للمرة الأولى منذ 2021.. المعارضة التونسية تنزل الشارع في مسيرة موحدة ضد أحكام «التآمر»

شهدت تونس العاصمة تحركًا ميدانيًا لافتًا، هو الأول من نوعه منذ الإجراءات الاستثنائية التي أُعلنت في 25 يوليو/تموز 2021، حيث خرجت قوى معارضة مختلفة في «مسيرة وحدوية» احتجاجًا على أحكام بالسجن صدرت بحق معارضين في ما يُعرف بقضية «التآمر على أمن الدولة».
وانطلقت المسيرة يوم 6 ديسمبر/كانون الأول من ساحة باب الخضراء وصولًا إلى شارع الحبيب بورقيبة، رافعةً لافتة موحدة كُتب عليها: «المعارضة ليست جريمة»، في رسالة سياسية مباشرة إلى السلطة.
أحكام ثقيلة وخلاف حول توصيفها

كانت محكمة الاستئناف بتونس قد أصدرت، في 28 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أحكامًا بالسجن تراوحت بين 10 و45 عامًا بحق عدد من الشخصيات السياسية، بتهم من بينها «التآمر على أمن الدولة».
وتضم قائمة المدانين أسماء بارزة، من بينها أحمد نجيب الشابي، و**نور الدين البحيري**، ورضا بلحاج، وعصام الشابي، والوزير الأسبق غازي الشوّاشي.
في المقابل، تؤكد السلطات التونسية أن المتهمين حُوكموا في قضايا جنائية، وأن القضاء مستقل ولا يخضع لأي تدخل سياسي، بينما تصف قوى المعارضة هذه المحاكمات بأنها سياسية وتستهدف تصفية الخصوم.
المعارضة: القمع فرض الالتقاء
قال عضو جبهة الخلاص الوطني رياض الشعيبي إن اتساع دائرة القمع دفع مختلف أطياف المعارضة إلى الالتقاء في تحركات ميدانية مشتركة، معتبرًا أن مظاهرة 6 ديسمبر تمثل محطة مفصلية في مسار توحيد الصفوف.

وأضاف أن الخطوة التالية يجب أن تكون تنسيقًا سياسيًا يبحث سبل الخروج من الأزمة وإدارة المرحلة المقبلة، داعيًا إلى إطلاق سراح المعتقلين السياسيين ووقف الإجراءات القمعية، باعتبار ذلك شرطًا لأي مسار ديمقراطي جاد.
«مصير مترابط» بين القوى السياسية
من جانبه، اعتبر متحدث الحزب الجمهوري وسام الصغير أن المسيرة كشفت قناعة متزايدة داخل المعارضة بأن الدفاع عن السياسة والحقوق والحريات لا يمكن أن يتم إلا بشكل جماعي.
وأوضح أن سنوات الحكم الفردي، وفق تعبيره، أظهرت أن الاستهداف طال الجميع دون استثناء، ما خلق إدراكًا متأخرًا بأن مصير القوى المعارضة أصبح مترابطًا مهما اختلفت خلفياتها السياسية.
تقارب حذر قابل للانتكاس
الأكاديمي سفيان العلوي وصف ما جرى بأنه تقارب حذر يحمل رسائل متعددة للداخل والخارج، مشيرًا إلى أن مظاهرة 6 ديسمبر كسرت حاجز الخوف من الشارع وأعادت اختبار القدرة على التعبئة.
غير أنه حذّر من أن هذا التقارب قابل للانتكاس في ظل غياب الثقة، واستمرار السرديات القديمة، معتبرًا أن المدخل الحقوقي بات المحرك الأساسي للحراك، وربما يتقدم حاليًا على مطلب استعادة المسار الديمقراطي الكامل.
موالون للرئيس: الشعب تجاوز المعارضة
في المقابل، قال أمين عام حزب المسار، الموالي للرئيس قيس سعيد، محمود بن مبروك، إن الشارع تجاوز المعارضة الحالية، معتبرًا أنها فقدت وزنها السياسي قبل 25 يوليو 2021.
وأضاف أن المستقبل قد يشهد معارضة جديدة تنبثق من داخل مسار 25 يوليو نفسه، لا تعارضه بل تسعى – حسب وصفه – إلى تقديم حلول للأزمة السياسية والاقتصادية التي تعيشها البلاد.
أزمة مستمرة منذ 25 يوليو
ومنذ إعلان الرئيس قيس سعيد إجراءاته الاستثنائية عام 2021، والتي شملت حل البرلمان، والحكم بمراسيم، وإقرار دستور جديد، تعيش تونس أزمة سياسية حادة.
بينما ترى قوى سياسية أن ما حدث انقلاب على الدستور وترسيخ لحكم فردي، يؤكد الرئيس أن إجراءاته جاءت لحماية الدولة من خطر داهم، مع نفيه المساس بالحقوق والحريات.
وتبقى مسيرة 6 ديسمبر علامة فارقة في المشهد التونسي، قد تفتح الباب أمام اصطفافات جديدة، أو تعيد طرح سؤال التوازن بين الشارع والسياسة في مرحلة شديدة التعقيد.



