربيع العربي، ومواجهتها للتطبيع مع العدو، ودعمها للمقاومة، ولذلك تم التركيز على الإخوان في دول الطوق (مصر والأردن ولبنان) الذين كانوا الأكثر تفاعلا مع طوفان الأقصى، ودعما للمقاومة.
لا ينكر الإخوان دعمهم للحق الفلسطيني، بل يعتبرون ذلك من أولى أولوياتهم حتى في لحظات ضعفهم، وهم في هذا يستندون إلى موقف مبدئي منطلقا من عقيدتهم الدينية، وكذا من الشرعية الدولية التي أقرت حق الفلسطينيين في المقاومة لتقرير مصيرهم وإقامة وطنهم المستقل.
مساعي تصنيف الإخوان بدأت مع انتصار الثورات المضادة منذ العام 2013، وقد دفعت دول عربية مليارات الدولارات لدول غربية لتحقيق هذا الهدف، لكن تلك المليارات ذهبت مع الريح في بريطانيا التي أجرت تحقيقا شاملا في العام 2014خلص إلى عدم إدراج الجماعة ضمن قوائم الإرهاب، كما لم تستطع إقناع دول أوروبا الأخرى بهذا التصنيف، رغم أن بعضها اتخذ إجراءات مشددة ضد الجمعيات الإسلامية، ولكن من المفيد أن نذكر هنا أن القضاء النمساوي وجه صفعة لحكومته التي طاردت وداهمت عشرات الجمعيات الإسلامية بزعم أنها إخوانية قبل 4 سنوات فيما عرف بعملية الأقصر، وقد حكم القضاء في 3 أغسطس أب 2021 ببراءة تلك الجمعيات من تهم دعم الإرهاب، واعتبر أن مداهمتها غير قانونية، بل إنه نفى تهمة الإرهاب عن جماعة الإخوان، وأكد أنها حركة جماهيرية تتكون من ملايين الأعضاء، وأن الاستنتاج بأن كل شخص محسوب على الحركة إرهابي هو ببساطة استنتاج خاطئ وغير مقبول.
فرحة نتنياهو بقرار ترامب
من بين 193 دولة أعضاء في الأمم المتحدة لم تصنف الإخوان كجماعة إرهابية إلا 7 دول، أربع عربية، وروسيا، وكينيا، وباراجواي، (وستنضم إليها الولايات المتحدة)، في حين حظر الكيان الصهيوني الجزء الشمالي من الحركة الإسلامية، ويسعى الآن لحظر الجزء الجنوبي الممثل في الكنيست ضمن القائمة العربية، وفقا لما أعلنه نتنياهو الذي كان أول المهنئين للرئيس ترامب على قراره الجديد.
بالعودة إلى المسعى الأمريكي لتصنيف الإخوان والذي انطلق في الحملة الانتخابية لترامب عام 2016، وكان يختفي ويعود للظهور بين الحين والآخر، وأحدثها ما نشره موقع Just The News، فهو جزء من حالة المكارثية أو الإخوانفوبيا الجديدة، والتي يحمل لوائها فريق من داعمي الرئيس ترامب من التيار المسيحي الصهيوني الكاره للإسلام بشدة، والمؤمن بنظرية عودة المسيح ليحكم الأرض ألف عام، وهذا التيار يدعم الكيان الصهيوني كجزء من تسريع عودة السيد المسيح، وضمن هذا الدعم مواجهة كل قوى المقاومة للكيان،وعلى رأسها جماعة الإخوان التي يعتبرها الكيان نفسه وكل أنصاره أنها هي الجماعة الأم لحركة حماس.
حدود تداعيات القرار
يتخذ قرار التصنيف درجات متعددة، لكل منها أثاره، وتداعياته، لكن لنفترض أن التصنيف سيتم بأعلى درجة حيث أعرب ترامب عن رغبته في ذلك، فإن القرار لن يكون له تداعيات خطيرة على إخوان مصر تحديدا، فالجماعة محظورة بالفعل، ومصنفة في مصر و6 دول أخرى ضمن قوائم الإرهاب، ومعظم قادتها ونشطائها، وحتى حلفائها مدرجون بالفعل على قوائم الإرهاب، وبموجبها تمت مصادرة أو تجميد ممتلكاتهم، ومنع سفرهم، وعدم تجديد أوراقهم الثبوتية إلخ، وحتى السفر إلى أمريكا فإن الغالبية العظمى لا تسافر، أو تم حرمانها من التأشيرات الأمريكية خلال السنوات الماضية.
القرار حين يصدر سيكون ذا أثر دعائي إعلامي بالأساس، يظهر من خلاله ترامب كمن نفذ وعدا سابقا له، يرضي به أنصاره من تيار ماجا، ويرضي به اللوبيات الصهيونية، وحلفائه من الحكام العرب الذين قد يفرض عليهم أتاوات ضخمة مقابل هذا القرار.
مواجهة سياسية وقانونية للقرار
لكن هذا لا يمنع من التعامل مع القرار بما يستحقه من اهتمام، حيث ستتضرر منه أطراف اخرى سيتم تصنيفها باعتبارها جمعيات أو كيانات إخوانية، وبالتالي تجميد أو مصادرة أموالها، ووضع قيود على حركة وعمل قادتها، هذا التعامل يكون عبر مسارات سياسية، وقانونية أمام القضاء الأمريكي نفسه للطعن على القرار الذي لا يستند إلى مبررات حقيقية، ولكنه يحمل وجها سياسيا واضحا في دعم الكيان الصهيوني وحلفائه.
التصنيف الإرهابي ليس مقتصرا على الإخوان، وليس قدرا دائما، فجماعة النصرة، أو هيئة تحرير الشام مصنفة “إرهابية”، وزعيمها أبو محمد الجولاني (الرئيس أحمد الشرع) كان ضمن هذا التصنيف، وكان مرصودا عشرة ملايين دولار ثمنا لرأسه، ومع ذلك يستقبله ترامب نفسه اليوم استقبال الفاتحين في قلب واشنطن، كما أن حماس المصنفة “إرهابية”من قبل الولايات المتحدة وأوروبا تستقبل وفودا أمريكية وأوربية رسمية رفيعة المستوى، وطالبان التي صنفتها الخزانة الأمريكية جماعة إرهابية جلست ندا لند على طاولة الحوار مع مفاوضين أمريكيين قبل الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، بل وحتى الإخوان المسلمون المصنفون في بعض البلدان العربية “جماعة إرهابية”، لا يتم التعامل معهم جميعا بطريقة واحدة، فقادة بعض فروعهم يستقبلون بحفاوة في قصور الحكم في عواصم تلك البلدان، ودوام الحال من المحال.







