مقالات وآراء

د.محمد عماد صابر يكتب: تحوّل حركة حماس إلى حزب سياسي.. قراءة شرعية مقاصدية في ضوء فقه المقاومة وإدارة الصراع

الحركات الإسلامية– ومنها حركة حماس– ليست كيانات جامدة لا تتغير، بل هي أطر بشرية مجتهدة تتفاعل مع الواقع السياسي، بشرط ألا تمس الثوابت العقدية أو تستغني عن مقاصد الشرع الكبرى. وقد قرر الإمام الشاطبي أن المقاصد الشرعية تقوم على حفظ الدين والنفس والنسل والعقل والمال، وأن السياسة الشرعية مبنية على تحقيق المصالح ودرء المفاسد في إطار القدرة والاستطاعة.


ومن هذا المنظور، فإن أي تحول تنظيمي أو سياسي– مثل إنشاء حزب سياسي– لا يُنظر إليه كغاية مستقلة، بل كوسيلة تخدم مصالح الأمة وتحمي مشروعها، ما دام ليس فيه تفريط بالثوابت ولا خروج عن مسار الجهاد والمقاومة.

“التثبّت الشرعي من الأخبار ودلالات التسريب”
أخبار الإعلام لا تُبنى عليها مواقف مصيرية، لقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا﴾ (الحجرات: 6).


ومع عدم وجود إعلان رسمي من الحركة، فإن ما تروّجه بعض الصحف قد يكون جزئيًا صحيحًا من حيث وجود نقاشات داخلية، لكنه يبقى في إطار التسريبات السياسية، التي تُستخدم عادة لجسّ نبض الشارع أو الضغط على الأطراف.
أما النقاش الداخلي داخل حماس فهو أمر طبيعي شرعًا، يدخل في باب الاجتهاد، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «الحكمة ضالّة المؤمن» (رواه الترمذي).
كما قرر العلماء القاعدة المشهورة:
«لا يُنكر تغيّر الفتوى بتغيّر الزمان والمكان والحال والقدرة»، وهي أصل في فقه التحولات.

“البعد الشرعي والمقاصدي للنقاش حول التحول السياسي”


فقه التمكين المرحلي حاضر بقوة في السيرة النبوية: فوثيقة المدينة كانت تأسيسًا لبناء مجتمع سياسي.
وصلح الحديبية كان عملًا سياسيًا قُدّم فيه التكتيك على الشعارات.
وإرسال الرسائل للملوك والمفاوضات مع القبائل كانت سياسة خارجية واضحة.
هذه الأعمال تدخل ضمن تحقيق مقاصد القوة والتمكين، مما يؤكد أن العمل السياسي ليس نقيضًا للجهاد، بل أداة من أدواته.
كما أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين قوة السيف وقوة السياسة وإدارة الدولة، وهذا ينسجم مع قاعدة:
«ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب».
فإذا كان تحقيق مصلحة المقاومة أو حماية سلاحها يحتاج إلى ذراع سياسي، فهذا يدخل في باب الوسائل المشروعة.
وفي باب “فقه المآلات” الذي قرره ابن القيم، فإن النظر لا يكون إلى ظاهر التحول، بل إلى نتائجه على:
مصلحة الأمة، صلابة مشروع المقاومة، حفظ السلاح، منع احتواء الحركة داخل منظومات سياسية تفرّغها من مضمونها.
فإن رجحت المصلحة قُبل التحول، وإن غلبت المفسدة كان المنع أولى.

الآثار الشرعية المحتملة للتحول السياسي منها الإيجابي ومنها السلبي.


أثر إيجابي محتمل: قد يشكل الحزب غطاءً سياسيًا يوفّر: شرعية رسمية، وقدرة على المناورة السياسية، وتمثيلًا في منظمة التحرير، وحماية للسلاح داخل إطار وطني لا فصائلي.
وهذا يدخل ضمن مقصد حفظ الدين ومقصد حفظ النفس والأمة.
أثر إيجابي آخر: دمج القوى السياسية الفلسطينية المتناثرة قد يحقق وحدة وطنية أكبر، وهو مقصد شرعي لقوله تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾ (آل عمران: 103).

أثر سلبي محتمل: إذا فُرض التحول تحت ضغط دولي، قد يتحول الحزب إلى باب لاحتواء المقاومة: نزع السلاح تدريجيًا، تمييع العقيدة السياسية، أو إدخال الحركة في بيروقراطية تستهلكها. وهذا يمس مقصد حفظ الدين وأداة الدفع الشرعي (الجهاد).
أثر سلبي آخر: إذا ظن الناس أن التحول السياسي تنازل عن الثوابت، أو تخليًا عن المقاومة، فهذا يورث البلبلة والفتنة، وهو باب من الفساد يجب الحذر منه.

“التوصيات الشرعية المقاصدية”


ضرورة ارتباط التحول السياسي بمشروع مقاوم واضح.
فلا يجوز الدخول في أي خطوة سياسية ما لم تكن تحت سقف واضح يؤكد: مركزية المقاومة، الحفاظ على السلاح، وعدم السماح بتمييع المشروع.
الفصل بين الحركة والحزب
الأصل أن تبقى الحركة مقاومةً وجهادًا، وأن يكون الحزب أداة سياسية تمارس الدبلوماسية والتمثيل والتفاوض دون أن يكون بديلًا عن مشروع التحرير.
هذا يضمن حفظ القوة ويحمي مسار الجهاد من التحول الإداري. إصلاح منظمة التحرير قبل الدخول فيها.


المشاركة يجب أن تستند إلى شروط:


إعادة صياغة الميثاق الوطني، إنهاء التنسيق الأمني، توسيع التمثيل، وعقد انتخابات حقيقية.
وهذا يدخل ضمن مقصد الشورى ومقصد تحقيق العدل.
عدم مناقشة السلاح تحت أي ضغط خارجي، فسلاح المقاومة فريضة دفع لا يجوز التفاوض عليه خارجيًا، لأنه:
أداة التحرير، وصمام الأمان، وسبب بقاء الأمة، وهو داخل في مقصد حفظ الدين والدفاع عنه.
الاستفادة من السياسة دون الارتهان لها.
السياسة وسيلة وليست غاية، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «المؤمن كَيِّسٌ فَطِن» (رواه ابن ماجه)، أي يفهم الواقع ويحسن تقدير المصالح دون التفريط بالثوابت.

الخلاصة الشرعية


التحول السياسي ليس محرّمًا لذاته، بل قد يكون واجبًا شرعيًا إذا كان وسيلة لحفظ الأمة ومشروعها، المقاومة أصلٌ، والعمل السياسي فرعٌ، ولا يجوز تقديم الفرع على الأصل.


الخطر الحقيقي ليس في إنشاء حزب سياسي، بل في السماح للضغط الدولي بتغيير وظيفة المقاومة.
في ضوء المقاصد الشرعية الخمسة، يبقى أي تحول سياسي مشروطًا بحماية القوة، ووحدة الصف، والحفاظ على السلاح، وعدم التنازل عن الثوابت.

سؤال أخير


هل تستطيع حماس الجمع بين دور الفاتحين ودور السياسيين كما جمع الرسول صلى الله عليه وسلم بين بناء الدولة والجهاد؟ الإجابة: نعم، بشرط أن يبقى المشروع ثابتًا وأن تتنوع الأدوات دون تغيير الهوية.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى