مقالات وآراء

مصباح العلي يكتب : لبنان. البلد الإعجوبة في تجاوز المحن

هذا هو لبنان، البلد الإعجوبة، النموذج الدائم في تخطّي الصعاب وتجاوز المحن. ثلاثة أيام من الرجاء عاشها البلد الصغير – الكبير في حضرة البابا لاوون الرابع عشر ، فظهر الشعب اللبناني على حقيقته: شعبٌ تواقٌ إلى السلام، عاشقٌ للحضارة، ومؤمنٌ بالحياة.

لم تأتِ زيارة البابا لاوون 14 إلى لبنان بُعدًا بروتوكوليًا أو طابعًا دينيًا صرفًا، بل حملت أبعادًا إنسانية ووطنية وروحية عميقة. أراد من خلالها أن يوجّه رسالة دعم مباشرة إلى شعب يتألم ولا ينكسر، وأن يعيد تثبيت لبنان في وجدان العالم بوصفه وطن الرسالة، لا ساحة الأزمات. هدفت الزيارة إلى:

  • تثبيت خيار العيش المشترك في وجه مشاريع التفكيك.
  • دعم الاستقرار والسلم الأهلي في منطقة تعصف بها الحروب.
  • إعادة شدّ أنظار المجتمع الدولي إلى قضية لبنان المنسيّة.

التأكيد أن لبنان ليس هامشًا في الشرق، بل قلبٌ نابض للحوار بين الأديان والحضارات.

غابت الصراعات مؤقتًا، وحضر الوئام بين الطوائف، في مشهد نادر يختصر جوهر لبنان. لبنان الرسمي حاول أن يُظهر ملامح الدولة، ولبنان الشعبي قدّم الدليل الحيّ على أنّه شعب يليق به أن يعيش، مهما اشتدت الأزمات، ومهما ضاقت السبل.

غير أنّ التحدّي الأبرز يبقى في كيفية التعامل مع الخطر الإسرائيلي الدائم، الذي لم يغادر يومًا معادلات القلق اللبناني. فمشكلة لبنان أنّه، بطبيعته وتكوينه، نقيض الفكر الصهيوني: وطن التعدّد والانفتاح في مواجهة مشروع الإلغاء والهيمنة، وطن الاعتدال في مواجهة ثقافة العدوان، ووطن الإنسان في مواجهة منطق القوة.

لبنان هو جسر عبور ثقافي بين الشرق والغرب، ووعاء حضاري استوعب العالم بأسره، فكان مساحةً للحرّية، وملتقىً للأديان، ومنبرًا للفكر، ومختبرًا حيًّا للحوار الحضاري. فيه يتلاقى الشرق بروحه، والغرب بعقله، فتتزاوج القيم الروحية مع الحداثة، وتولد هوية فريدة لا تشبه سواها.

لكن التاريخ ظلمه مرارًا، والجغرافيا أثقلته بالأعباء، ومع ذلك بقي واقفًا، ينهض من كل كبوة، ويعلن في كل مرة: هنا وطن لا يُكسر.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى