المجلس العربي يصدر بيانًا بمناسبة العاشر من ديسمبر . اليوم العالمي لحقوق الإنسان

الدكتور المنصف المرزوقي
يحلّ العاشر من ديسمبر هذا العام والمنطقة العربية تواجه واحدة من أعنف موجات الانتهاكات التي عرفتها في تاريخها الحديث. تتزامن هذه الذكرى مع اتساع رقعة الألم الإنساني، وتراجع مساحات الحرية، وتآكل منظومات الحماية، في مشهد يكشف حجم الهوّة بين المبادئ المعلنة والواقع القائم.
في فلسطين تتواصل الجرائم التي تستهدف الوجود الإنساني ذاته. عشرات الآلاف من المدنيين يُقصفون في منازلهم، والتهجير القسري يبتلع مدنًا وقرى، والمعابر والإغاثة تُدار بمنطق العقاب الجماعي. تتعرض غزة لعدوان مستمر يدمّر الحياة بكل عناصرها، وسط ضعف الإرادة الدولية وغياب آليات ردع فعّالة.
في السودان يعيش المدنيون أهوال حرب تنشر الموت والاختطاف والاغتصاب والنزوح القسري على نطاق واسع. مدن تُدمَّر بالكامل، ومناطق تُفرَّغ من سكانها، وانهيار كامل للحدّ الأدنى من الحماية، فيما تزداد مؤشرات جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.
في مصر تستمر معاناة آلاف السجناء السياسيين المحبوسين في ظروف قاسية تُحرم فيها أبسط الحقوق: الرعاية الصحية، الزيارة، المحاكمة العادلة، والحق في الحياة الكريمة داخل السجن. التقارير الحقوقية تكشف عامًا بعد عام تفاقمًا في سوء المعاملة وارتفاعًا في حالات الوفاة داخل أماكن الاحتجاز.
وفي تونس يتصاعد التضييق الأمني والقضائي على المعارضين والصحفيين والناشطين. الاعتقالات التعسفية والتحقيقات المبنية على ملفات سياسية تُعيد البلاد إلى دائرة الانكماش الحقوقي. تتكدّس السجون بأصوات كان يفترض أن تكون جزءًا من النقاش العام، ويتعمّق الخوف من استخدام أدوات الدولة لإسكات الآراء المخالفة.
وفي الإمارات يتواصل احتجاز الشاعر المصري عبد الرحمان القرضاوي دون أي سند قانوني واضح، بعد تسليمه من السلطات اللبنانية، في خرق صارخ للضمانات الأساسية للمحاكمة العادلة. كما تستمر موجة اعتقال مساجين الرأي الذين يقبع عشرات منهم خلف القضبان رغم انتهاء محكوميات بعضهم، في وقت تتزايد فيه النداءات الدولية المطالِبة بإطلاق سراحهم.
كما توجد أعداد كبيرة من السجناء السياسيين ومساجين الرأي في دول عربية أخرى، يعيشون أوضاعًا قاسية تتنوع بين الحبس الانفرادي والاختفاء القسري والتعذيب وحرمان العائلات من الزيارة، في سياق تضييق متصاعد على حرية التعبير والتنظيم.
إن ما يجري اليوم في فلسطين والسودان ومصر وتونس والإمارات وغيرها يُظهر بوضوح تراجع مكانة الإنسان في السياسات العامة، وانهيار منظومة الحقوق الأساسية التي قامت عليها المواثيق الدولية. توثيق الانتهاكات يتزايد، والأخبار القادمة من الميدان تنقل صورًا صادمة عن القتل والتعذيب والتجويع والإخفاء القسري، بينما يظلّ مرتكبو هذه الممارسات في مأمن من المحاسبة.
في هذا اليوم الذي يحتفي فيه العالم بقيم الحرية والكرامة، تتجدد الحاجة إلى تحرك فعلي من الدول، والمنظمات الدولية، والقوى المدنية، لوقف النزيف الإنساني. حماية المدنيين التزام أخلاقي وقانوني، والدفاع عن ضحايا القمع ضرورة لردّ الاعتبار لمنظومة الحقوق التي تتعرض لامتحان قاسٍ في منطقتنا.
إن صمت العالم عن المآسي الجارية لا يلغي وجودها، ومسؤولية إيقافها تقع على كل صاحب ضمير وصوت وقدرة. العاشر من ديسمبر محطة للتذكير بأن حقوق الإنسان تُنتزع حين تُهمل، وأن الدفاع عنها واجب يومي وليست مناسبة سنوية.
رئيس المجلس الدكتور المنصف المرزوقي







