د. محمد عماد صابر يكتب : هل يقبل السيسي بمطالبات تصحيح المسار في ملف المعتقلين؟

“قراءة سياسية في الوهم الممكن والواقع القائم”
تتجدد مع اقتراب عام 2026 أصوات مصرية تطالب بإغلاق ملف السجناء السياسيين، وتخرج رسائل مفتوحة تحمل لغة قانونية وأخلاقية وإنسانية، تدعو رأس النظام إلى “لحظة عدل” و“إنصاف تاريخي” وفتح صفحة جديدة بلا سجناء رأي. ورغم مشروعية هذه المطالب من حيث المبدأ، إلا أن السؤال الحقيقي ليس: هل المطالبة عادلة؟ بل: هل النظام الذي أنتج هذا الملف بنيويًا قادر أو راغب في إغلاقه؟
القراءة السياسية الباردة تقول إن نظام عبد الفتاح السيسي لم يتعامل يومًا مع ملف المعتقلين باعتباره “خطأً قابلًا للتصحيح”، بل باعتباره أحد أعمدة بقائه. فالسجون في هذا النظام ليست نتيجة انحراف عارض، بل أداة حكم، وآلية ردع، ورسالة دائمة للمجتمع بأن أي محاولة للتفكير خارج الإطار المرسوم ثمنها معروف.
ولهذا فإن كل جولات “المناشدات” السابقة، منذ لجان العفو إلى الحوار الوطني، لم تنتج سوى إفراجات انتقائية محدودة، سرعان ما تُعادلها حملات اعتقال جديدة، في معادلة صفرية ثابتة.
النظام لا ينظر إلى المعتقل السياسي كـ”مواطن مظلوم”، بل كـ”خطر مؤجل”، حتى لو كان محاميًا أو صحفيًا أو أكاديميًا أو شابًا كتب منشورًا. ومن هنا فإن فكرة “تصحيح المسار” تصطدم بجدار عقائدي داخل السلطة؛ لأن الاعتراف بوجود سجناء رأي يعني الاعتراف بأن ما جرى منذ 2013 لم يكن “حربًا على الإرهاب” بل قمعًا سياسيًا واسع النطاق، وهو اعتراف يهدد السردية المؤسسة للنظام من جذورها.
أما من يراهن على تغير الظرف الإقليمي أو الضغوط الدولية، فعليه أن يقرأ المشهد بدقة أشد. المنطقة اليوم تعيش مرحلة إعادة تشكيل قاسية في ظل حرب غزة، وصعود المشروع الصهيوني– الأمريكي لإعادة ترتيب الإقليم، وكبح أي قوى مجتمعية أو إسلامية يمكن أن تعيد الاعتبار لفكرة المقاومة أو الاستقلال السياسي.
وفي هذا السياق، لا يُنظر إلى نظام السيسي باعتباره “نظامًا مزعجًا” بسبب ملف حقوق الإنسان، بل باعتباره “وظيفيًا” في ضبط الداخل، وإسكات أي حراك شعبي، وتحييد مصر عن أي دور حقيقي في معادلة الصراع.
لهذا فإن الضغوط المتوقعة على النظام في المرحلة القادمة لن تكون من أجل الإفراج عن المعتقلين، بل على العكس، قد تكون ضغوطًا لمزيد من القبضة الأمنية، ومزيد من تحجيم القوى الحية في المجتمع، وفي القلب منها التيار الإسلامي، وعلى رأسه الإخوان المسلمون، باعتبارهم – في الرؤية الصهيونية العالمية – الخطر الاستراتيجي الحقيقي على مشروع الهيمنة، وليس الأنظمة العسكرية.
ولعل عبارة السيسي الشهيرة “أنا قتلتهم علشان أصالحهم؟” ليست زلة لسان، بل تصريح كاشف عن عقلية حكم ترى في المصالحة ضعفًا، وفي الإفراج تهديدًا، وفي العدالة خطرًا على تماسك السلطة. هذه ليست دولة تبحث عن عقد اجتماعي جديد، بل سلطة تخشى أي شق في جدار الخوف.
ومع ذلك، فإن المطالبات، رغم إدراك محدودية أثرها المباشر، ليست بلا قيمة مطلقًا. فائدتها الحقيقية لا تكمن في إقناع السيسي، بل في منع طيّ الملف، وفي إعادة تثبيته على طاولة الوعي العام، وفي تسجيل المواقف أخلاقيًا وتاريخيًا، وفي فضح زيف ادعاء “الجمهورية الجديدة”. كما أنها تشكل سندًا معنويًا للمعتقلين وأهاليهم، ورسالة بأنهم لم يُنسوا، ولم يتحولوا إلى أرقام منسية في زنازين مغلقة.
لكن الخطر يكمن في تحويل هذه المطالبات إلى وهم سياسي، أو تسويقها كمدخل حقيقي للإصلاح، أو تقديمها للجمهور باعتبارها “خطوة على طريق الحل”، بينما الواقع يقول إن الحل الحقيقي لهذا الملف ليس إداريًا ولا قانونيًا، بل سياسي جذري، مرتبط بتغير طبيعة النظام نفسه، أو على الأقل بتغير ميزان القوة الذي يسمح بفرض تنازلات حقيقية عليه.
إن إنقاذ المعتقلين من “الموت البطيء” لا يتحقق بالرسائل وحدها، بل ببناء ضغط تراكمي واعٍ، داخلي وخارجي، شعبي وحقوقي وسياسي، يربط هذا الملف بمستقبل الدولة نفسها، وبكلفة الاستمرار في القمع، لا بلغة الرجاء، بل بلغة المصالح والحقائق الصلبة.
وفي الخلاصة، فإن قبول السيسي بتصحيح المسار في ملف المعتقلين، وفق المعطيات الحالية، احتمال ضعيف جدًا، يكاد يكون معدومًا، ما لم يفرض عليه فرضًا. أما الواجب الأخلاقي والسياسي، فهو ألا يتحول اليأس إلى صمت، ولا تتحول المطالبات إلى ترف خطابي، بل إلى جزء من معركة وعي طويلة، تُدرك أن هذه الدكتاتوريات لا تتغير بالنصح، بل حين تصبح كلفة القمع أعلى من كلفة التراجع.
أخيرًا بخصوص السؤال الذى ورد الينا من الصحافة: ما فائدة تلك المطالبات في إنعاش ملف المعتقلين وإنقاذهم من الموت البطيء؟ نقول وبالله التوفيق:
يعلم الجميع أن نظام السيسي يعمل على إرهاب الشعب والمعارضة عبر خنق قضية المعتقلين وعدم الحديث عنها بحيث يمثل بقاء المعارضين له في السجون سلاحا لتكميم الأفواه وغلق المجال السياسي بالكامل وتخويف المجتمع .
. ولذا تصبح قضية المطالبة بالافراج عن المعتقلين من النظام والاستمرار في ذلك عبر كافة الوسائل داخل مصر وخارجها وفي شتى المحافل شديد الأهمية حتى لا تخمد حرارة القضية وتظل قضية هؤلاء المعتقلين حية في الاذهان..
كما إن استمرار المطالبات بالافراج عن المعتقلين وإحياء القضية بكافة الوسائل يمثل ضغطا دائما على أعصاب النظام أمام شركائه الإقليميين والدوليين وفي المحافل الدوليه إذ أنه يشير إلي أن مصر دولة غير مستقرة وأنها لا تملك قضاء عادلا ولا جهازا شرطيا متوازنا وهذا ولا شك يؤثر على خطط النظام لجذب الاستثمارات ويؤثر على قطاع السياحة فلا أحد يريد أن يغامر بأمواله في بلد فاسد مستبد.. ولذا ينبغي الاستمرار في المطالبات بكافة الوسائل الممكنة ونشر ذلك إعلاميا وسياسيا في الداخل والخارج.







