مقالات وآراء

قطب العربي يكتب : هل يصنف ترامب الأمم المتحدة منظمة إرهابية؟!

يبدو سؤال المقال ساخرا أو هزليا، لكنه يكتسب بعض الوجاهة من تصرفات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأخيرة والتي تجرم من لا يسايرون سياساته وأهواءه، ومن يواجهون إجرام حلفائه -كما هو الحال مع دولة الاحتلال الإسرائيلي- وتصنفهم منظمات إرهابية..

هذه التصرفات الترامبية تشي بأننا أمام شخصية سادية، متمردة على الشرعية الدولية، تستخدم إمكانيات الدولة العظمى لفرض سياساتها وتصوراتها دون سند من قوانين أو مواثيق دولية.

نحن أمام إدارة أمريكية متفردة في أسلوب عملها، لا تحترم الأمم المتحدة وقراراتها وتوصياتها، بل تعتبرها تجمعا للأشرار، وقد انسحبت بالفعل من العديد من المنظمات الدولية التابعة لها مثل اليونسكو، والصحة العالمية، ومجلس حقوق الانسان، ومن اتفاقية باريس للمناخ، كما فرضت عقوبات على قضاة محكمة العدل والجنائية الدولية بسبب قراراتهم ضد قادة إسرائيل، وإصدار أوامر اعتقال بحق نتنياهو ووزير دفاعه السابق يؤاف غالانت المتهمين بممارسة الإبادة البشرية بحق الفلسطينيين، كما أنها إدارة التقلب في قراراتها التي تربك بها المشهد الدولي كما فعلت مؤخرا في أزمة التعرفات الجمركية، ومن هنا تأتي احتمالات تصعيد موقفها تجاه الأمم المتحدة نفسها بدءا بتنفيذ تهديدات سابقة بالانسحاب، وتاليا -ربما- بتصنيفها منظمة إرهابية!!.

في الوقت الذي أعلنت إدارة ترامب قراراها بتصنيف 3 فروع للإخوان كمنظمات إرهابية فإنها صنفت في اليوم نفسه (24 نوفمبر 2025) جماعة كارتل دي لوس سوسيس في فنزويلا تنظيماً إرهابياً بدعوى التورط في تهريب المخدرات، وأضافت الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو إلى قائمة المطلوبين، بزعم عضويته في الجماعة، ثم نفذت طائرات أمريكية ضربات لبعض القوارب الفنزويلية وقتلت 80 على ظهورها بدعوى تهريب المخدرات، والمثير للسخرية أنها في الوقت ذاته قررت إصدار عفو عن أكبر بارون مخدرات وهو الرئيس السابق لهندوراس خوان أورلاندو هيرنانديس الذي حُكم عليه في الولايات المتحدة بالسجن 45 سنة لإدانته بالاتجار بالمخدرات!!

قرار إدارة ترامب بتصنيف 3 فروع للإخوان في مصر والأردن ولبنان كجماعات إرهابية لم يعتمد على اتهامات بتنفيذ جرائم إرهابية داخل الولايات المتحدة، أو ضد مواطنيها في الخارج، ولكنه استند إلى دعم هذه الفروع للمقاومة الفلسطينية، ومعارضة مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي يتبناه رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ويدعمه الرئيس ترامب، كما أن هذه الفروع تقف حجر عثرة أمام مشروع التطبيع الإبراهيمي الذي يستهدف عدة دول عربية وإسلامية، علما أن دعم هذه الفروع وغيرها للحق الفلسطيني هو جزء من قناعاتها الدينية، وهو متسق أيضا مع الشرعية الدولية التي اعترفت بالحق الفلسطيني في تقرير المصير وإقامة وطن مستقل.

نذكر هنا أن الأمم المتحدة كانت قد اعتمدت القرار 3236 في 22 نوفمبر 1974، وجددت التأكيد عليه يوم الثلاثاء الماضي 2 ديسمبر 2025 يعترف بحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، والاستقلال والسيادة الوطنيين، وحقه في استعادة حقوقه بكل الوسائل، ويناشد جميع الدول والمنظمات الدولية لدعم هذا الحق” وهذا ما فعلته الفروع التي صنفتها إدارة ترامب، أو تعتزم تصنيفها كجماعات إرهابية!

بهذا التصنيف -حال انتهاء إجراءاته- تنضم هذه الفروع الثلاثة إلى العديد من المنظمات والحركات التي صنفتها واشنطن من قبل كجماعات إرهابية بسبب مقاومتها للاحتلال الإسرائيلي، وعلى رأسها حركة حماس نفسها، وكذا منظمة التحرير الفلسطينية المعتمدة رسميا داخل الأمم المتحدة كممثل شرعي للشعب الفلسطيني، مع التذكير أن المنظمة تخلت عن المقاومة المسلحة تماما، واعتمدت خيار التفاوض السلمي، وحزب الله اللبناني وجماعة الحوثي اليمنية إلخ.

هذا المعيار لتصنيف الفروع الثلاثة ينطبق أيضا على العديد من الجماعات والمنظمات والهيئات الأخرى في الدول العربية والإسلامية التي لا تنكر دعمها للقضية الفلسطينية وللمقاومة المشروعة للاحتلال، وبالتالي يمكننا أن نتوقع قرارات جديدة بتصنيف تلك الجمعيات والجماعات الأخرى كمنظمات إرهابية بالمعايير الترامبية، بل قد تطال هذه التصنيفات محكمة العدل الدولية ومحكمة الجنايات الدولية التي أصدرت اوامر توقيف بحق نتنياهو ووزير دفاعه السابق يؤاف غالانت، ولن تكون الكثير من الجمعيات والمنظمات التركية بعيدة عن هذا التصنيف إذا مرت الموجة الأولى دون مقاومة.

لن يقتصر الأمر على جماعات وقوى الإسلام السياسي، بل سيشمل القوى والحركات القومية واليسارية والعلمانية التي تتبنى مواقف مماثلة تجاه القضية الفلسطينية، والهدف هو عزل المقاومة الفلسطينية عن حاضنتها الشعبية في المنطقة وفي عموم العالم، حتى يمكن الإجهاز عليها، وحتى يمكن للرئيس ترامب أن ينفذ خطته المجحفة للتسوية في غزة، ورؤيته الأكثر إجحافا لمستقبل القضية الفلسطينية عموما التي لا يزال يرفض فيها فكرة حل الدولتين بالمخالفة للتوافق الدولي الكبير على هذا الحل، والذي جسده مؤخرا مؤتمر حل الدولتين في نيويورك، واجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة الأخير في الثاني والعشرين من سبتمبر الماضي.

التصنيف الإرهابي للكيانات والأفراد هو حق سيادي للدول المختلفة، لكن هذا التصنيف يكتسب مصداقية حين يتم وفق قواعد موضوعية مهنية تقوم بتطبيقها لجان مهنية أيضا لا تخضع للهوى السياسي، وقد فتحت الحكومة البريطانية في العام 2014 تحقيقا بخصوص الإخوان بناء على مطالب من بعض الدول الخليجية، وشكلت للأمر لجنة برئاسة السير جون جنكيز، كما أجرت لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان البريطاني تحقيقا مشابها، وقد استمعت كلتا اللجنتين إلى شهادات كل الأطراف ذات الصلة بما فيها قيادات الإخوان، ولكنهما لم يقتنعا بتصنيف الإخوان كجماعة إرهابية لعدم وجود أدلة على ذلك، لكن دولا أوروبية أخرى يتصاعد فيها المد اليميني قد تكون أكثر مرونة في التصنيف الإرهابي مجاراة للقواعد الأمريكية، وتبقى لجنة مكافحة الإرهاب في الأمم المتحدة التي تأسست عقب أحداث 11 سبتمبر 2001 هي الأكثر صدقية في تصنيفها حيث تعتمد على قواعد صارمة، كما أن تنوع أعضاء اللجنة يمثل ضمانة لتنفيذ تلك القواعد بعدالة، ومن تلك القواعد ضرورة تقديم بيان مفصل، وحجج محددة، ووثائق وشهادات تبرر طلب الإدراج، وهذا ما حدث مع بعض التنظيمات الإرهابية العالمية بالفعل

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى