شباك نورمقالات وآراء

د. أيمن نور : العنف الفردي بين إرهاب الدولة وانكسار ميزان العدالة

يتكشّف العنف في عالمنا بوصفه عرضًا لا مرضًا، نتيجة طبيعية لاختلالٍ عميق في ميزان العدالة، حيث تُمارَس القوة باسم الدولة، ويُدان اليأس حين يخرج عن السيطرة.
إرهاب الدولة لا يولد فجأة، بل يتراكم طبقة فوق طبقة، حتى يصبح القتل سياسة، والحصار أداة، والتجويع لغة تفاوض، فتتبدل المعاني وتُقلب المفاهيم.

تعريف هذا الإرهاب يستقر عند عنفٍ منظّم تمارسه سلطة رسمية لإخضاع جماعات بشرية، مستخدمة مؤسسات تبدو قانونية، لكنها تُدار بعقلية القهر لا بروح القانون.
النموذج الإسرائيلي يقف شاهدًا صارخًا، حيث يتكرّس القصف على المدنيين، ويُستباح الأطفال والنساء، وتُستهدف المستشفيات والمدارس، ويُحاصر شعب كامل حتى حافة الموت البطيء.

الغطاء الدولي لا يقل فداحة عن الجريمة ذاتها، إذ تتحول القوة العظمى من ضامنٍ للقانون إلى مظلة للإفلات من العقاب، فيُعطَّل مجلس الأمن، وتُفرغ القرارات من معناها.
غياب العدالة لا يمرّ دون أثر، بل يترك ندوبًا نفسية وسياسية عميقة، تصنع مناخًا خانقًا، تتولد فيه ردود أفعال فردية يائسة، لا بوصفها حلًا، بل بوصفها صرخة في فراغ.

إدانة العنف الفردي ضرورة أخلاقية لا تقبل التردد، لأن استهداف الأبرياء جريمة مكتملة، لا يغيّر من فداحتها دين الضحية ولا هويته ولا موقعه الجغرافي.
الساعات الأخيرة أعادت هذا المعنى إلى الواجهة، حين سقط أبرياء في قارة أخرى أثناء احتفال ديني، فقط لأنهم كانوا هناك، فقط لأن الكراهية سبقت العقل.

هذه الجريمة لا تنفصل عن مشاهد الدم في فلسطين، ولا عن آلام السودان، حيث يُترك المدنيون بين نار السلاح وصمت العالم، دون حماية أو إنصاف.
المعيار الإنساني السليم يرفض تقسيم الضحايا، ويجرّم القتل أياً كان فاعله، فردًا اندفع إلى العنف، أو دولة جعلت منه سياسة دائمة.

ازدواجية المعايير تظل الخطر الأكبر، حين يُختزل الإرهاب في أفعال الأفراد، بينما يُبرَّر إرهاب الدولة باعتبارات الأمن أو التحالف أو المصالح.
هذا الخلل البنيوي يقوّض شرعية القانون الدولي، ويحوّله من أداة للعدالة إلى لغة انتقائية، تُستخدم ضد الضعفاء وتُعطَّل أمام الأقوياء.

الأمن الدولي لا يُهدَّد بالعنف الفردي وحده، بل يُهدَّد أولًا بإرهاب الدولة، وبالصمت الذي يمنحه شرعية غير مستحقة.
العالم يقف اليوم على حافة مرحلة خطرة، حيث يتراكم اليأس، ويتحوّل الغضب إلى طاقة مدمّرة، نتيجة غياب المحاسبة وتكرار الإفلات من العقاب.

العدالة ليست انتقامًا، بل نظامًا يمنع الانفجار، ويُغلق الطريق أمام العنف قبل أن يولد، ويعيد للإنسان ثقته بأن الحق لا يضيع.
السلام الحقيقي لا يُبنى بإدانةٍ مبتورة، بل برفضٍ شامل لكل أشكال القتل، ومحاسبة واضحة لكل من يعتدي على الحياة الإنسانية.

ميزان واحد، وعدالة واحدة، ومعيار أخلاقي لا يتبدل بتبدل الضحايا، تلك هي الطريق الوحيدة لكسر دائرة العنف، وإنقاذ العالم من تكرار مآسيه.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى