شباك نورمقالات وآراء

د. أيمن نور يكتب: نور بين نارين وحافتين . تخوم الحقيقة وحتميّة المصير” أوراق من نور: 3

3 ايام تفصل بيني وبين ان أصل لحافه الواحد والستين عاما..
اشعر كمن يصل إلى شرفةٍ مرتفعة
لم يقصدها،لم يتوقعها، لم يتحسب لها
وهو المصاب بدوار الاماكن العاليه بعد عقود قضاها في زنازين ارضيه وبيوت من طابقين
لكن خطوات عمرٍ كامل
صعدت به—رغمًا عنه—.
لم اصعد-يوما-درجا متساويا
لم أعبر-يومًا-طريقًا مستويًا،
ولدت في عواصف ديسمبر
كنت-دائمًا- ابن الحوافّ…

وُلدت.. وامي،على حافةموت،
فلم يقبل طبيب بحملها
لمرض صمامات قلبها
لكني ولدت
وعاشت وعشت
عشت وعاشت 29عاما بحافة الخطر،
ووجدت نفسي
في كل محطة
أسير على شفره
لا تسمح بالهفوة،
ولا تغفر الخطأ.

تعلّمت من ميلادي الأول
أن الحياة لا تمنح هدايا مجانية،
وأن الطفل الذي يبدأ رحلته
قريبًا من الفناء
يحمل معه
حدسًا لا يشيخ،
وعيًا لا ينام،
وقلبًا يطرق أبواب الضوء
بحذرٍ لا يراه أحد.
ومنذ تلك اللحظة
وأنا أعيش بنصف خطوة
فوق الهاوية،
ونصف خطوة
نحو النجاة.

وعند تخوم ال 61
أفهم ما لم أفهمه سنين:
أن حياتي كانت دائمًا
بين الأمل واليأس،
كمن يقف على جسر هشّ
يجمع بين سماءٍ تنتظر فجر
لا يشرق وليلٍ يرفض الرحيل.
وبين الحرية والمنفى،
كمن يحمل وطنه في روحه
ويحمل غربته في حقيبته.
بين القلب والواجب،
حيث كل خطوة
امتحان لآخر نور تبقّى.
واخر دولار لم ينفق

وفي سنواتٍ كثيرة
كنت أقف على الحافة
بين الرجل وظله:
الرجل بما يملكه من وضوح،
والظل بما يحمله من خوفٍ .
كلما هربتُ من الظلّ سبقني،
وكلما واجهته، تصالح معي.
هكذا اكتشفت أن الظل
ليس عيبًا، بل مرآة.
تعكس صور باهته حولي
اسأل نفسي- احيانا-
اذا مثل هؤلاء خارج
“سرايه المجانين”
فمن بها اذن؟!

الحافةالأكثر قسوة:
حافة بين التسامح والحزم .
تعلمت في 61 عاما:
أن التسامح ليس ضعفًا،
~لكن البعض لم يتعلم~
وأن الحزم ليس قسوة،
~لكن البعض يقسوا~
وأن الصراخ
لا يبني وطنًا
ولكن البعض يصرخ حولي
ظننا انه يبني نفسه.
كنت أحمل قلبي ككفّ ماء،
وأحمل موقفي كسكينٍ
يُستخدم ~فقط~
حين يفرض الظلم
حدّه الأخير.

ثم اكتشفت أن الحقيقة نفسها
تقف على حافة الخطر:
بين الحقيقة والوهم.
فالوهم يأتي بثياب أنيقة،
أما الحقيقة
فتأتي عاريةً
لا تثير أحدًا،
لكنها وحدها
تمنح النجاة.
تعلمت أن الرؤية
والعقل والاعتدال
بضاعه اتلفها الهوي
اخطرا علي المستبدين
واوجعً علي الظالمين
تصيبهم بالعمى المؤقت.

حافة أخرى
أخفتُها السنوات عني طويلًا:
حافة بين الماضي والمصير.
نمدّ أيدينا إلى الخلف
لنحمل ما تبقّى من سنواتٍ
لا تعود،
وننظر إلى الأمام
فنرى طريقًا
لا يشبه أي طريقٍ .
فندرك—بهدوءٍ موجع—
أن الماضي جرحٌ مأمون،
وأن المصير
جرحٌ نجهل مكانه.

أصعب حوافّ ال61:
حافة بين الغربة والعودة.
الغربة ليست منفى المكان،
بل منفى الروح.
والعودة ليست رجوعًا إلى تراب،
بل رجوعًا إلى وطنك و نفسك
إن بقيت فيها مساحة للعودة.
وقفت عند هذه الحافة سنواتٍ
فهمت خلالها
أن بعض البلاد
نرحل عنها،
لانها ترحل منّا.

واليوم، وأنا أقف على حافة
الواحد والستين،
أعرف أن كل تلك الحوافّ
لم تكن مصادفات،
بل كانت الطريق نفسه:
طريقٌ أراد لي الله
أن أراه من فوق خطوطه،
لا من وسطه،
وأن أفهم أن السقوط
جزءٌ من الطيران،
وأن الانكسار
أحد طرق المعرفة،
وأن الرجل
لا يُقاس بما عاش…
بل بما نجا من عقله.

لهذا أكتب…
لا لأحصي السنوات ال61،
بل لأذكر الحافة الأولى
التي منحتني الحياة،
والحوافّ التي منحتني خبرتها،
الحافة التي أقف عندها الآن…
مترددًا،
مطمئنًا،
ممتنًا،
مستعدًا لنورٍ جديد
يولد دائمًا
عند تخوم الحقيقة…
وحتميّة المصير.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى