إضراب عام يعيد علاقة اتحاد الشغل والسلطة في تونس إلى مفترق طرق

بعد إعلان الاتحاد العام التونسي للشغل إضرابًا عامًا مقررًا يوم 21 يناير/ كانون الثاني المقبل، للمطالبة بحقوق نقابية وزيادة الأجور، عادت العلاقة بين أكبر منظمة نقابية في البلاد والسلطة التنفيذية إلى واجهة الجدل، وسط تساؤلات حول ما إذا كان التصعيد الحالي سيقود إلى قطيعة نهائية أم يفتح الباب أمام انفراج يعيد الطرفين إلى طاولة التفاوض.
وكان اتحاد الشغل قد أقر، الجمعة، تنظيم إضراب عام الأربعاء المقبل، قال إنه يأتي «دفاعًا عن الحقوق والحريات، وفي مقدمتها الحق النقابي والحق في التفاوض من أجل الزيادات، ومكسب الحوار الاجتماعي».
سياق سياسي متأزم
وتأتي هذه التطورات في ظل أزمة سياسية متواصلة منذ 25 يوليو/ تموز 2021، حين أعلن الرئيس قيس سعيد إجراءات استثنائية شملت حل مجلس النواب، وإصدار تشريعات بأوامر رئاسية، وإقرار دستور جديد عبر استفتاء، ثم إجراء انتخابات تشريعية مبكرة.
وكان اتحاد الشغل قد ساند في البداية هذه الإجراءات، قبل أن يبدي تحفظات لاحقًا، خاصة بعد رفض الرئاسة مبادرة حوار وطني أطلقها الاتحاد في ديسمبر/ كانون الأول 2022.
وتصف قوى سياسية تونسية هذه الإجراءات بأنها «انقلاب على الدستور وترسيخ لحكم فردي»، في حين تعتبرها أطراف أخرى «تصحيحًا لمسار ثورة 2011». أما الرئيس قيس سعيد، فيؤكد أن ما اتخذه «تدابير دستورية لحماية الدولة من خطر داهم»، مع التشديد على عدم المساس بالحريات والحقوق.
توتر متصاعد ومطالب اجتماعية
وخلال الأشهر الأخيرة، شهدت العلاقة بين اتحاد الشغل والسلطات توترًا متزايدًا، رافقته اتهامات متبادلة بالتحريض والتصعيد، إلى جانب مظاهرات وإضرابات مهنية رفعت مطالب متعددة، أبرزها زيادة الأجور، وتوسيع الحريات العامة، ومعالجة ملفات التلوث الصناعي.
وفي المقابل، تؤكد السلطات التزامها بالدستور والمعايير الدولية المرتبطة بالحريات العامة، وتعلن انفتاحها على التفاوض مع النقابات ضمن ما تسمح به الإمكانات الاقتصادية للدولة.
رؤى متناقضة حول المستقبل
يرى محللون أن الخلاف بين الطرفين يتجاوز المطالب الاجتماعية ليعكس اختلافًا عميقًا في الرؤية. ويعتبر بعضهم أن تصور الرئيس قيس سعيد لا يعترف بدور «الأجسام الوسيطة» من أحزاب ومنظمات، وهو ما يتناقض مع رؤية اتحاد الشغل الذي يرى نفسه فاعلًا أساسيًا في المشهدين الاجتماعي والسياسي.
ويذهب هذا الرأي إلى أن آلية الحوار الاجتماعي، التي كانت معتمدة منذ سبعينيات القرن الماضي في ملف الأجور، جرى تعطيلها، ما عمّق الفجوة بين قرطاج، مقر الرئاسة، وساحة محمد علي، مقر الاتحاد.
كما يربط هذا الاتجاه لجوء الاتحاد إلى خيار الإضراب باعتبارات سياسية واجتماعية، إضافة إلى حسابات داخلية، معتبرًا أن الإضراب قد لا يحقق تأثيرًا سياسيًا واسعًا في ظل حالة من اللامبالاة العامة وتجارب سابقة لم تُكلل بالنجاح.
توتر قابل للاحتواء؟
في المقابل، يرى اتجاه آخر أن ما يجري لا يرقى إلى قطيعة نهائية، بل يمثل توترًا مرحليًا يهدف إلى إعادة رسم موازين التفاوض. ويذهب أصحاب هذا الرأي إلى أن الاتحاد، رغم تراجع مكانته لدى بعض الفئات، لا يزال قادرًا على تحريك الشارع في حدوده الدنيا، وأن السلطة بدورها لن تذهب بعيدًا في استهدافه، بل قد تراهن على احتوائه من الداخل.
ويؤكد هذا الطرح أن اتحاد الشغل يمتلك خبرة طويلة في التعامل مع مختلف السلطات، ولا يزال يحتفظ بسند داخل النخب والرأي العام، ما يجعله فاعلًا لا يمكن تجاوزه بسهولة.
اتحاد الشغل: مستعدون للحوار
من جانبه، يؤكد اتحاد الشغل صعوبة التواصل حاليًا مع السلطة، معتبرًا أن الخيار السياسي السائد يقوم على التفرد بالحكم ورفض الحوار. ويرى أن هذا التوجه يستهدف تقليص دور الأجسام الوسيطة، بما فيها الاتحاد، وهو ما يعده انحرافًا عن المسار الديمقراطي.
ويشدد الاتحاد على أن مطالبه اجتماعية بالأساس، وفي مقدمتها زيادة الأجور والدفاع عن الحقوق النقابية، وهي مطالب يقول إنها مكفولة بالدستور والاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها تونس.
وحذّر الاتحاد من أن استمرار القطيعة من شأنه توتير المشهد العام وإلغاء ثقافة الحوار، في وقت تمر فيه البلاد بظروف إقليمية ودولية دقيقة لا تحتمل مزيدًا من التصعيد.
وبشأن الإضراب المرتقب، يؤكد الاتحاد أنه لا يستهدف منازعة السلطة، بل الضغط من أجل استئناف الحوار الاجتماعي، وتطبيق الاتفاقات المبرمة، والاعتراف الكامل بالحق النقابي، معتبرًا أن الإضراب «وسيلة لإجبار السلطة على العودة إلى التفاوض».




