صحيفة Le Monde: الدنمارك تعتبر الولايات المتحدة تهديدًا لأمنها القومي لأول مرة في تاريخ العلاقات بين البلدين

في تحول غير مسبوق في السياسة الدفاعية الأوروبية، صنّفت أجهزة الاستخبارات العسكرية الدنماركية الولايات المتحدة كـ “تهديد محتمل لأمن الدنمارك” في تقريرها السنوي الجديد، واضعة واشنطن في نفس الخانة مع روسيا والصين للمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية.
يأتي التقرير، الصادر تحت عنوان «Udsyn» (آفاق)، ليعكس رؤية أكثر تشاؤمًا للعلاقات الدولية، إذ يشير إلى أن القوى الكبرى الثلاث—الولايات المتحدة وروسيا والصين—تتنافس على النفوذ العالمي على حساب الدول الأصغر. ويؤكد التقرير أن واشنطن «لم تعد تستبعد اللجوء إلى القوة العسكرية، حتى ضد حلفائها»، وأنها تستخدم قوتها الاقتصادية، بما فيها التهديد بفرض رسوم جمركية عالية، لفرض إرادتها السياسية.
ويتناول التقرير ملف المنطقة القطبية الشمالية (الأركتيك) في فصل كامل، حيث تُقارن الولايات المتحدة مرة أخرى بكل من الصين وروسيا، دون الإشارة إلى التحالف التاريخي بين واشنطن وكوبنهاغن بموجب اتفاق الدفاع حول غرينلاند الموقّع عام 1951. ويحذّر التقرير من «تزايد الاهتمام الأميركي بغرينلاند»، الأمر الذي «يرفع مستوى التهديدات المتعلقة بالتجسس، بما فيها التجسس السيبراني، ومحاولات التأثير على مكوّنات المملكة الدنماركية».
كما يشير محللو الاستخبارات إلى «الضبابية» المحيطة بدور الولايات المتحدة كضامن للأمن الأوروبي، محذّرين من أنّ هذه الحالة قد تدفع روسيا إلى «تصعيد هجماتها الهجينة ضد حلف الناتو»، بل وربما اختبار «الالتزام الأميركي الحقيقي بالدفاع عن أوروبا» من خلال استفزازات مباشرة. ويرجّح التقرير أن تصبح موسكو «أكثر استعدادًا لمواجهة الدول الأوروبية الأعضاء في الناتو إذا واصلت الولايات المتحدة سحب المزيد من قواتها من القارة».
وفي مقابلة مع القناة الدنماركية العامة DR، قال مدير جهاز الاستخبارات العسكرية، توماس أهرنكيل، إن الدنمارك تواجه «مأزقًا حقيقيًا» يتمثل في الاعتماد الكامل على الحماية الأميركية من جهة، ومواجهة «ولايات متحدة باتت أكثر اهتمامًا بمصالحها الخاصة، وباتت تستخدم وسائل جديدة لتحقيق أهدافها» من جهة أخرى.
ويذكر التقرير أن الدنمارك بدأت بالفعل منذ يونيو 2022 تقاربًا أكبر مع الأنظمة الدفاعية الأوروبية، بعد انضمامها إلى السياسة الأمنية والدفاعية المشتركة للاتحاد الأوروبي عقب الغزو الروسي لأوكرانيا.
وتشير المراسلة الإقليمية آني-فرانسواز هيفرت إلى أن طموحات الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بشأن شراء غرينلاند كانت من العوامل التي عجّلت بانتقال الدنمارك نحو إعادة تقييم تحالفها مع واشنطن. ومع تصاعد الانتقادات الأميركية بحق كوبنهاغن، ولا سيما تصريحات نائب الرئيس الأميركي جي. دي. فانس التي اتهم فيها الدنمارك بأنها «ليست حليفًا جيدًا»، بدأ الموقف الرسمي الدنماركي في التصلّب.
وتجلّى التحول في 12 سبتمبر الماضي عندما أعلنت الحكومة الدنماركية شراء منظومات صواريخ دفاع جوي من شركات أوروبية، بدلًا من النظام الأميركي المعروف “باتريوت”، في خطوة رآها مراقبون رمزًا بارزًا لتراجع الثقة في واشنطن.





