الذكرى الخامسة عشرة لثورة 17 ديسمبر في تونس.. بين جذوة البوعزيزي وجدل المسار والمصير

تحل، الأربعاء، الذكرى الخامسة عشرة لما يُعرف بـ«ثورة الحرية والكرامة» أو «ثورة 17 ديسمبر» في تونس، التي ارتبطت باسم المواطن محمد البوعزيزي، الذي أضرم النار في جسده في ذلك اليوم من عام 2010 بولاية سيدي بوزيد، لتكون الحادثة شرارة واحدة من أبرز التحولات السياسية في تاريخ البلاد الحديث.
ويعود تاريخ اندلاع الثورة إلى يوم 17 ديسمبر 2010، حين أقدم البوعزيزي على إحراق نفسه احتجاجًا على مصادرة السلطات لعربة كان يبيع عليها الخضار والفاكهة، ورفض قبول شكوى كان يعتزم تقديمها ضد شرطية صفعته علنًا وطلبت منه مغادرة المكان.
من سيدي بوزيد إلى سقوط النظام
أدت الحادثة، في اليوم التالي، إلى اندلاع مواجهات بين مئات الشبان وقوات الأمن في سيدي بوزيد وولاية القصرين، خلال مظاهرات تضامنية احتجاجًا على البطالة والتهميش والإقصاء، قبل أن تتوسع رقعة الاحتجاجات سريعًا لتشمل مدنًا وبلدات أخرى.
وتطورت التحركات من مطالب اجتماعية إلى احتجاجات ذات طابع سياسي، رفعت شعارات تطالب بالحريات، ومحاسبة الفساد، وتنحي الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، وصولًا إلى المظاهرة الكبرى في شارع الحبيب بورقيبة يوم 14 يناير 2011، بالتوازي مع مظاهرات في عدد من المدن.
وأفضت تلك التطورات إلى فرار بن علي من البلاد، قبل أن يتوفى في سبتمبر 2019 بعد نحو 24 عامًا في الحكم.
تغيير موعد الاحتفال بالثورة
وفي ديسمبر 2021، قرر الرئيس التونسي قيس سعيد اعتماد يوم 17 ديسمبر موعدًا رسميًا للاحتفال بذكرى الثورة، بدلًا من 14 يناير، معتبرًا أن إحراق البوعزيزي لنفسه مثّل الصرخة الأولى لانطلاق الحراك الشعبي.
قراءات متباينة للثورة
ويؤكد ناشطون وسياسيون أن ما جرى في 17 ديسمبر كان حركة عفوية فجّرها واقع اجتماعي واقتصادي خانق، مشيرين إلى أن الخوف انكسر في ذلك اليوم، وأن مساحات الحرية التي انتُزعت لم تعد قابلة للإلغاء، رغم الانتكاسات.
في المقابل، يرى باحثون أن شعارات الثورة عبّرت بوضوح عن جوهرها الاجتماعي، خاصة ما تعلق بالحق في التشغيل، ورفض منظومة التبعية والفساد، معتبرين أن الصراع الحقيقي كان مع دولة سلطوية أعادت إنتاج نفسها بأشكال مختلفة.
جدل مستمر حول «تصحيح المسار»
على الجانب الآخر، تعتبر قوى سياسية مؤيدة للرئيس قيس سعيد أن ما جرى في 17 ديسمبر كان «انتفاضة شعبية» جرى الالتفاف عليها لاحقًا، وأن إجراءات 25 يوليو 2021 مثّلت استعادة لمسار الثورة وإعادتها إلى الشعب.
بينما ترى قوى تونسية معارضة أن تلك الإجراءات، التي شملت حل البرلمان والمجالس القضائية وإصدار تشريعات بأوامر رئاسية، تمثل انقلابًا على دستور الثورة لعام 2014، وتكريسًا لحكم فردي.
ثورة مفتوحة على المستقبل
وبعد خمسة عشر عامًا، لا تزال ثورة 17 ديسمبر حاضرة بقوة في الذاكرة والجدل التونسي، باعتبارها محطة مفصلية كسرت حاجز الخوف، وفتحت بابًا واسعًا للنقاش حول الحرية والدولة والعدالة الاجتماعية، في مسار لم تُحسم نهاياته بعد.



