
يُقدم تقرير تحديث مؤشر تنمية الشباب العالمي (YDI) لعام ٢٠٢٣، الصادر عن أمانة الكومنولث، لمحةً واضحة، وإن كانت مُقلقةً في بعض الأحيان، عن الظروف التي تُشكل حياة الشباب حول العالم. يتتبع التقرير التقدم المُحرز في ستة مجالات حيوية -من التعليم والتوظيف إلى السلام والمشاركة السياسية- ويُلقي الضوء على جوانب النجاح إلى جانب التفاوتات الكبيرة بين الدول وبين هذه المجالات في الدولة الواحدة.
بالنسبة لمصر، المُصنفة في المرتبة ٩٩ عالميًا، تكشف البيانات عن سردٍ مُقنعٍ لنتائج صحية ناجحة، في حين تُواجه تحدياتٍ مُقلقة للغاية في تأمين الفرص الاقتصادية وتعزيز المشاركة المدنية.
إن التعمق في أداء مصر يتطلب وضع نتيجتها البالغة 0.733 في سياق نظيراتها الإقليمية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ومقارنتها بالاتجاهات العالمية في تمكين الشباب. إن ما يبرز هو نمط من التنمية غير المتكافئة، يعكس التفاوتات العالمية الأوسع نطاقا، ولكن مع ضغوط حادة خاصة بالمنطقة.

الصورة الإقليمية: مكاسب هامشية على الصعيد العالمي، تقدمت تنمية الشباب ببطء خلال فترة القياس التي استمرت 12 عامًا (2010-2022)، مع تحسن متوسط درجة مؤشر تنمية الشباب العالمي بنسبة 2.8 في المائة، ومع ذلك، سجلت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، التي تعد مصر جزءًا منها، أدني تحسن في المتوسط بين جميع التجمعات الإقليمية العالمية التسع التي تعامل معها المؤشر، حيث سجلت زيادة متواضعة بلغت 1.38 في المائة فقط بين عامي 2010 و2022. ويسلط هذا الركود الضوء على العقبات النظامية التي تواجهها الفئات السكانية الشابة في مختلف أنحاء المنطقة.
يبلغ متوسط درجة مؤشر YDI لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لعام 2023 0.749، مما يضعها في النطاق المتوسط المرتفع على مستوى العالم، ولكنها لا تزال متأخرة عن مناطق مثل أوروبا (0.816) وأمريكا الشمالية (0.772). إن درجة مصر البالغة 0.733 تضعها في مرتبة أقل بقليل من المتوسط الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مما يوضح مكانتها في الطبقة المتوسطة من الأداء الإقليمي.

لتقييم مكانة مصر بدقة، يُعدّ التحليل المقارن داخل المنطقة أمرًا بالغ الأهمية. غالبًا ما تكون الدول المتقدمة علي المؤشر في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا -بل بعض أقوى الدول أداءً عالميًا- دولًا خليجية. على سبيل المثال، احتلت الإمارات العربية المتحدة المرتبة 26 عالميًا بنتيجة 0.811، تليها البحرين (المركز 32، 0.804) وعُمان (المركز 33، 0.803). تُظهر هذه البلدان مستوى “مرتفعًا جدًا” من تنمية الشباب، وفقًا لعملية تصنيف التقرير، والتي تُعرّف الدرجات الأعلى من 0.798 بأنها مرتفعة جدًا.
في المقابل، تشمل أقرب نظراء مصر الإقليميين في التصنيف المغرب (المرتبة 82، 0.750) والأردن (المرتبة 85، 0.746). يُحقق أداء مصر أداءً أفضل بكثير من الدول التي تقع في أدنى مستويات المؤشر العالمي، وخاصةً تلك التي تعاني من الصراع وعدم الاستقرار، والتي يقع بعضها في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أو بالقرب منها. على سبيل المثال، يحتل اليمن، وهو مؤشر واضح على تأثير الصراع على تنمية الشباب، المرتبة 170 عالميًا بنتيجة 0.623، بينما تحتل سوريا المرتبة 133 بنتيجة 0.689.
الدولة صاحبة أدنى تصنيف عالمي هي أفغانستان (جزء من منطقة جنوب آسيا)، بدرجة 0.515، مما يسلط الضوء على التباين الشديد في آفاق الشباب على مستوى العالم.
ذروة مصر: الصحة يكشف التحقيق المتعمق في درجات مصر الستة في المجالات عن ازدواجية ملفتة؛ إذ تهيمن عليها الأداء الاستثنائي في مجال الصحة، في حين تتراجع المجالات الأخري.
حققت مصر مرتبة عالمية استثنائية في المركز الثامن في مجال الصحة والرفاهية، وحصلت على درجة 0.962، هده نتيجة استثنائية، تضع مصر بين أفضل دول العالم في مجال صحة الشباب، متفوقةً بشكل ملحوظ على العديد من الدول التي تتفوق عليها في تصنيف مؤشر تنمية الشباب العالمي. وللتوضيح، تحتل دول رائدة عالميًا في مجال تنمية الشباب، مثل سنغافورة، المركز الأول في مجال الصحة والرفاهية (0.972)، بينما تتخلف دول أوروبية أخرى عالية التصنيف، مثل الدنمارك والبرتغال، كثيرًا عن مصر في هذا المجال تحديدًا، حيث تحتل المركزين 74 (0.904) و154 (0.828) على التوالي.

وزير الصحة خالد عبد الغفار ويشير التقرير بشكل عام إلى أن جميع البلدان، بغض النظر عن مستوى تنمية الشباب فيها بشكل عام، تحقق نتائج جيدة نسبيًا في مجال الصحة، مما يدل على وجود فجوة هامشية بين أعلى وأدنى أداء في هذا المجال. ومع ذلك، فإن النتيجة شبه المثالية لمصر البالغة 0.962 تشير إلى تدخلات فعالة للغاية في معالجة المؤشرات الصحية الرئيسية مثل معدل الإصابة بفيروس نقص المناعة ومعدل الوفيات وإيذاء النفس. يُعد هذا المجال واحدًا من المجالات الأكثر وزنًا في حساب مؤشر التنمية البشرية (22%)، مما يعني أن هذا الأداء القوي يدعم بشكل كبير موقف مصر العام.
في هذا المجال الذي يعطي وزنا نسبيا كبير؛ فإن المؤشر يعاني من خلل جوهري، إذ يغفل قضايا تكتسب أهمية أكبر في السياق المصري مثل سوء التغذية والتقزم والسمنة التي يعاني منها قطاعات من الشباب والأطفال. حوالي 40% من السكان البالغين يعانون من السمنة، تعتبر الأنيميا مشكلة واسعة الانتشار بين مختلف الفئات، وخاصة النساء في سن الإنجاب (15-49 سنة). كانت نسبة الأنيميا بينهن حوالي 25% في 2014، وبعض المصادر تذكر أنها صارت 28.3% مؤخراً.
وعلي الرغم من تحسن الصحة وفق قياس المؤشر، إلا إنه في مجالات أخرى، تحافظ مصر على أداء إقليمي متوسط:
المساواة والشمول: المرتبة العالمية 88، النتيجة 0.875. شهد هذا المجال تحسنًا عالميًا بنسبة 2.2 في المائة، مدفوعًا جزئيًا بانخفاض التهميش الاقتصادي. السلام والأمن: المرتبة العالمية 89، النتيجة 0.770، وهذا أمر جدير بالملاحظة بالنظر إلى أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ككل شهدت تدهوراً متواضعاً بنسبة 1.19 في المائة في هذا المجال -وهو أكبر انخفاض في أي منطقة على مستوى العالم، ويعزى ذلك إلى حد كبير إلى انخفاض مؤشرات السلام الداخلي. التعليم: المرتبة العالمية 101، النتيجة 0.754. التعليم هو مجال آخر ذو وزن ثقيل (22%)، والأداء المتوسط لمصر هنا يخفف قليلاً من النتيجة الإجمالية، إلا أن المؤشر لا يعتني بقياس جودة التعليم المقدم ومدي علاقته بسوق العمل بما ينعكس علي مستويات التوظيف لدي الشباب المصري. التحديات الأساسية: التوظيف والصوت السياسي وإذا كان مجال الصحة بمثابة المحرك الإحصائي لمصر، فإن درجاتها المنخفضة في التوظيف والفرص والمشاركة السياسية والمدنية تعمل كعوائق إحصائية مستمرة. تسلط هذه المجالات الضوء على العجز الهيكلي الحاسم للنجاح المستقبلي لـ 1.8 مليار شاب على مستوى العالم.
مجال التوظيف والفرص، الذي يركز على مؤشرات مثل NEET (غير الملتحقين بالتعليم أو العمل أو التدريب)، ونقص التوظيف، والوصول إلى الحسابات المالية، يحظى بثقل كبير (22%) في المؤشر. تحتل مصر المرتبة 136 على مستوى العالم في هذا المجال، وهي مرتبة مثيرة للقلق، برصيد 0.652 فقط. وهذا يتخلف بشكل كبير عن متوسط التحسن العالمي البالغ 6.1 في المائة المسجل في هذا المجال، والذي كان أكبر تحسن بين المجالات الستة على مستوى العالم.

بالنسبة للشباب المصري، تشير هذه النتيجة إلى عقبات كبيرة أمام تحقيق الأمن الاقتصادي والحياة المالية المستقلة، وهو عنصر حاسم في تنمية الشباب. ومع ذلك، يكمن العجز الأشد في مصر في المشاركة السياسية والمدنية . فبمرتبة عالمية بلغت 181 من أصل 183 دولة، وبدرجة 0.185، تقع مصر في قاع المؤشر العالمي في هذه الفئة.
يعكس هذا التقييم المنخفض للغاية التحدي العالمي المستمر في تعزيز المشاركة المدنية للشباب. يُعدّ مجال المشاركة السياسية والمدنية الأقل تقييمًا من حيث القيمة المطلقة، حيث بلغ ذروته العالمية عند 0.321 فقط في عام 2021، وظلّ ثابتًا في عام 2022. وعلى الرغم من أن المجال سجل تحسنًا عالميًا بنسبة 5.4 في المائة على مدى فترة 12 عامًا، مدفوعًا بزيادة في آراء الشباب الذين يعبرون عن وجهات نظرهم للمسؤولين ووقت التطوع، إلا أن الدرجات المطلقة لا تزال ضعيفة.
إن درجة مصر البالغة 0.185 أسوأ بشكل ملحوظ من الذروة العالمية، وتشير إلى وجود عوائق نظامية أساسية أمام مشاركة الشباب في الحوكمة وصنع القرار والعمل المدني. يشمل هذا المجال مؤشرات مثل “الرأي المُعبّر عنه لمسؤول”، و”الوقت التطوعي”، و”درجة سياسة الشباب”.
وفي حين أن مجال المشاركة السياسية والمدنية يحمل أقل وزن (10%) في حساب مؤشر تنمية الشباب الإجمالي، فإن النتيجة السيئة لمصر في هذا المجال هي مؤشر قوي على أن صانعي السياسات بحاجة إلى “الاستثمار بشكل أكبر في البيئة المواتية لمشاركة الشباب”، وهو الاستنتاج الذي يسلط التقرير الضوء عليه عالميًا.
المقارنة العالمية يشير التقرير إلى وجود علاقة قوية بين ارتفاع درجات YDI والتقدم الأكبر نحو أهداف التنمية المستدامة (SDGs). بالنسبة لمصر، فإن التناقضات العميقة بين درجات مجالاتها بمثابة إشارة لا لبس فيها للإصلاح المستهدف. إن التفاوت واضح بشكل خاص عند دراسة الأهمية النسبية للمجالات:
مصر تحتل المرتبة الثامنة (الصحة، 22٪ وزنًا)، علي الرغم من تحفظنا المستند إلي إغفال محددات أهم للسياق المصري. تحتل مصر المرتبة 136 (التوظيف، 22٪ وزن). مصر في المرتبة 181 (المشاركة السياسية، وزن 10%). إن النتيجة المترتبة على ذلك، كما دعت إليها أمانة الكومنولث، واضحة: إن التقدم المستدام يتطلب استثماراً استراتيجياً في المجالات الأضعف والأكثر تراجعاً. بالنسبة لمصر، هذا يعني معالجة العقبات الراسخة التي تواجه التمكين الاقتصادي للشباب، وربما بشكل أكثر إلحاحًا، معالجة النقص الحاد في الإدماج السياسي والمدني الذي يتجلى في ترتيبها العالمي رقم 181.
إن حقيقة أن 62.0 في المائة من دول الكومنولث تظل ضمن الفئات المنخفضة والمتوسطة من تنمية الشباب، تشير إلى أن التقدم البطيء يمثل تحديًا عالميًا مشتركًا.
وبالنسبة لمصر ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فإن ترجمة التقدم الإيجابي في مجالات مثل الصحة والوصول إلى التعليم إلى تمكين اقتصادي وسياسي ملموس، يظل المهمة الحاسمة لضمان قدرة الشباب على النجاح حقًا كمهندسين للتغيير.
لا يُعد هذا التقرير حكمًا نهائيًا، بل بمثابة “فحص درجة حرارة” أساسي كمقدمة ضرورية، حيث يكون العمل السريع والحوار ضروريين للغاية.







