مقالات وآراء

د. محمد عماد صابر : طلع البدر على من؟ دلالات استقبال البابا في تركيا بالإنشاد النبوي!!(2)

المشهد الذي استقبلت فيه بعض الجهات البابا في تركيا بأنشودة «طلع البدر علينا» أثار جدلًا واسعًا؛ فهو ليس مجرد خطأ بروتوكولي، بل يحمل أبعادًا شرعية، ومقاصدية، ورمزية، وسياسية لا يمكن تجاهلها.


فالأنشودة التي صدحت عند دخول النبي صلى الله عليه وسلم: للمدينة تحمل معاني التبجيل النبوي والفرح بالرسالة، وهي رمز محمدي خالص، ارتبط بالوحي والهجرة والفتح، ولا يجوز وضعه في سياقات سياسية أو دبلوماسية تخالف معناه الأصلي.


فهل هذا جائز شرعًا؟ وما دلالة هذا الاستخدام؟ ولماذا أرادت بعض الجهات تمرير هذا المشهد تحديدًا؟


هذا ما يكشفه هذا المقال الثانى، وخاصة بعد ان كتبت فى المقال الأول عن زيارة بدأت بغطاء ديني، وتحركت بسياسة الواقع، وانتهت بحسابات استراتيجية عميقة.

حكم استقبال غير المسلمين بأنشودة «طلع البدر علينا»


1- تعظيم خاص لا يُصرف لغير النبي صلى الله عليه وسلم.
أنشودة «طلع البدر علينا» نُشدت للنبي صلى الله عليه وسلم تكريمًا لورود الوحي إلى المدينة.
وصرفُ هذا المعنى لغيره، خاصةً لرجل دين غير مسلم، هو تجاوز للتعظيم الشرعي، وخلط للقداسة بالمجاملة السياسية.

  • 2- مخالفة لمقصد التوقير


قال تعالى: ﴿لِتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ﴾
وهذا التوقير خاص به صلى الله عليه وسلم. واستخدام النشيد في غير موضعه يُعد إساءة رمزية لمعاني التوقير الشرعي.

3- تلبيس على العامة: عندما يسمع ملايين المسلمين نشيدًا نُشد للنبي صلى الله عليه وسلم يُوجَّه إلى البابا، فإن ذلك قد يُحدث: خلطًا بين مقام النبوة ومقام رجل دين من أهل الكتاب.. تطبيعًا رمزيًا مع قيادات دينية تُخالف العقيدة.. تمييعًا للرموز الإسلامية.
الخلاصة الشرعية: غير جائز شرعًا، لأنه تعدٍّ على معنى التعظيم النبوي، ولأنه خلط مقدّس بالسياسي العام.

لماذا «طلع البدر علينا» بالذات؟ (الدلالة العميقة)


1- استخدام الرموز الإسلامية لأهداف سياسية.
تركيا اليوم تستخدم «الرموز الدينية» في الدبلوماسية الثقافية.


واختيار «طلع البدر علينا» يوحي بأن:
القادم له مكانة روحية محترمة لدى المسلمين.
الزيارة ذات بعد ديني ورسالي، لا سياسي فقط.. وهذا خطير لأنه: يدخل البابا في دائرة الرموز الدينية الإسلامية.. يجعل بعض الجمهور يراه في منزلة غير منزلة رجل الدين غير المسلم.

2- محاولة إنتاج “صورة حضارية”


الهدف: إظهار تركيا كجسر بين الإسلام والغرب. لكن استخدام رمز محمدي خالص لإرسال هذه الرسالة يفرغ النشيد من مكانته ويضعه في خدمة بروتوكول سياسي.

3- إرسال رسالة طمأنة للفاتيكان


في لحظة حساسة: حرب غزة.. التوترات مع واشنطن.. ضغوط أوروبية على تركيا.. مخاوف من “أسلمة المجتمع”.
فجاء المشهد كخطاب دبلوماسي ناعم: “نحن منفتحون عليكم… حتى بتراثنا الإسلامي”.

الخلفية العقدية: خلط المقدّس بالرمزي!

  • 1- مقام النبوة لا يساويه أحد
  • فكرة استقبال بابا الفاتيكان بالنشيد الذي استُقبل به النبي صلى الله عليه وسلم تُعتبر عقديًا: تسوية رمزية خطيرة.. تشويهًا لمعنى توقير النبي صلى الله عليه وسلم. تطبيعًا دينيًا غير محسوب.
  • 2- مقدسات الأمة ليست أدوات بروتوكولية.. المقاصد الشرعية تقتضي: حفظ هوية الأمة.. صيانة رموز الرسالة.. عدم تذويب الفوارق العقدية في المجاملات السياسية.

الدلالة السياسية– لماذا الآن؟


1- تركيا تريد إعادة تموضع عالمي
خاصة في: شرق المتوسط.. ملف اللاجئين.. علاقة تركيا بالاتحاد الأوروبي.. ملف غزة.
استقبال البابا بهذه الطريقة يقدّم خطابًا: “نحن دولة مسلمة منفتحة، صديقة للغرب، تحترم المسيحية”.

  • 2- الفاتيكان يسعى لتوسيع نفوذه
    الفاتيكان يراقب: وضع المسيحيين في الشرق.. الحرب في غزة.. توازنات المنطقة. لذلك يأتي هذا المشهد كتسهيل لدور الفاتيكان السياسي.
  • 3- محاولة امتصاص الاحتقان الغربي ضد الإسلام السياسي.. بعد صعود خطاب “الأسلمة”، واتهامات الغرب للحركات الإسلامية، تريد بعض الأطراف إرسال رسالة تهدئة.

الموقف الشرعي المقاصدي


1- المقصد الأعظم: صيانة هوية الأمة.. الرموز الدينية ليست ملكًا سياسيًا يُستخدم عند الحاجة.

  • 2- سدّ الذريعة: “حتى لو قيل إن الأمر “مجاملات بروتوكولية”
    فالنتيجة: إفساد في الوعي العام.. تشويه لمعنى النشيد.. التباس عقدي عند الأجيال.
  • 3- احترام غير المسلمين لا يعني تعظيمهم.. الإسلام يدعو للعدل، للسلام، للتعايش.. لكن دون التفريط في رموز النبوة.

ما الذي ينبغي فعله؟


يجب على المؤسسات الإسلامية والعلماء إصدار توضيح لحفظ الرمزية النبوية.. يجب التفريق بين:
الترحيب السياسي العادي، والترحيب الرمزي الديني.. يجب منع استخدام الأناشيد النبوية خارج سياقها الشرعي.

خاتمة؛ إن استقبال البابا بأنشودة «طلع البدر علينا» ليس مجرد خطأ عابر؛ بل خلط خطير بين مقام النبوة ومقام رجل دين من أهل الكتاب، وتمييع للرموز الإسلامية، وتبديل لمعاني التوقير الشرعي.
من حق الدول أن تستقبل ضيوفها، ومن حق الشعوب أن تتعايش، لكن ليس من حق أى أحد أن يُذيب مقدسات الأمة في مجاملات سياسية أو رسائل دبلوماسية.


فقداسة الرموز ليست للمساومة، و«طلع البدر علينا» ليست أنشودة بروتوكولية.. بل نداء الأمة لرسولها عند لحظة الهجرة والفتح، ولا يجوز صرفها لغيره صلى الله عليه وسلم.

28/11/2025

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى