ملفات وتقارير

مجلة أمريكية تسلط الضوء على تصدع التحالف الأمريكي الإسرائيلي بعد حرب غزة

سلطت مجلة “فورين أفيرز” الأمريكية، في تحليل مطول، على ملامح التحوّل الحاد في العلاقة الأمريكية الإسرائيلية خلال حرب غزة وما بعدها، وكيف تحول الدعم غير المشروط إلى عامل زاد الصراع تعقيدًا، وأضرَّ بالأطراف كافة، بما في ذلك إسرائيل نفسها.

رغم تصاعد الانتقادات داخل الولايات المتحدة، بدا لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أنه قادر على تجاهل استياء الإدارة الأمريكية من تكتيكات الحرب في غزة، لغياب أي تهديد جذري بوقف الدعم العسكري.

وبالرغم من البيانات الأمريكية المتكررة حول ضرورة “بذل المزيد” لحماية المدنيين، لم تربط إدارة بايدن مساعداتها لإسرائيل بمطالب سياسية واضحة، ولم تُفعّل القوانين الأمريكية التي تمنع تقديم الدعم لوحدات متورطة في انتهاكات جسيمة، مثل قوانين ليهي.

تغيّر المشهد مؤقتًا في مايو 2024 حين علّق بايدن تسليم أسلحة محددة بعد بدء الهجوم على رفح الفلسطينية قبل إجلاء المدنيين، غير أنّ هذا الضغط الجزئي جاء متأخرًا ولم يُحدث تغييرًا جوهريًا في مسار الحرب.

المساعدات الإنسانية

شهد ملف الإغاثة حضورًا أمريكيًا أكثر فاعلية، وإن بقي محدود الأثر، فبعد فرض إسرائيل حصارًا كاملًا على غزة، ضغطت واشنطن جزئيًا للتراجع عنه، لكن القيود الإسرائيلية أبقت عدد الشاحنات أقل بكثير من الاحتياجات الأساسية.

مرتان فقط هددت فيهما واشنطن بخفض الدعم العسكري (أبريل وسبتمبر 2024)، ما دفع إسرائيل مؤقتًا إلى تسهيل دخول المساعدات، ومع ذلك، أحجمت الإدارة عن استخدام أدوات قانونية أكثر قوة، مثل المادة 620I من قانون المساعدات الخارجية، أو تحميل إسرائيل مسؤولية عدم الالتزام بالمعايير الإنسانية التي وضعتها واشنطن نفسها.

نجحت إدارة بايدن نسبيًا في احتواء توسع الحرب إلى جبهات متعددة، رغم تورط إيران ولبنان وسوريا واليمن بشكل متفاوت، وشكلت الولايات المتحدة تحالفًا دفاعيًا تصدى لهجمات إيرانية في أبريل وأكتوبر 2024، وأوضحت لإسرائيل أنها لن تشارك في عمليات هجومية، ما دفع تل أبيب إلى ردود محدودة وأتاح فرصة للدبلوماسية، إلا أن إسرائيل احتفظت بهامش واسع للقيام بعمليات قد تشعل نزاعات جديدة، مثل ضرباتها في دمشق، التي عجّلت بالضربات الإيرانية الأولى.

مع عودة الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، تذبذبت سياسته بين المكافأة والضغط والتعامل البراجماتي، وأسهم في البداية في تمرير وقف إطلاق النار في يناير 2025، لكنه سرعان ما أعطى إسرائيل حرية شبه مطلقة.

فبعد استئناف إسرائيل العمليات في مارس دون تنسيق، اكتفى ترامب بالتأييد، بينما فرضت إسرائيل حصارًا خانقًا دام شهرين، انتهى بمجاعة ضربت أجزاءً واسعة من غزة، وعندما رُفع الحصار، دعمت إدارة ترامب إنشاء آلية جديدة لتوزيع المساعدات بديلة عن آليات الأمم المتحدة، اتضح لاحقًا أنها غير فعّالة، وأدت إلى مقتل أكثر من ألف فلسطيني أثناء محاولتهم الحصول على الغذاء.

لم تكتفِ إدارة ترامب بغض الطرف، بل منحت إسرائيل ضوءًا أخضر لعمليات واسعة في لبنان وسوريا وإيران، وعندما شنت إسرائيل حربًا على إيران في يونيو، دعم ترامب ضربات أمريكية لاحقة طالت منشآت نووية إيرانية.

منعطف سبتمبر

لكن المنعطف جاء في سبتمبر 2025 حين كادت محاولة إسرائيل اغتيال قادة حماس في قطر أن تقوّض علاقة واشنطن بالدوحة، عندها أطلق ترامب حملة ضغط مكثّفة أجبرت نتنياهو على قبول خطة وقف إطلاق النار التي دخلت حيز التنفيذ في أكتوبر.

وبحسب “فورين أفيرز” كان الثمن الأفدح لهذا التحالف الاستثنائي من نصيب غزة، حيث نزح 90% من السكان، وواجه أكثر من 600 ألف شخص ظروف مجاعة، وتضرر 78% من المباني، فيما فقدت إسرائيل على الجانب الآخر جزءًا كبيرًا من شرعيتها الدولية.

وتراجعت مبيعات الأسلحة الأوروبية لإسرائيل، وارتفعت الأصوات المطالبة باعتقال نتنياهو في دول أوروبية، بينما أظهرت استطلاعات الرأي الأمريكية تحولًا كبيرًا في المواقف الشعبية، خاصة بين الشباب الذين يميلون إلى التعاطف مع الفلسطينيين بنسبة مضاعفة مقارنة بالتعاطف مع إسرائيل.

وحذَّر التقرير من أن المكاسب العسكرية الإسرائيلية قد تكون مؤقتة، فإيران تتجه أكثر نحو خيار السلاح النووي لتعويض تآكل ردعها التقليدي، وفي غزة، غياب سلطة فلسطينية فعَّالة يُنذر إما باحتلال طويل أو فراغ فوضوي على حدود إسرائيل.

وفي الداخل، تهدد التوجهات الديموغرافية، ونفوذ التيارات الدينية المتشددة، وتوسّع الاستيطان، الديمقراطية الإسرائيلية نفسها، كما أضرَّ الاستثناء الإسرائيلي بمكانة الولايات المتحدة العالمية، ووفّر للصين وروسيا مادة دعائية قوية للطعن في مصداقية واشنطن الأخلاقية.

وانتهى التحليل إلى أن العلاقة الأمريكية–الإسرائيلية، بصيغتها الحالية، لم تعد تحقق مصالح أي طرف، وأن استمرارها من دون إعادة هيكلة سيجعل الاستنزاف السياسي والإنساني والأمني هو النتيجة “غير الاستثنائية” الوحيدة المتوقعة للجميع.

المصدر/ القاهرة الإخبارية

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى