مقالات وآراء

د. حسام بدراوي يكتب : مأزق البرلمان القادم . وكیف نخرج منھا؟

ھذا المقال ھو رؤیة لإصلاح المسار وإنقاذ الشرعیة التشریعیة في مصر.
تدخل مصر إلى استحقاق انتخابات مجلس النواب 2026 وھي مَحملة بأزمة سیاسیة صامتة یعرفھا الجمیع ویتجاھلھا الجمیع في آن واحد. أزمة لا تتعلق فقط بآلیات التصویت أو شكل النظام الانتخابي، بل بالشرعیة نفسھا: شرعیة التمثیل، وشرعیة المشاركة، وشرعیة الدولة حین تُفرغ مؤسساتھا من جوھرھا.

طبیعة المأزق ھي انتخابات بلا منافسة، وبرلمان بلا تمثیل.
على الورق، لدینا دستور، وقانون انتخابي، واستحقاق برلماني كل خمس سنوات.
أما في الواقع، فالمشھد مقلوب:

1. القائمة المطلقة المغلقة أصبحت عملیًا مستترا لنصف البرلمان، تعیین تُعده جھات أمنیة.
◦ ھناك قائمة واحدة تنضم إلیھا وقد یضطر المنضم لدفع ملایین الجنیھات، لا یُعرف مصدرھا ولا وجھتھا.
◦ لا منافسین، ولا فرصة للاختیار، ولا معنى للتصویت.

2. الانتخاب الفردي فقد جوھره.
◦ المرشحون لا یدخلون السباق إلا بعد موافقات السلطة التنفیذیة.
◦ الدوائر واسعة إلى حد ینسف معنى العلاقة بین الناخب وممثلھ.
◦ وفي حالات عدیدة یتم إسقاط أي مرشح یحاول خوض الانتخابات دون إذن مسبق.

3. استحالة التوافق الدستوري لأن الدستور الحالي وضع شروطًا شبه مستحیلة لأي حزب:
◦ نسب إلزامیة للمرأة والشباب والأقباط وذوي الإعاقة.
◦ ترتیبات معقدة تجعل أي قائمة حزبیة وطنیة حقیقیة غیر قابلة للتشكیل إلا لو كانت السلطة التنفیذیة وراءھا.

بهذه المعادلة، نحن بصدد برلمان نصفه معيّن عبر قائمة واحدة، ونصفه مصمَّم لتتنافس فیھ أسماء مختارة سلفًا.
وهذا یُنتج مؤسسة شكلیة لا تملك شرعیة التمثیل ولا القدرة على التشریع ولا الجرأة على الرقابة.

إنه مأزق دولة، لا مأزق انتخابات.

ما الحل؟

الحل، إذا أردنا الاعتراف بالواقع، لا یمكن أن یأتي من ”تحسین“ الإجراءات، ولا من ”تطویر الرقابة“، لأن أصل الأزمة في قواعد اللعبة نفسھا.

ولذلك فإن الحل المنطقي – وربما الوحید – ھو:
تعلیق الانتخابات لمدة ستة أشھر أو سنة.

هذا لیس تعطیلًا للدیمقراطیة، بل حمایة لها من الشكلانیة القاتلة.

تُمَد مدة البرلمان الحالي من ینایر إلى یونیو 2026 بقرار دستوري استثنائي، بهدف:

• إتاحة الوقت لإعادة صیاغة النظام الانتخابي.
• تجنب الدخول في انتخابات معدة سلفًا، لا تحقق أي مصلحة وطنیة.
• الحفاظ على استقرار الدولة بدل إنتاج برلمان عاجز لخمس سنوات جدیدة.

تعديل النصوص الدستورية المتعلقة بنظام الانتخاب

التعديل المطلوب واضح ومباشر:

أ– إلغاء القائمة المطلقة المغلقة

واستبدالها بنظام القائمة النسبية، المفتوحة أو المغلقة نسبيًا، وهو النظام الذي يعمل به معظم العالم الديمقراطي، ويتيح تمثيلًا متوازنًا ويمنع الاحتكار.

ب– إلغاء أو تخفيف الحصص الإلزامية للفئات

إذ لا يمكن لدستور أن يفرض على الأحزاب نسبًا محددة للشباب والنساء والأقباط وذوي الإعاقة داخل كل قائمة.
هذه النسب—رغم حسن النية—تعطل إمكانية تكوين قوائم حقيقية.
ويُستعاض عنها بقواعد تشجيعية أو نسب استرشادية.

ج– إعادة رسم الدوائر الفردية

ليعود النائب قادرًا على التواصل مع ناخبيه بشكل طبيعي، بدلًا من الدوائر الضخمة التي تُفقد العملية معناها.

الإجراءات الدستورية اللازمة

هذا يستلزم استفتاءً شعبيًا لأن الدستور يشترط الاستفتاء لأي تعديل يمس بنية السلطة التشريعية.

وعليه لا بد من:

• صياغة التعديل.
• مناقشته مجتمعيًا وسياسيًا.
• عرضه في استفتاء شعبي في بداية 2026.
• ثم إجراء انتخابات برلمانية جديدة في منتصف العام نفسه.

الأسئلة الدستورية الجوهرية… من يملك حق تمديد البرلمان؟

هل يمكن دستوريًا تمديد مدة البرلمان؟
نعم، ولكن فقط عبر تعديل دستوري صريح يحدد مدة التمديد والغرض منه.
فالمدة الدستورية ثابتة، ولا يمكن المساس بها دون تعديل.

من يملك سلطة تعديل الدستور؟
وفقًا للدستور الحالي:
• رئيس الجمهورية، أو
• خُمس أعضاء مجلس النواب
ويمكِن لأي منهما طلب التعديل.
ثم يُناقش داخل البرلمان، ويُحال إلى استفتاء شعبي للموافقة.

هل يملك الرئيس سلطة منفردة في تأجيل الانتخابات؟
لا.
التأجيل أو التمديد يتطلب نصًا دستوريًا جديدًا.

هل يمكن تمديد مدة مجلس النواب دون استفتاء؟
لا.
أي مساس بمدة البرلمان يستلزم تعديلًا دستوريًا، وبالتالي استفتاءً.

لماذا هذا الحل هو الأقل كلفة والأكثر عقلانية؟

لأن البديل هو:

• إنتاج برلمان فاقد للشرعية والفعالية لخمس سنوات جديدة.
• خنق الحياة السياسية تمامًا.
• تكريس عزلة السلطة التشريعية عن المجتمع.
• فتح الباب لعدم استقرار سياسي واجتماعي على المدى المتوسط.

أما الحل المقترح فيحقق:

• احترام الدستور عبر تعديل معلن وشفاف.
• إعادة بناء الحياة السياسية على قواعد قابلة للتطبيق.
• مشاركة المجتمع في تحديد شكل البرلمان القادم.
• حماية الدولة من مأزق مؤسسي طويل الأمد.

جوهر الأزمة… والديمقراطية الحقيقية

الديمقراطية ليست صندوقًا نضع فيه أوراقًا، بل عقد اجتماعي يشعر فيه المواطن بأن صوته له قيمة، وأن ممثليه يعبرون عنه لا عن جهات أخرى.

تمدید فترة البرلمان ستة أشهر وإعادة بناء النظام الانتخابي عبر تعديل دستوري واضح ليس ترفًا فكريًا، بل ضرورة وطنية عاجلة.

البرلمان القادم لن يكون مؤسسة عابرة لخمس سنوات، بل ركيزة توازن تحتاجها الدولة لتجاوز المرحلة المقبلة بأمان.

التحدي الأصعب

كيف يمكن إجراء تعديل دستوري عاجل خلال أسابيع؟

الانتخابات الشكلية تُضعف صورة الدولة وتزيد الضغوط الخارجية.
وفي هذا الوضع، قد تتحول أزمات صغيرة إلى أزمة نظام في ظل غياب التوازن المؤسسي وانفصال الدولة عن المجتمع، مما يؤدي إلى احتقان صامت وفقدان الهوية الوطنية المشتركة وشعور بأن ”الأجهزة هي الدولة“.

هذه ليست مخاطر سياسية…
هذه مخاطر وجودية.

أزمة الهيئة الوطنية للانتخابات

لا يمكن للرئيس حلّ الهيئة الوطنية للانتخابات لأنها دستوريًا مستقلة.
المشكلة ليست في النصوص الدستورية بل في التطبيق.

هناك طريق آخر:
• إصدار قرار من الهيئة بإلغاء العملية.
• أو حكم من الإدارية العليا في أحد الطعون.

بعدها يصبح الرئيس هو المشرّع ويصدر قوانين الانتخابات وتقسيم الدوائر، وعلى الهيئة تنفيذ القانون فقط.

النتيجة الحاسمة

إذا تجاهلنا الأزمة فستقف الدولة على قدم واحدة،
وستهتز عند أول أزمة،
دون برلمان، دون شرعية، دون أمان سياسي.

اللهم فاشهد فإني قد أبلغت.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى