شباك نورمقالات وآراء

د. أيمن نور يكتب : وجوه لا تغيب… حزب محمد صبحي

تكوَّن فجأة ما يشبه الحزب، بلا مقرّ، بلا تمويل، بلا تعليمات، بلا لجان او ذباب اليكتروني
حزب خرج من القلب لا من الغرف المغلقة، تحرّكه غريزة الوفاء لا حسابات المصالح.

ملايين المصريين انتفضوا كما لو أنّ يدًا امتدّت إلى أبٍ في البيت،
أو أستاذٍ في الفصل،
او قيمةٍ في الذاكرة.

الغضب الشعبي سبق غضب صاحب الشأن، وتحوّل الانزعاج الجمعي إلى صوت أعلى من أي ميكروفون.

امتلأت الصفحات بنداء واحد غير مكتوب:
هذا الرجل منّا.
لم يكن الدفاع عن فنان
بل عن معنى.

احتشدت الكلمات لتقول إن من اختار أن يهب فنه لوطنه، دون صفقات أو وسطاء، او كفيل ،يستحق أن تحمله القلوب لا السجّادات الحمراء.
تكريمٌ خرج فهو من الناس إلى الناس،
بلا مهرجان وبلا لافتة،او ازرع او رعايه
فكان أصدق من كل منصّاتهم.

سيذكر الزمن أن أشرس محاولة لاغتيال فنان مصري لم تأتِ من عدوٍ معلن، ولا من قوةٍ خارجية طالما فضحها على المسرح، ولا من جماعات تخاصمه وتحترمه،
بل خرجت—على مرأى—من منصّات تتزيّن باسم “مصر”، وتخاصم روحها وتهين رموزها .

الغريب أن الوعي الشعبي كان أسرع من قنواتهم وصحفهم والخدم في بلاطهم ، وأن البوصلة العامة لم تنخدع.

مظاهرة حب غير مسبوقة تشكّلت، كسرت سهامًا صدئة، وفضحت دوافع مريبة تريد إطفاء آخر الشموع التي ترفض الظلام.

زمن الرداءة لا يحتمل القامات. مشروعه بسيط ووحشي:
إزاحة الشرفاء، تسويق العبث، تحويل السخرية إلى بديل للفن، معاقبة من يربط الإبداع بالقيم، والسخرية من الاستمرار في عالمٍ يطلب الاستسلام. هكذا تُدار الحملات حين تضيق الأرض بأصحاب المعنى.

في مواجهة هذا المشهد، بدا السؤال أوضح: لماذا هذا الهجوم الآن؟
لأن وجود القامة يفضح خواء المرحلة، ولأن الصوت الذي لا يُشترى يُربك السوق، ولأن الفن حين يصرّ على الأخلاق يُفسد الصفقات.

الجريمة في عرفهم أن الأمل لم يمت.
أن صاحب المسرح لا يزال يحاول، ويعزف منفردًا، ويرفض أن يشبه زمنه.
أن الحب للوطن لم يتحوّل إلى شعار، بل ظل ممارسة يومية، حتى حين يُغتال معنى الكرامة علنًا.

هنا تحديدًا وُلد “حزب محمد صبحي”:
حزب بلا برنامج مكتوب، برنامجه الذاكرة.
بلا قيادة، قائده الضمير.
بلا دعاية، دعايته السيرة.
حزب يؤمن أن الفن ليس ترفًا، وأن المسرح ليس رفاهية، وأن الكلمة حين تصدق تُربك أكثر مما تُسلي.

هذا الحزب لا يرفع صورًا، بل يرفع قيمة.
لا يطلب مكسبًا، بل يحمي معنى.
لا يخاصم أحدًا، لكنه يفضح الرداءة أينما اختبأت.
حزب يعرف أن الدفاع عن الفنان دفاع عن المجتمع، وأن حماية القامة حماية للذوق العام.

سيبقى الاسم حاضرًا لأن الغياب لا يطال من سكن الوجدان.
سيبقى لأن الناس قرّرت أن تتكفّل بالحراسة.
سيبقى لأن الفن حين يكون ابنًا للناس، يصير الناس أباه.

هكذا تُكتب الحكاية:
حين تحرّكت مشاعر المصريين، تحرّك التاريخ خطوةً إلى الأمام،
ووقف إلى جوار محمد صبحي—لا بصفته فنانًا فقط—بل باعتباره علامةً على أن هذا البلد، مهما قُدِّمت له الرداءة، لا يزال يعرف قيمة الجمال.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى