مقالات وآراء

د. علي أيوب يكتب: الدفع بعدم حياد النيابة… بين حق الدفاع والمزايدة المهنية

لا خلاف ولا جدال على أن النيابة العامة خصم شريف فى الدعوى الجنائية، تمثل المجتمع وتضطلع بدور أصيل فى حماية الشرعية وسيادة القانون.
غير أن هذا المبدأ المستقر لا يحول، ولا يجوز أن يحول، دون ممارسة الحق الدستورى الأصيل فى الدفاع ، ومن مقتضياته إبداء الدفوع القانونية كافة، ومنها الدفع بعدم حياد جهة التحقيق متى قام عليه سبب.

إن الدفع بعدم حياد النيابة العامة فى التحقيقات لا ينال من مكانتها ولا يقلل من دورها ، بل هو دفع قانونى جوهرى، كفله الدستور وقانون الإجراءات الجنائية، واستقر عليه قضاء محكمة النقض، باعتباره وسيلة لضمان المحاكمة العادلة وصون حقوق المتهم، لا طعنًا فى الذمة ولا تشكيكًا فى النيات.

ومن هذا المنطلق، كان موقف السادة المحامين فى الدفاع عن حق الدكتور محمد حمودة فى إبداء هذا الدفع موقفًا مهنيًا وقانونيًا سليمًا ، يعبّر عن جوهر رسالة المحاماة، التى تقوم على الذود عن الحقوق والحريات، دون خوف أو مجاملة.

والأخطر من الدفع ذاته، هو التعقيب عليه أو ملاحقة من يبدونه ، إذ لا يجوز قانونًا ولا دستورًا أن تتحول ممارسة حق الدفاع إلى سبب للمساءلة أو الضغط أو الترهيب، فذلك يهدر ضمانات العدالة ويمس استقلال الدفاع.

ومما يبعث على الأسف، أن يخرج أحد الزملاء المحامين – وهو اسم معروف وينتمى لمدرسة قانونية عريقة – ليزايد على هذا الموقف، ويقرر أن النيابة خصم شريف وتمثل المجتمع، وكأن هذا القول ينفى أو يُجرّم من الناحية القانونية إبداء الدفع بعدم الحياد، وهو خلط جسيم بين توصيف الدور وحقوق الدفاع.

فالنيابة قد تكون خصمًا شريفًا، ومع ذلك يظل من حق الدفاع – بل من واجبه – أن يراقب إجراءاتها، وأن يطعن عليها إذا شابها ما يخل بالحياد أو الاطمئنان، دون أن يعد ذلك خروجًا على الثوابت أو إساءة للمؤسسات.

إن حماية العدالة لا تكون بتكميم الأفواه، ولا بالمزايدة الخطابية، وإنما بإحترام قواعد الخصومة الجنائية، وضمان التوازن بين سلطة الاتهام وحق الدفاع.
وهنا يظل المعيار هو القانون وحده، لا الأشخاص ولا الأسماء.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى