
د. أيمن نور يكتب
دعونا نتفق أن العمل السياسي في كل مجالاته الحزبية والنقابيّة هو حق للجميع في الدساتير التي يفترض أنها تنظّم الحقوق والحريات، أو وفقًا للشرعة العالمية لحقوق الإنسان التي أصبحت جزءًا من القوانين الوطنية بعد المصادقة عليها.
ولا أحد ينبغي أن يطالب أحدًا باعتزال العمل السياسي.
وكل من راهنوا على أن عزل الإسلاميين سيفتح لهم المجال العام قد أخطأوا، لأن عزل أي فصيل والقبول بمصادرة حقوقه وحرياته يفضي إلى عزل الجميع وإغلاق المجال العام بالكامل، كما هو الحال في مصر الآن.
ولا أعتقد أن الدكتور مراد علي بدعوته قد قصد ذلك.
ولكن دعني أقول يا دكتور عمار فايد إن ممارسة العمل السياسي بشكله المعروف في العالم كله تخضع لتنظيم وتدقيق لضمان نزاهة الممارسة السياسية، وذلك في التمويل والدعاية والإعلام وكل ما يتعلق بتضارب المصالح في العلاقات أو العمل التجاري وغير ذلك من معايير الاستقلال.
المشكلة لدينا في التيار الإسلامي كله في مصر – باستثناءات بسيطة كتجربة حزب الوسط – أن البعض يرى الأحزاب أو النقابات أو سائر الكيانات السياسية عبارة عن لجان من لجان الجماعة الأم، تتمتع بشخصيتها القانونية في العلن، لكنها في الحقيقة تُدار من خلال مكتب الإرشاد أو مجلس الشورى أو المدرسة السلفية وخلافه.
هنا وقع الخلط بين وظائف الجماعات الإسلامية المتعددة من دعوة وعمل خيري وتعليم ورعاية صحية ومشاريع تجارية ومصالح خاصة، وبين العمل السياسي والحزبي، وهو الأمر الذي أضر بالطرفين.
واجب علينا يا دكتور عمار وعلى كل من يحبون الإخوان – باعتبارها الجماعة الأكبر – وكذلك الجماعات الإسلامية الأخرى التي انخرطت في العمل السياسي، أن نعترف بأن هذا الخلط يحتاج إلى إصلاح.
وقد طالبت بذلك منذ عشرة سنوات على الأقل، بل ومن بعد نجاح ثورة يناير من داخل مصر.
والزملاء من القيادات السياسية والبرلمانيين سمعوا ذلك مني عشرات المرات من قبل.
قلت مرارًا إن الإخوان لديهم حزبًا منحه الشعب المصري الشرعية في انتخابات حرة في البرلمان والشورى والرئاسة، اسمه “حزب الحرية والعدالة”.
أين هو الآن؟
للأسف تم دفنه في إطار الخلافات، بينما كان ينبغي أن يكون المظلة السياسية التي يعمل من خلالها كل من انتدبوا أنفسهم للعمل السياسي.
وكان يجب المحافظة عليه والحديث باسمه حتى لو زعم العسكر أنهم قاموا بحله، لأن الأحزاب الشرعية لا تفقد شرعيتها بالانقلابات العسكرية.
فإذا بنا نعمد لقتل الحزب ونصرّ على ممارسة العمل السياسي باسم الجماعة، ومن هو المرشد، ومن هو القائم بالأعمال، وهو من الأخطاء المدمرة بعد الثورة وبعد الانقلاب.
كانت لدينا أحزاب، ولكن القرارات كانت تُطبخ خارجها… ولا أستثني أحدًا.
إذن الدعوة للمراجعات قديمة وليست جديدة، وهي ضرورة لتنظيم العمل السياسي وفقًا للتخصص والاستقلالية، وإعادة الاعتبار للمعايير التنظيمية المعمول بها في الأحزاب في العالم فيما يتعلق بتنظيمها ومسؤوليات الأعضاء واستقلال هذه الكيانات في قرارها وتمويلها وانتخاب قياداتها.
وفصل ذلك تمامًا عن المجالات الأخرى التي تضطلع بها الجماعات، مع كامل الاحترام للجميع.
وهذا بالمناسبة ينطبق على الجميع وليس فقط على الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية.
فقد شهدنا أحزابًا ليبرالية يُشكّلها رجال أعمال أسسوا أحزابًا وقنوات وصحفًا وأنفقوا ملايين من الأموال السياسية وأداروا ذلك من الخلفية.
وكل هذا مخالف للأصول المرعية في العالم.
العمل السياسي تخصص والمنافسة تحتاج إلى معايير عادلة بين الجميع.
وهذا لا يتناقض مع حق كل مواطن في اعتناق ما يشاء من أفكار وبرامج يراها الأفضل لخدمة الناس والبلاد.
وهناك فروع لجماعة الإخوان في المغرب العربي وغيره تجاوزت هذا الخلط وقطعت شوطًا في الفصل بين الدعوي والسياسي.
فأرجو تحرير نقاط الاختلاف… لا إقصاء لأحد، ولكن لكل مقام مقال، وأن تكون هناك مبادرات شجاعة لإعادة النظر فيما يجب المبادرة به، ولا علاقة لذلك بقرارات ترامب أو غيره من الأنظمة الاستبدادية المحيطة بنا.
فالحكمة ضالة المؤمن.







