
أوّل أمس، وخلال زيارة معالي الوزير التونسي لشؤون البرلمان خالد شوكات لمعرض “وجوه لا تغيب” في المركز الثقافي المصري في إسطنبول،
كان لقاؤنا أكثر من مجرّد جولة في أروقة المعرض، فأمام تمثال سعد زغلول، توقّفنا عند مقولةٍ عميقة له:
“الحق فوق القوة، والأمة فوق الحكومة.”
ولعل تلك الكلمات كانت هي المفجّر الأول لنقاشنا العميق حول شرعية المتغلب وشرعية القهر في مقابل شرعية الحق وإرادة الأمة.
لم يكن حديثنا عن “شرعية المتغلب” مجرّد استعراض نظري،
بل كان تأمّلاً في فكرةٍ لا تزال تجد لها صدىً في بعض الأوساط. وكما أشار الماوردي، فإن من غلب بالسيف قد انعقدت له الإمامة بقوة الواقع. لكننا اليوم نقف على أرضٍ تختلف، حيث نرى أن الشرعية الحقيقية تنبع من رضا الأمة لا من سطوة المتغلب.
إن لقاءنا في إطار زيارة الوزير التونسي للمعرض لم يكن مجرّد لقاء بروتوكولي،
بل كان حواراً فكرياً عميقاً عن كيف تبني الأمم شرعيتها. وقد استلهمنا من مقولة سعد زغلول ما يؤكد أن “الحق فوق القوة” هو المبدأ الذي يجب أن يُرشدنا.
فحين تتأمل في هذه الكلمات أمام تمثال زعيمٍ قاد الأمة نحو الحرية، تدرك أن الأوطان التي تضع الأمة فوق الحكومة هي وحدها التي تصنع مستقبلاً أكثر عدلاً وثباتاً.
إن ما يجمعني مع خالد شوكات هو هذا الإيمان بأن شرعية الحق هي التي تسمو فوق أي شرعية أخرى.
إن “شرعية المتغلب” كانت تاريخياً مخرجاً لعصورٍ مضت، لكن ديمقراطية الوطن التي ننشدها هي تلك التي تجعل من إرادة الأمة منارةً لا تنطفئ.
وكما قال مصطفى النحاس: “لا معنى لحكومة لا تستمد قوتها من الأمة.”
هذه السطور هي دعوة للتأمل في أن الأوطان التي تنحني أمام إرادة شعوبها هي الأوطان التي تبني مستقبلاً لا يهتز.
إن الحق فوق القوة، والأمة فوق الحكومة، وتلك هي الرسالة التي نحملها من إسطنبول إلى كل مكان.
هكذا نكتب تاريخاً جديداً، وهكذا نؤمن بأن ديمقراطية الوطن هي السد المنيع في وجه كل من يحاول أن يفرض شرعية القهر على حساب شرعية الحق.







