الصحفيون في تونس بين ضغوط أمنية وتعطّل إداري يعرقل عملهم اليومي

يثير استمرار امتناع السلطات التونسية عن منح البطاقات الصحفية للعاملين في المجال الإعلامي جدلًا واسعًا بين الصحفيين، وسط مخاوف متنامية بشأن مستقبل حرية التعبير في بلد ناضل مثقفوه لعقود طويلة من أجل الحرية والكرامة والعدالة. وخلال الأيام الماضية، شهدت شوارع تونس مسيرات احتجاجية تندد بما وصفه المشاركون بـ”قمع الحريات” و”انتهاك العدالة”، فيما نظمت نقابة الصحفيين يوم 20 نوفمبر الماضي مظاهرات تطالب بتسوية أوضاع الصحفيين ووقف الانتهاكات، وفي مقدمتها حرمانهم من الحصول على البطاقات الصحفية. وبينما يرى مقربون من الحكومة أن تعطّل إصدار البطاقات سببه “مسائل إدارية بحتة”، تؤكد نقابة الصحفيين أن المراسلين يواجهون “مطالب يومية من قوات الأمن بإبراز تراخيص عملهم”، في حين لا يزال عدد من الإعلاميين يقبعون في السجون بسبب تعبيرهم عن آرائهم.
“تعطيل مقصود” يعرقل عمل الصحفيين ويضعهم تحت ضغط أمني
قال زياد دبّار، رئيس النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين، إن عدم تسليم بطاقة الصحفي للعام الجاري يعود إلى “تعطيل من طرف رئاسة الحكومة للجنة الوطنية لبطاقة الصحفي المحترف”. وأوضح أن اللجنة لا تكتمل قانونيًا لغياب عضوين، وأن تعيين رئيس للجنة من رتبة قاضٍ إداري يحتاج إلى قرار ينشر في الجريدة الرسمية. وأضاف: “نعتبر ما يحدث تعطيلًا مقصودًا لعمل الصحفي، وهذه سابقة تاريخية، فلم يحدث الأمر حتى عام 2017”. وأكد دبّار أن غياب اللجنة خلق “فراغًا مؤسساتيًا وتشريعيًا” استندت إليه الحكومة لترك الصحفي تحت ضغط أمني، لافتًا إلى أن دوريات الأمن تعيق عمل الصحفي بسبب غياب البطاقة. وأشار إلى توقف منح رخص التصوير لمراسلي الإعلام الأجنبي، معتبرًا أن “هوية الصحفي أصبحت مهددة”، وأن النقابة بصدد اتخاذ خطوات، دون كشف تفاصيلها.
“مناخ مُنفّر ومخيف” يهدد ما تبقى من المؤسسات الإعلامية
في المقابل، قال عبد الحق طرشوني، مساعد رئيس تحرير متقاعد بالقناة الوطنية الأولى، إنه “لا وجود لخطر كبير يهدد الصحافة”، وإن الصراع بين السلطة والصحافة “طبيعي ودائم”، مشددًا على احترام الميثاق المهني. بينما رأى الصحفي مختار كمون أن البطاقة الصحفية “مسألة حيوية” وإن غياب اللجنة الوطنية منذ عامين جعل الصحفي “عاجزًا أمام آلة أمنية وبيروقراطية صمّاء”. وأوضح أن تعطّل تسمية المسؤولين وملء الشواغر أصبح “سمة لإدارة الدولة خلال الفترة الأخيرة”، وأن تعطّل لجان ومجالس حيوية مثل لجنة البطاقة ومجلس إدارة البنك المركزي بات ظاهرة. كما أشار إلى أن قضايا الصحفيين مثل شذى بلحاج مبارك وبرهان بسيس ومراد الزغيدي أُثيرت في سياق صراع سياسي محتدم، ما خلق “مناخًا منفّرًا للعاملين في الإعلام” وزاد من الرقابة الذاتية. وختم كمون بالتأكيد على أن التهديد اليوم يأتي من “تخلي الدولة عن دورها في تنظيم القطاع”، داعيًا إلى مراجعة القوانين وتوفير حماية مهنية للصحفيين.




