
منذ عام 2013 وحتى اليوم، يظل ملف المعتقلين السياسيين في مصر أحد أكثر الملفات تعقيدًا وإيلامًا، أكثر من اثني عشر عامًا مرّوا، كان الزمن خلالها هو الفاعل الأول، يقتطع من أعمار المحتجزين وأسرهم بلا رحمة.
شباب دخلوا في بداية العشرينات واليوم قد تجاوزوا الثلاثين، آباء تغيّرت ملامحهم، وأمهات انحنى ظهرهن من طول الانتظار، كلها أعمار تذوب خلف أسوار صامتة لا تُجيب عن سؤال: إلى متى؟
المشكلة لم تعد قانونية فحسب، ولا هي خلاف سياسي عابر، نحن أمام جرح إنساني مفتوح، تتسع آلامه كل يوم، وتتمدّد مخاطره على النسيج الاجتماعي المصري.
آلاف الأسر تعيش حالة “كوكبة” منذ سنوات.. لا تنتقل إلى الفرح، ولا تعرف طريق النهاية، مجرد انتظار ثقيل يستنزف الروح.
ورغم كل الضجيج الذي رافق الملف، إلا أن الحقيقة الواضحة تقول بأن “القضية لن تُحل وحدها” ، لن تتحرك دون إرادة سياسية شجاعة، ودون استعداد من جميع الأطراف لتقديم تنازلات حقيقية، مهما كانت مؤلمة.
قد تبدو كلمة “صفقات” كبيرة وصادمة، لكنها في هذا السياق ليست عيبًا ولا ترفًا، الدول المتحضرة تدير خلافاتها الكبرى عبر صفقات سياسية تحفظ حياة البشر قبل أي شيء آخر، فكيف إذا كانت حياتهم معلّقة منذ أكثر من عقد من الزمان؟
المعتقلون ليسوا أرقامًا في تقارير، ولا ملفات تنتظر ختمًا إداريًا، إنهم بشر، تركوا وراءهم أسرًا تبحث عن بصيص نور. أطفال نشأوا من غير آبائهم، زوجات تحملت سنوات الوحدة، وأمهات تتعلق بأمل ضعيف بأن ترى أبناءها قبل أن ينتهي العمر.
الوقت حان لفتح الملف بلا خوف، وبدون حسابات ضيقة،
حان الوقت لتدخلات جادة، لتفاوض حقيقي، لتفاهمات تُنهي هذا النزيف.
حان الوقت لأن تتراجع الخلافات خطوة، ليعود الحق في الحياة والأمل إلى أولئك الذين ضاعت أعمارهم، رغم أن كثيرًا منهم لم يحمل سوى حلم بوطن أفضل.
الملف لا يحتاج إلى “مبادرة” جديدة تُضاف إلى أرشيف المبادرات.
هو بحاجة إلى شجاعة وقرار!
هو بحاجة إلى أن نُعلن بصوت واضح “لا وطن يُبنى خلفه آلاف الزنازين المفتوحة.. ولا مستقبل يبدأ بينما آلاف البيوت مهدمة.
إن إنهاء هذا الملف ليس انتصارًا لطرف على آخر، بل انتصار للوطن نفسه.. وللإنسان.





