
ترتبط حضر موت بالسودان وإسرائيل والتطبيع حيث تعيش لحظة فارقة، ليست مجرد صدامات قبلية أو خلافات يمنية داخلية، بل مشهد معقّد يتشابك فيه النفوذ السعودي والإماراتي، ويتداخل معه الحضور الإسرائيلي غير المعلن، وترتبط خيوطه بما يجري في السودان، وبالمعادلة الإقليمية التي تحكم مستقبل التطبيع في المنطقة. هذا كله يجعل حضرموت اليوم واحدة من أهم ساحات إعادة رسم خرائط النفوذ في الجزيرة العربية.
تعتبر حضرموت الجائزة الكبرى في جنوب الجزيرة حيث تمثل ثلاثة عناصر استراتيجية متداخلة:
ثروة نفطية وبنية لوجستية ترغب القوى الإقليمية في التحكم بها.
عمق جغرافي مفتوح على السعودية وعُمان وبحر العرب، ما يجعلها نقطة تحكم حساسة في الأمن الخليجي.
ساحل طويل ترى فيه الإمارات بوابة لربط مشاريعها البحرية الممتدة من الخليج إلى القرن الإفريقي.
لهذا السبب لم تعد حضرموت مجرد محافظة يمنية، بل أصبحت ساحة صراع نفوذ مباشر بين شريكي التحالف سابقًا: الرياض وأبوظبي.
ومن هنا ندرك؛ من يحرك التوترات؟
1- السعودية: حماية العمق ومنع التمدد المنافس.
ترى الرياض أن وادي حضرموت والمهرة يمثلان امتدادًا طبيعيًا لأمنها القومي. ومن ثم تعمل على:
دعم القوى القبلية الحضرميّة التي تطالب بإدارة محلية قريبة من السعودية.
منع أي نفوذ إماراتي أو حوثي أو خارجي على حدودها الجنوبية الشرقية.
الحفاظ على خطوط النفط والاتصال البري التي قد تمنح المملكة منفذًا إلى بحر العرب خارج مضيق هرمز.
بالنسبة للسعودية، حضرموت ليست ملفًا يمنيًا فقط، بل خط دفاع أول عن أمنها الوطني.
2- الإمارات: مشروع “الساحل المتصل”.
الإمارات لا تخفي مشروعها الأوسع:
شبكة من الموانئ والقواعد والنفوذ البحري تمتد من الخليج إلى باب المندب والقرن الإفريقي.
وباعتبار الساحل الحضرمي بوابة طبيعية إلى بحر العرب، تعمل أبوظبي على:
تمكين الفصائل المسلحة الموالية لها على الساحل.
تعزيز وجودها في سقطرى والجزر اليمنية الأخرى.
خلق نفوذ طويل المدى في البحر الأحمر وخليج عدن.
التوتر في حضرموت هو انعكاس مباشر لمحاولة الإمارات استكمال الطوق الجغرافي البحري الذي تراه أساس قوتها الاقتصادية والسياسية.
لكن؛ أين تقف إسرائيل في الخلفية؟
قد لا تظهر إسرائيل علنًا في حضرموت، لكنها حاضرة بوضوح على مستوى:
المشاريع الأمنية والاستخبارية المشتركة مع الإمارات في سقطرى والجزر القريبة من خطوط التجارة.
دعم الرؤية الإماراتية للسيطرة على سواحل البحر الأحمر وباب المندب.
السعي لتأمين خطوط الملاحة وضبط حركة السلاح الإيراني عبر البحر.
عمليًا، الحضور الإماراتي القوي في الساحل اليمني يفتح الباب لنفوذ إسرائيلي غير معلن، ويمنح تل أبيب نافذة استراتيجية على بحر العرب وخليج عدن كانت مستحيلة قبل سنوات.
حقا؛ السودان… النموذج الذي يُخشى تكراره في حضر موت.
الربط بين حضرموت والسودان ليس مبالغة، فهناك نمط إقليمي متكرر:
صناعة “قوة موازية” داخل الدولة عبر دعم مالي وعسكري خارجي.
تضخم هذه القوة لتصبح منافسًا للجيش النظامي.
انفجار صراع داخلي يتحول إلى حرب أهلية كما حدث مع قوات الدعم السريع.
وجود فصائل متعددة الولاء في حضرموت— قبائل، انتقالي، تشكيلات مدعومة إماراتيًا أو سعوديًا— يجعل السيناريو السوداني قابلاً للتكرار إذا استمرت اللعبة نفسها:
تفكيك الدولة مقابل تعزيز الميليشيات. والنتيجة المتوقعة في حال الانفجار: صراع حضرمي- حضرمى، وتمدد النفوذ الخارجي، واحتمال انزلاق المنطقة إلى صدام طويل.
وماذا عن السعودية والتطبيع؟
بعد حرب غزة، لم يعد التطبيع مع إسرائيل خيارًا سهلاً أو قريبًا.
السعودية تُبقي الباب مفتوحًا لكنها:
ترفض التسرع قبل ضمان ترتيبات أمنية أمريكية واسعة.
تدرك أن الحضور الإسرائيلي في سواحل اليمن— عبر الإمارات— يمس مباشرة أمنها البحري.
تستخدم ملف التطبيع كورقة مساومة مع واشنطن، وليس كهدف عاجل. وهنا يظهر وجه آخر لصراع حضرموت: الرياض لا تريد نوافذ إسرائيلية على بحارها دون موافقتها.
ولهذا تقاوم الرياض تمدد نفوذ أبوظبي في الساحل الحضرمي.
يبقى؛ قراءة إستراتيجية شاملة
1- حضرموت لم تعد يمنية فقط
هي عقدة جيوسياسية تربط الخليج بالبحر الأحمر والمحيط الهندي.
من يكسبها يتحكم بخطوط الطاقة والتجارة.
2- صراع سعودي– إماراتي يعيد رسم الخريطة،فقد تحوّلت شراكة الأمس إلى تنافس صامت على الموانئ والنفوذ الأمني.
3- إسرائيل ليست بعيدة، هي شريك خفي في مشروع السيطرة على البحر الأحمر، ولو من وراء الإمارات.
4- شبح السودان يحوم فوق حضرموت.. ميليشيات متعددة الولاءات، سلاح خارجي، هشاشة دولة.. وكل العناصر جاهزة لانفجار مشابه.
5- معادلة التطبيع جزء من اللعبة
السعودية تستعمل حضرموت وأمن البحر الأحمر كأوراق تفاوضية، وترفض أن تُفاجأ بوجود إسرائيلي غير محسوب في خاصرتها البحرية
“خلاصة للمشهد القادم”
حضرموت ليست مجرد “توترات”، بل مقدمة لإعادة توزيع النفوذ في جنوب الجزيرة.
الخليج يعيد ترتيب خرائطه، والإمارات توسّع مشروعها البحري، والسعودية تستعيد أوراق القوة، وإسرائيل تراقب وتنسّق، والسودان يقدم نموذجًا تحذيريًا ينبغي تجنّبه.
المستقبل سيعتمد على سؤال واحد:
هل تتجه حضرموت إلى تفاهم هادئ يضمن توازن النفوذ؟
أم نحو انفجار صامت يعيد تكرار سيناريو السودان في جنوب الجزيرة؟
الجواب لا يزال مفتوحًا.. والوقت ليس في صالح اليمن ولا في صالح المنطقة.







