
في مثل هذا اليوم، وقبل عامٍ بالتمام، لم تشهد دمشق مجرد تغييرٍ في رأس الهرم السياسي، ولم يسقط مجرد نظامٍ حكم بالحديد والنار؛ بل طُويت صفحة كاملة من تاريخ المنطقة، وتهاوت معها منظومة “الدور الوظيفي” التي هيمنت على المشرق العربي لعقود. اليوم، ونحن نطفئ الشمعة الأولى لانتصار الإرادة السورية، تتجاوز القراءة حدود الاحتفاء العاطفي، لتغوص في عمق التحول الاستراتيجي الذي أعاد سوريا من كونها “ساحة” إلى كونها “دولة”.
أولاً: نهاية التوظيف واستعادة السيادة
لقد أثبتت وقائع العام المنصرم أن المعضلة السورية لم تكن يوماً مستعصية بذاتها، بل كانت معقدة بحجم التدخلات التي أرادت لدمشق أن تظل “صندوق بريد” لتبادل الرسائل الإقليمية والدولية. بسقوط معادلة الاستبداد، سقطت معها ورقة “التوظيف السياسي” التي استخدمتها قوى خارجية للعبث بأمن المنطقة ومساومة المجتمع الدولي.
إن أهم منجز تحقق خلال هذا العام هو استعادة القرار الوطني السوري؛ حيث خرجت البلاد من نفق التبعية للمحاور، لتعود “بيضة القبان” في التوازن الإقليمي. اليوم، يُعاد رسم الخارطة الجيوسياسية بأيدٍ وطنية، ليكون محورها “الدولة السيدة” التي تحمي حدودها وتصون كرامة مواطنيها، لا النظام الذي يرهن سيادته للبقاء في السلطة.
ثانياً: تحديات التأسيس.. من “الشرعية الثورية” إلى “الشرعية الدستورية”.
إذا كانت معركة التحرير قد تُوجت بالنصر، فإن معركة البناء هي الاختبار الحقيقي للنضج السياسي. إن الانتقال من “منطق الثورة” الضروري للهدم، إلى “منطق الدولة” اللازم للبناء، هو التحدي الأبرز الذي تخوضه سوريا الجديدة اليوم.
لقد أثبت الشعب السوري خلال عامه الأول من الحرية قدرة مذهلة على الصمود والابتكار، حيث تحولت المدن من ركام إلى ورش عمل، وبدأت ملامح عقد اجتماعي جديد تتشكل؛ عقدٌ قوامه المواطنة، ودستوره العدالة، وسقفه الكفاءة. إن إعادة الإعمار لا تقتصر على الحجر واستعادة العجلة الاقتصادية فحسب، بل تمتد لتشمل “إعمار الإنسان” وترميم النسيج المجتمعي الذي حاولت سنوات الاستبداد تمزيقه.
كلمة إلى القيادة والشعب
في هذه الذكرى التاريخية، نتوجه بخالص التهنئة والمباركة للقيادة السورية الجديدة، التي حملت الأمانة في ظرفٍ استثنائي وتاريخي دقيق، ولعموم الشعب السوري العظيم الذي دفع أثماناً باهظة لنيل حريته.
إن الآمال معقودة اليوم على هذه القيادة لترسيخ دعائم الحكم الرشيد، والمضي قدماً في مسار المصالحة الوطنية الشاملة والتنمية المستدامة. كلنا ثقة بأن الإرادة التي كسرت القيود، قادرة بمشيئة الله على كسب معركة التعمير والبناء، لتعود سوريا منارةً للحضارة وواحةً للاستقرار كما عهدها التاريخ.
خاتمة
سوريا اليوم تدشن عامها الثاني بروحٍ وثابة، ورسالة واضحة للعالم: لقد انتهى زمن الخوف، وبدأ زمن العمل. الطريق لا يزال شاقاً، والتحديات جسيمة، لكنّ الأوطان الحية لا تموت، والشعوب الحرة لا تُقهر.
عاشت سوريا حرة، عزيزة، ومستقلة.







