ملفات وتقارير

معجم الدوحة يعيد كتابة الكلمة العربية عبر التوثيق التاريخي

في العاصمة القطرية الدوحة، وبرعاية وحضور أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، كُشف الستار عن النسخة النهائية من المعجم، بعد أكثر من عقد من العمل البحثي المتواصل، شارك فيه مئات الباحثين والخبراء.

لحظة الاحتفاء لم تكن احتفالاً بالاكتمال بقدر ما كانت إعلاناً عن دخول العربية عصر التوثيق التاريخي المنهجي، وفق المعايير العالمية للمعاجم التاريخية. 

وتقديراً لدورهم الكبير الفاعل ولجهودهم العلمية وعطائهم المعرفي، كرّم أمير قطر الباحثين والخبراء والمحررين الذين أسهموا في إنجاز المشروع.

خلال الفعالية، عُرض فيلم تعريفي بالبوابة الرقمية الجديدة، التي تتيح مادة معجمية تاريخية واسعة، وتعكس الدور المتنامي للمعجم في تعزيز الحضور الرقمي للغة العربية، وتوسيع دوائر الاستفادة منها عبر أدوات البحث الحديثة.

يعود إطلاق المشروع إلى عام 2013، بعد أن بدأت فكرته تتبلور في الدوحة عام 2011، عقب المؤتمر السنوي الأول للعلوم الإنسانية والاجتماعية الذي ينظمه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.

آنذاك، اقترح عدد من الأساتذة والمعجميين تبنّي مشروع يؤرخ لألفاظ العربية، وهي فكرة لقيت دعماً رسمياً، وتُرجمت لاحقاً إلى واحدة من أضخم المبادرات اللغوية عربياً وعالمياً.

وباتت بوابة المعجم تضم، بعد اكتماله، رصيداً لغوياً غير مسبوق، يشمل أكثر من 300 ألف مدخل معجمي، ونحو 10 آلاف جذر لغوي، ومدونة نصية تتجاوز مليار كلمة، إلى جانب ببليوغرافيا تضم أكثر من 10 آلاف مصدر.

هذه الأرقام لا تعكس ضخامة المشروع فحسب، بل تشير إلى اتساع تغطيته الزمنية والمعرفية، من أقدم النقوش العربية الموثقة إلى نصوص العصر الحديث.

اعترافاً بأهمية المشروع أعرب أمير قطر، في منشور على منصة “إكس”، عن فخره باكتمال المعجم، موجهاً الشكر لكل من ساهم في إنجازه.

وأكد أن المعجم “يعزز بمادته الثرية تمسك شعوبنا بهويتها وانفتاحها على العصر ووسائله الحديثة بكل ثقة”، عاداً اكتمال المشروع ومراحل إنجازه “مظهراً من مظاهر التكامل العربي المثمر.

في كلمته خلال الحفل، قال المدير التنفيذي لمعجم الدوحة التاريخي، الدكتور عز الدين البوشيخي، إن المعجم يرصد الكلمات العربية في سياقاتها الزمنية والنصية، ويوثق تاريخ تداولها في النقوش والنصوص.

وبذلك، وفق ما يوضح البوشيخي، فإن المعجم يحفظ للمتكلم العربي هويته اللغوية، ويسهم في بناء ذاكرة لغوية مشتركة بين الناطقين بالعربية.

البوشيخي لفت إلى أن المشروع تجاوز كونه معجماً تقليدياً، ليصبح أرشيفاً حياً لتحولات المعنى والاستعمال عبر نحو عشرين قرناً.

وأضاف أن القائمين على المشروع لم يتوقعوا، عند انطلاقه، أن يقودهم العمل إلى بناء مدونة نصية رقمية مهيكلة ومؤرخة تضم قرابة مليار كلمة.

وأشار إلى أن هذه المدونة تشكل اليوم مورداً معرفياً فريداً، يمكن توظيفه في البحث العلمي وتطوير نماذج لغوية عربية متقدمة في مجال الذكاء الاصطناعي.

من جانبه أشار الكاتب عزمي بشارة، رئيس مجلس أمناء معجم الدوحة التاريخي للغة العربية، حين وصف المشروع بأنه من أعقد المهام المعرفية في تاريخ العربية.

وأوضح بشارة، في مقال نشره المركز العربي للأبحاث والدراسات السياسية، أن التعقيد في المعجم ليس لضخامته وحدها، بل لطبيعته المنهجية، إذ يعتمد على النصوص الأصلية لا على المعاجم، ويتتبع تحولات المعنى في سياقاتها الحية.

وفي حفل إطلاق المعجم، لفت بشارة إلى الدور الكبير الذي أولته قطر سعياً لإخراج المعجم، مؤكداً أن قطر وفرت “أجواء من حرّية الفكر والإبداع”.

وأشار إلى أن هذه الأجواء التي توفرها الدوحة، هي نفسها التي أنجحت إطلاق مشاريع أخرى علمية وثقافية ورياضية وإعلامية، مضيفاً: “نتمنى أن تحتضن عواصم عربية عديدة مثل هذه المشاريع، وإن لم تدعمها، فعلى الأقل أن تقدرها”. 

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى