مقالات وآراء

د.تامر المغازي يكتب: عالم بلا عقل.. هل نحن نعيش حقبة العداء للفكر؟

في عالم يزداد تعقيداً يوماً بعد يوم، تُطرح أسئلة جوهرية حول مكانة العقل والفكر في مجتمعاتنا المعاصرة.

هذا بالضبط ما يتناوله كتاب “عالم بلا عقل” للباحث الاجتماعي فرانك فوردي، الذي يقدم نقداً لاذعاً لظاهرة يراها تهدد أسس الحضارة الحديثة وهي “العداء للفكر”.

من هو فرانك فوردي؟

فرانك فوردي، أستاذ علم الاجتماع بجامعة كينت في بريطانيا، معروف بتحليلاته الجريئة للظواهر الاجتماعية المعاصرة.

في كتابه “عالم بلا عقل” الصادر عام ٢٠١٨، يتابع فوردي رحلة بحثية مكثفة لتحليل ما يسميه “المشاعر المعادية للفكر” التي انتشرت في المجال العام.

يطرح فوردي فكرة مثيرة للجدل فنحن نعيش في عصر يتزايد فيه الريبة والشك تجاه المثقفين والخبراء والفكر العقلاني.

هذا العداء، بحسب فوردي، ليس مجرد موضة عابرة، بل هو ظاهرة عميقة الجذور تغذيها عوامل متعددة منها سياسات الهوية التي تقدم الخبرة الشخصية على التحليل الموضوعي و ثقافة “الرأي المتساوي” حيث يُعامَل رأي الخبير كأي رأي عادي و تسليع المعرفة وتحويلها إلى سلعة استهلاكية و تآكل ثقة الجمهور بالمؤسسات التقليدية .

يقدم الكتاب تحليلاً مفصلاً لكيفية تجلي هذه الظاهرة في مجالات مختلفة مثلا في السياسة يشير فوردي إلى صعود الخطاب الشعبوي الذي يصور النخب المثقفة كجزء من “المؤامرة” ضد العامة.

وفي التعليم يلاحظ تحولاً من التركيز على المعرفة العميقة إلى “المهارات القابلة للاستخدام”، مع تهميش الفلسفة والعلوم الإنسانية.

ولم ينسي الإعلام وانتشار ثقافة الرأي السريع والتحليل السطحي، حيث يطغى الانفعال على التحليل المنطقي.

و في الحياة اليومية تراجع قيمة الحوار العقلاني لصالح الخطاب العاطفي والهوياتي.

لا يكتفي فوردي بوصف الظاهرة، بل يقدم نقداً جذرياً لآثارها و تآكل الخطاب العام حيث يغيب النقاش العقلاني لصالح الصراعات الهوياتية .

و أزمة الشرعية و فقدان المؤسسات العلمية والأكاديمية لمكانتها التقليدية .

و الاستقطاب المجتمعي نتيجة غياب أرضية فكرية مشتركة للحوار و تسطيف الفكر بتحويل القضايا المعقدة إلى شعارات بسيطة .

وقد حظي الكتاب باهتمام واسع، حيث أشاد به بعض النقاء لجرأة تحليله، بينما انتقده آخرون لتشاؤميته المفرطة وتعامله الانتقائي مع الحقائق.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى