مقالات وآراء

أنور الرشيد يكتب : التعصب دمار للمجتمعات

من جماليات الحياة أن يكون للفرد خصوصية، نشأ وتربَّى عليها، وأصبحت جزءًا من حياته، وهذا من طبيعة البشر الذين لم يختاروا تلك الخصوصية وإنما قدرهم أنهم وُجدوا في هذه البيئة التي تصقل بهم خصوصيتهم حتى وإن غادروها يشعرون بالغربة الداخلية بسبب انفصالهم عن بيئتهم.

ذكرت في مقال سابق قصة الجندي الياباني هيرو آنودا الذي استمر بموقعه بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية بإحدى غابات الفلبين لمدة ثلاثين عاما، تأقلم بالعيش مع بيئة الغابة وأصبحت جزءًا من حياته،

وعندما أعيد لبلده لم يتحمل العيش فيها رغم تطورها وذهب للعيش بغابات الأمازون في البرازيل، أذكر قصة هذا الجندي البطل لأدلل على أن البيئة هي من تشكل شخصية الإنسان، وأقول ذلك بعدما شاهدت أطفالًا يهودًا يعتدون بالضرب على مزارع فلسطيني يقوم بقطف زيتونه من شجرته التي تطعمه وتطعم عائلته، هؤلاء الأطفال لا يمكنهم الاعتداء على الآخرين لولا بيئتهم التي رسَّخت بهم قتل ومحاربة الآخرين الذين يسمونهم الأغيار

حسب كتابهم المقدس-، وأيضاً شاهدنا أطفالًا مسلمين كيف يلقنوهم على السمع والطاعة العمياء في مدارس طالبان التي أنشأتها المخابرات الأمريكية والباكستانية أثناء الاحتلال السوفيتي لأفغانستان لاستخدامهم لقتال السوفييت، وشاهدنا أيضا حركات التعصب المسيحية مثل جماعة كوكلوس كلان العنصرية في أمريكا،

وأيضاً جماعة راشتريا سوايامسيفاك سانغ الهندوسية في الهند التي فرَّخت العديد من الجماعات المتطرفة، وجميع هذه الحركات أنا بقناعتي لا تمثل بكل تأكيد الديانات بحد ذاتها لأن كل الديانات تحثُّ على السلام والمحبة والإخاء واحترام الآخرين وحقوقهم والنزاهة وغيرها من قيم رائعة، بل تعكس كيف يوظَّف المتطرفون الدين سياسيًّا من بعض الجماعات المتطرفة.

قصص التعصب كثيرة، ونتائجها الكارثية على المجتمعات البشرية لا تعد ولا تحصى؛ لذلك لا حل مع تلك الجماعات الدينية المتطرفة إلا بحاصرها ولا يمكن اعتبار ما تعتنقه حقًّا من حقوق الإنسان لما لها من تداعيات كارثية على حقوق الإنسان بحد ذاته،

فالحرية اعتبرها حقًّا لا يجب مساسه، ولكن عندما تتعدى على حريات وحقوق الآخرين هنا تتوقف هذه الحرية، ويوضع لها حدٌّ لكي لا ينهار المجتمع تحت وطأة ضربات المتطرفين؛ ولكي لا يتم تبادل القتل والقتل المضاد.

لذلك صنَّفت الدول بعض الحركات المتطرفة كتنظيمات إرهابية، صحيح تم استخدام ذلك سياسيًّا لمحاربة الخصوم بشكل سيئ، وتركت البعض الآخر، ولكن لا يعني بأن تلك التنظيمات التي لم تصنَّف بإرهابية بأنها ليست تنظيمات إرهابية بل هي إرهابية طالما لاتحمل فكرًا متعصبًا ضد الآخرين فقط وإنما تمارس العنف ضدهم، والحل هو كما قيل: “إذا أردت قتل البعوض عليك بتجفيف المستنقع لا قتله”.

فهل تُجفَّف مستنقعات إنتاج متخلفي البشرية المتطرفين الذين لم تجنِ منهم البشرية غير الدماء والدمار؟

هذا ما آمله…

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى