مقالات وآراء

شادى العدل يكتب : المعارضة الآثمة


في المسرح السياسي المصري، حيث تتداخل الأقنعة وتضيع الحقيقة، تبرز شخصية “المعارض المستأنس” كأكثر الشخصيات تراجيدية، إنها معارضة تتفاوض في الغرف المغلقة، وتتاجر بالشعارات، وتبيع الوهم للمواطن، بينما تبيع ضمائرها للسلطة، إنها “المعارضة الآثمة” التي حولت الهزيمة إلى خيار استراتيجي، والانبطاح إلى فن للبقاء.

ولهذه المعارضة مجموعة من الخطايا الفجة،
وأولى خطايا هذه المعارضة هي تحويل المقاعد النيابية إلى سلعة في سوق النخاسة السياسية، فبدلاً من أن تكون القائمة المغلقة المطلقة فرصة لإدخال كفاءات حقيقية إلى البرلمان، أصبحت سوقاً لبيع الوهم، فقيادات هذه الأحزاب تتفاوض مع الأجهزة الأمنية على عدد المقاعد، ثم تبيعها بدورها للمرشحين الراغبين في دخول البرلمان، بغض النظر عن انتمائهم الفكري أو السياسي، فالملايين أصبحت هي اللغة الوحيدة للدخول إلى قبة البرلمان، بينما الكفاءة والالتزام الفكري أصبحا من مفردات الماضي.

هذه الصفقات المشبوهة حولت المعارضة
من رقابة على الفساد إلى شريك فيه، فأي معارضة هذه التي تتاجر بمقاعد الشعب، وتستفيد من نظام انتخابي مجحف، ثم تتحدث لاحقاً عن الدفاع عن حقوق هذا الشعب؟

أما الخطيئة الثانية هي التضحية بالكوادر الشابة
وقوداً للمعركة، بينما تبيع قيادات هذه الأحزاب المقاعد بالملايين، نجدها تدفع بالكوادر الشابة إلى المذبح، فهم يرشحونهم في الدوائر الفردية الصعبة، حيث لا دعم مادي ولا سياسي ولا إعلامي، بل يتركونهم ليُهزموا ويكسروا، فيصبحون مجرد “وقود للمعركة”.

هذه الاستراتيجية الماكرة تخدم غرضين،
الأول إيهام القاعدة الشعبية للحزب بأنه يخوض المعركة الانتخابية بجدية، وفي نفس الوقت التخلص من الكوادر الشابة الطموحة التي قد تشكل تهديداً لقيادات الحزب القديمة، إنها جريمة سياسية بحق جيل كامل من الشباب المتحمس، الذين تحولوا إلى مجرد شهداء على مذبح مصالح شخصية ضيقة.

والخطيئة الثالثة التواطؤ مع السلطة لإنجاح مرشحي المعارضة!
فمن أعظم الخطايا هي تلك التي يتم فيها التواطؤ بين المعارضة والسلطة، ففي بعض الدوائر، نجد أجهزة الدولة وأحزاب السلطة نفسها تحشد لمرشحي “المعارضة”! كيف يمكن لمعارض حقيقي أن يقبل بدعم من النظام الذي يفترض أنه يعارضه؟

هذا التواطؤ يفضح حقيقة هذه المعارضة،
فهي ليست معارضة للنظام، بل هي جزء من ديكوره، إنها معارضة “مرخصة”، مهمتها إيهام الرأي العام بوجود تعددية سياسية، بينما هي في الحقيقة مجرد دمية تتحرك كما يريد لها صاحب الخيط.

والخطيئة الرابعة تكمن في الصمت على الاعتداء
على المنافسين الحقيقيين، وهذا الوجه الآخر البشع لهذه الصفقة هو الاعتداء على منافسي هؤلاء “المعارضين المستأنسين”، ففي بعض الدوائر، نجد أجهزة الدولة تتغاضى أو حتى تشجع على الاعتداء على دعاية المرشحين المستقلين أو المعارضين الحقيقيين الذين يرفضون الانصياع لهذه اللعبة.

هنا تتحول “المعارضة الآثمة” من مجرد شريك سلبي
إلى شريك إيجابي في قمع أي صوت حر، إنها تشترك في جريمة تزوير الإرادة الشعبية، ليس فقط من خلال صفقاتها، بل أيضاً من خلال صمتها على الاعتداء على منافسيها.

ونتيجة هذه الخطايا مجتمعة هي تحويل البرلمان
من مؤسسة للتشريع والرقابة إلى مجرد “سيرك سياسي”، برلمان يضم بين جنباته تجاراً وسياسيين فاشلين ووجهاً مستأنسة، جميعهم يجمعهم ولاء واحد، وهو الولاء لمصالحهم الشخصية، والولاء للنظام الذي يضمن استمرار هذه المصالح.

في هذا البرلمان، لا مكان للكفاءة ولا للاستقلالية
ولا للشجاعة، الكل يرقص على نفس النغمة، والجميع ينتظر الإشارة ليعرف متى يصفق ومتى يصمت.

وفي مواجهة هذه “المعارضة الآثمة”، يبرز سؤال مصيري،
هل من خلاص للمشهد السياسي المصري؟

الخلاص لن يأتي من داخل هذه الأحزاب،
فقد استحكمت فيها آلة الفساد والتبعية، فالخلاص الحقيقي سيأتي من خارجها، من صحوة الضمير الجماعي للمواطنين الذين يجب أن يقاطعوا هذه المسرحية الهزلية، ومن ظهور جيل جديد من الأحزاب والسياسيين الذين يرفضون الانصياع لهذه اللعبة، ومن إصلاح حقيقي للنظام الانتخابي يضمن تمثيلاً حقيقياً للإرادة الشعبية.

“المعارضة الآثمة” ليست ظاهرة سياسية عابرة،
بل هي مرض ينخر في جسد الأمة، والشفاء لن يبدأ إلا بالاعتراف بالمرض، ومواجهته بشجاعة، واستعادة السياسة من تجارها، وإعادتها إلى أهلها الحقيقيين.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى