اتفاقية ترسيم الحدود البحرية الليبية. التركية تعود للواجهة: صراع إقليمي وتداعيات مباشرة على مصر وشرق المتوسط

منذ توقيع مذكرة التفاهم البحرية بين ليبيا و**تركيا** في نوفمبر 2019، تحوّل ملف ترسيم الحدود البحرية في شرق المتوسط من خلاف قانوني إلى محور تنافس إستراتيجي متعدد الأطراف، يمتد من أنقرة وأثينا إلى القاهرة وبروكسل وواشنطن، مرورًا بطرابلس وبنغازي. المذكرة التي أعادت رسم المناطق الاقتصادية الخالصة بين ليبيا وتركيا على نحو ترفضه اليونان و**قبرص** و**مصر**، أصبحت أداة ضغط وتفاوض متبادل بقدر ما هي وثيقة قانونية مثيرة للجدل.
أثينا تُصعّد… وبرلمان الشرق في قلب المواجهة
جاءت زيارة وفد رفيع من مجلس النواب الليبي إلى أثينا في ديسمبر 2025، والتصريحات العلنية لرئيس البرلمان اليوناني الداعية إلى عدم المصادقة على المذكرة، لتكشف مرحلة جديدة من توظيف أثينا لمؤسسات الشرق الليبي في معركتها القانونية والسياسية مع أنقرة. الزيارة فجّرت سجالًا علنيًا مع تركيا، وأطلقت في الوقت نفسه حرب بيانات داخل معسكر الشرق الليبي بين الحكومة الموازية ورئاسة البرلمان وعدد من النواب حول كيفية التعاطي مع الضغط اليوناني وملف المذكرة.
الزاوية المصرية: أمن قومي وحدود بحرية غير محسومة
تكتسب المذكرة أهمية خاصة بالنسبة إلى مصر، التي ترى أنها تمسّ مناطق بحرية أوسع تطالب بها القاهرة، وتهدد تفاهماتها البحرية القائمة مع اليونان وقبرص. في المقابل، تحاول القاهرة تجنب انفجار جديد في ليبيا قد ينعكس سلبًا على أمن حدودها الغربية. وتشير التقديرات إلى أن أي مصادقة برلمانية ليبية على المذكرة لن تمنحها شرعية دولية كاملة، لكنها قد تعقّد مفاوضات مستقبلية بين ليبيا وكل من اليونان ومصر حول المناطق الاقتصادية الخالصة، بما يضاعف حساسية الملف بالنسبة للأمن القومي المصري.
تركيا تتمسّك بـ«الوطن الأزرق»
من منظور أنقرة، تُعد المذكرة ركيزة قانونية لعقيدة “الوطن الأزرق” وبوابة لتعزيز النفوذ البحري والعسكري في المتوسط. وتؤكد تركيا إيداع المذكرة لدى الأمم المتحدة، وتتعامل معها كجزء من معادلة ردع إقليمي، وترى أنها مكّنت ليبيا من تثبيت حقوق بحرية واسعة ومنعت—وفق الرواية التركية—مطالب توسعية يونانية.
طرابلس والشرعية الدولية
في معسكر طرابلس، يُنظر إلى محاولات أثينا التواصل المباشر مع برلمان الشرق باعتبارها رهانًا على الانقسام الليبي لإنتاج موقف تشريعي مناهض للمذكرة. وتؤكد قراءات قانونية أن الجهة المخوّلة دوليًا بالتفاوض وإبرام الاتفاقات هي الحكومة المعترف بها دوليًا، وأن إسقاط المذكرة من جانب واحد سيصطدم بحقيقة استمرار الاعتراف الدولي بطرابلس.
تداعيات أمنية وعسكرية
رغم الطابع القانوني–الاقتصادي للملف، فإن له أبعادًا أمنية مباشرة: أي تصعيد بحري قد يؤثر على الملاحة قبالة الساحل الليبي، وعلى مكافحة الهجرة غير النظامية والتهريب، ويزيد من عسكرة شرق المتوسط وتداخل مصالح قوى دولية وإقليمية.
سيناريوهات المرحلة المقبلة
تطرح الورقة ثلاثة مسارات محتملة:
- تثبيت الأمر الواقع واستمرار الغموض دون مصادقة برلمانية.
- تصعيد قانوني دولي قد يعيد رسم أجزاء من الخريطة البحرية.
- تسوية تفاوضية تعيد ضبط خطوط الترسيم بين ليبيا واليونان وربما لاحقًا مع مصر، شريطة حدٍّ أدنى من التوافق الليبي الداخلي.
الخلاصة
لم تعد مذكرة 2019 مجرد ورقة في نزاع تركي–يوناني، بل اختبارًا لقدرة ليبيا على حماية سيادتها البحرية وصياغة تموضع متوازن في شرق المتوسط، دون أن تتحول إلى ساحة تقاطع لخرائط الآخرين. وبالنسبة إلى مصر، يظل الملف جزءًا من معادلة الأمن القومي وحدود البحر غير المحسومة، بما يستدعي إدارة دقيقة تمنع التصعيد وتحفظ المصالح.
للاطلاع على التقرير كامل اضغط هنا





