مقالات وآراء

د.تامر المغازي يكتب: صعود السياسة الشعبوية في القرن الحادي والعشرين دراسة كامبريدج تحلل الظاهرة العالمية

في عصر تتشكل فيه التحولات السياسية بسرعة غير مسبوقة، تبرز السياسة الشعبوية كواحدة من أبرز الظواهر التي أعادت تعريف المشهد السياسي العالمي في القرن الحادي والعشرين.

دراسة حديثة أجرتها جامعة كامبريدج، تحت عنوان “صعود السياسة الشعبوية في القرن الحادي والعشرين”، تقدم تحليلاً شاملاً لهذه الظاهرة، متتبعة جذورها وعوامل انتشارها وتداعياتها على الديمقراطيات المعاصرة.

ما تكشفه الدراسة

اعتمدت الدراسة، التي أشرف عليها فريق من الباحثين في مركز بحوث العلوم السياسية بالجامعة، على تحليل بيانات من أكثر من 60 دولة عبر خمس قارات، تغطي الفترة من عام 2000 إلى عام 2023.

وخلصت إلى أن الشعبوية لم تعد ظاهرة هامشية أو مؤقتة، بل تحولت إلى قوة سياسية رئيسية تؤثر في صنع القرار على المستويات الوطنية والدولية.

ومن أبرز نتائج الدراسة الانتشار العالمي فقد ارتفع عدد القادة الشعبويين في السلطة بأكثر من 400% منذ مطلع القرن مقارنة بالعقدين السابقين.

و العوامل الدافعة فقد حددت الدراسة ثلاثة محركات رئيسية لصعود الشعبوية وهي التفاوت الاقتصادي المتزايد، مخاوف الهوية الثقافية، وتراجع الثقة في المؤسسات التقليدية.

وكشفت الدراسة عن التأثير الديمقراطي فبينما تستغل الشعبوية آليات الديمقراطية للوصول إلى السلطة، فإنها تميل إلى إضعاف الضوابط والتوازنات الديمقراطية على المدى الطويل.

وفقاً للبروفيسور ماركوس جونسون، رئيس فريق البحث، “الشعبوية المعاصرة تختلف عن سابقاتها في اعتمادها على وسائل التواصل الاجتماعي والبيانات الضخمة لتشكيل الخطاب السياسي وتوجيه الرأي العام”.

ويضيف: “ما نراه اليوم هو تحول من الشعبوية كخطاب معارض إلى شعبوية الحكم، حيث يتبنى القادة في السلطة خطاباً شعبوياً لتبرير سياساتهم وتوجيه اللوم للنخب والمؤسسات الدولية”.

وقد تفحصت الدراسة نماذج مختلفة من الشعبوية، بدءاً من الشعبوية اليمينية في أوروبا وأمريكا الشمالية، وصولاً إلى الشعبوية اليسارية في أمريكا اللاتينية.

وتشير إلى أن كلا النموذجين يتشاركان في الادعاء بتمثيل “الإرادة الحقيقية للشعب” ضد النخب الفاسدة أو الأقل ولاءً للوطن.

تواجه الديمقراطيات التقليدية تحدياً مزدوجاً وكيفية الاستجابة لمطالب الشعبوية المشروعة مثل المطالبة بتمثيل أفضل وتوزيع أكثر عدالة للثروة مع الحفاظ على المكاسب الديمقراطية التي تحققت على مدى عقود.

توصي الدراسة بضرورة إصلاح المؤسسات السياسية لاستعادة الثقة العامة، وتعزيز الشفافية، ومواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تغذي الاستياء الشعبي.

المستقبل ما بعد الشعبوية؟

يتساءل الباحثون عما إذا كنا نشهد مرحلة دائمة من السياسة الشعبوية أم أنها موجة ستنحسر مع الوقت.

الإجابة، وفقاً للدراسة، تعتمد على قدرة النظم السياسية القائمة على التكيف مع التحديات الجديدة مع الحفاظ على قيم التعددية والحقوق الفردية.

دراسة كامبريدج تقدم خريطة طريق لفهم واحدة من أكثر الظواهر السياسية إلحاحاً في عصرنا. بينما تستمر النقاشات حول إيجابيات وسلبيات الشعبوية، يبقى من الواضح أن السياسة في القرن الحادي والعشرين ستشهد استمرار التفاعل بين الديمقراطية التمثيلية والشعبوية، في علاقة معقدة تتحدى التصنيفات السياسية التقليدية.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى