ترجماتمقالات وآراء

طارق ميغيريسي يكتب : المشهد الأمني في شمال أفريقيا وتأثيره على البحر المتوسط

عند قراءة ما بين سطور التصريحات الأوروبية، والزيارات، والعلاقات مع شمال أفريقيا، يتكوّن انطباع مفاده أن جنوب البحر المتوسط يُنظر إليه أوروبيًا باعتباره الجار المزعج، ومصدر كل الديناميات المزعزعة للاستقرار في المتوسط، وبديلًا مخيبًا للآمال عمّا كان يمكن أن يكون منطقة أكثر اندماجًا وازدهارًا.
كأنها الغابة التي تهدد بغزو الحديقة الأوروبية

وما يغذي هذا التصور هو:

  • الأزمة شبه الدائمة للهجرة غير النظامية من السواحل الشمالية لأفريقيا نحو أوروبا،
  • التهديدات الأمنية النشطة المتقطعة، مثل الإرهاب الجهادي أو الجريمة المنظمة العابرة للحدود،
  • والتدخل العدائي الظاهر لقوى منافسة في ما يعتبره الأوروبيون مجالهم الخلفي.

لكن ما يغيب في كثير من الأحيان عن منظور المسؤولين والمحللين الذين يشكّلون المؤسسة السياسية الأوروبية هو الأسباب البيئية والسياسية العميقة التي تُنتج هذه الديناميات العدائية، إضافة إلى طبيعة العلاقة الثنائية الاتجاه بين أوروبا وشمال أفريقيا؛ حيث تُسهم السياسات الخارجية الأوروبية نفسها في الإبقاء على هذا المناخ السام، بينما تدفع الديناميات العدائية في شمال أفريقيا النخب الأوروبية إلى مزيد من التفاعل الانفعالي والاختزالي بدورها.

تسعى هذه الورقة إلى استكشاف تطور المشهد الأمني في شمال أفريقيا، وتحليل البيئة الأوسع التي تساعد على هذا الانحدار المزعزع للاستقرار، مع بحث التغييرات السياسية التي يمكن أن تحيّد هذه التهديدات الأمنية وتحول العلاقة عبر المتوسط من اعتماد متبادل مدمّر إلى منفعة متبادلة.

نظرة عامة

غالبًا ما يصوّر الخطاب السياسي الأوروبي شمال أفريقيا كمصدر لعدم الاستقرار، متجاهلًا الديناميات التبادلية التي تُسهم من خلالها السياسات الأوروبية نفسها في إنتاج انعدام الأمن في جنوب المتوسط.

فالهجرة غير النظامية، والجريمة العابرة للحدود، والشبكات الجهادية، والصراعات الإقليمية، ليست ظواهر منفصلة، بل عناصر مترابطة ضمن بيئة أوسع من عدم الاستقرار تشكلت بفعل:

  • فاعلين من غير الدول،
  • هشاشة الحوكمة،
  • والتدخلات الخارجية.

وقد أدّى أمننة الهجرة إلى تشويه الاستجابات السياسية، وتقوية شبكات التهريب، ومنح الشرعية لفاعلين مسلحين يستغلون السيطرة على حركة البشر لتحقيق الربح والنفوذ.

في الوقت ذاته، عمّقت الصراعات بالوكالة، وترسيخ السلطوية، والتدهور الاجتماعي–الاقتصادي، من مشاعر السخط الشعبي، ما غذّى مزيدًا من عدم الاستقرار وضغوط الهجرة.

كما قامت قوى خارجية – لا سيما روسيا والإمارات وتركيا – باستغلال هذه الهشاشة لخدمة أجنداتها الجيوسياسية، بما أدى إلى تقويض سيادة الدول واستقلالية الإقليم.

والنتيجة هي حالة انعدام أمن تمتد عبر شمال أفريقيا ومنطقة الساحل وأوروبا، لتحوّل المنطقة إلى تهديد مشترك وفرصة ضائعة في آن واحد.

وتخلص الورقة إلى أن التحول نحو مقاربة قائمة على التنمية، والتعاون، والعمل متعدد الأطراف بات ضرورة لتحويل هذا الترابط المدمر إلى منفعة متبادلة.

معلومات عن المؤلف والورقة

طارق ميغيريسي هو زميل أول في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية (ECFR).

وقد أُعدّت هذه الورقة في إطار مشروع
«مجموعة الاستراتيجية حول (اللا)نظام الجديد في البحر المتوسط»،
وهو مشروع مشترك بين المعهد الإيطالي للشؤون الدولية (IAI) وكلية الدراسات الدولية المتقدمة (SAIS)، تحت إشراف البروفيسورة ناتالي توتشي والبروفيسور دان هاميلتون.

بيئة أمنية متدهورة ومتداخلة

يشهد المشهد الأمني في شمال أفريقيا تدهورًا متسارعًا لا يمكن فهمه من خلال عامل واحد أو تهديد منفصل، بل بوصفه نتاجًا لتفاعل مركّب بين أزمات سياسية واقتصادية وأمنية وبيئية، تتغذى على بعضها البعض وتنتشر آثارها عبر الحدود.

فالدول التي كانت تُعدّ في السابق ركائز للاستقرار النسبي في جنوب المتوسط باتت تعاني اليوم من:

  • هشاشة مؤسسات الحكم،
  • تآكل العقد الاجتماعي،
  • وتراجع قدرة الدولة على احتكار العنف المشروع.

وقد أفسح هذا الواقع المجال أمام فاعلين من غير الدول، من جماعات مسلحة، وشبكات تهريب، وتنظيمات إجرامية، لملء الفراغ الناتج عن ضعف الدولة، مستفيدة من الاقتصاديات غير النظامية ومن تدفقات البشر والسلاح والموارد.

الهجرة: من ظاهرة اجتماعية إلى أداة سياسية

تحوّلت الهجرة غير النظامية من شمال أفريقيا إلى أوروبا من قضية اجتماعية–اقتصادية إلى ملف أمني مسيّس، جرى توظيفه داخليًا في الخطاب الأوروبي، وخارجيًا في إدارة العلاقات مع دول العبور والمصدر.

وقد أدّت سياسات أمننة الهجرة إلى نتائج عكسية، أبرزها:

  • تعزيز قوة شبكات التهريب بدل تفكيكها،
  • تحويل المهاجرين إلى سلعة تفاوضية في العلاقات بين الدول،
  • وتكريس أنماط من العنف والاستغلال بحق الفئات الأكثر هشاشة.

وفي بعض السياقات، باتت السيطرة على طرق الهجرة مصدرًا أساسيًا للنفوذ السياسي والعسكري، سواء بالنسبة لميليشيات محلية أو فاعلين رسميين، ما عمّق منطق الابتزاز المتبادل بين ضفتي المتوسط.

الجريمة المنظمة العابرة للحدود

تُعدّ الجريمة المنظمة أحد أبرز العوامل التي تُغذّي عدم الاستقرار في شمال أفريقيا، حيث تتداخل:

  • شبكات تهريب البشر،
  • تهريب المخدرات،
  • تهريب الوقود والأسلحة،

ضمن منظومات اقتصادية غير مشروعة، غالبًا ما تحظى بحماية سياسية أو أمنية ضمنية.

وقد استفادت هذه الشبكات من:

  • ضعف الرقابة الحدودية،
  • النزاعات المسلحة،
  • والانقسامات الداخلية،

لتوسيع نشاطها، ما جعل من الأمن الأوروبي وشمال أفريقيا مسألة مترابطة بشكل وثيق، لا يمكن التعامل معها بمنطق الفصل الجغرافي.

التطرف العنيف والسياقات المحلية

رغم تراجع حضور التنظيمات الجهادية الكبرى مقارنة بذروة نشاطها السابقة، فإن بُنى التطرف العنيف لم تُفكك، بل أعادت التموضع داخل بيئات محلية هشّة.

وتشير الورقة إلى أن الجماعات المتطرفة:

  • تستفيد من المظالم الاجتماعية،
  • تستثمر في غياب العدالة والفرص الاقتصادية،
  • وتستغل العنف المفرط الذي تمارسه بعض الأنظمة باسم مكافحة الإرهاب.

وبدلًا من القضاء على جذور التطرف، أدّت هذه المقاربات الأمنية الصِرفة إلى إعادة إنتاج دوّامة العنف، وفتح المجال أمام مزيد من التجنيد والت radicalization.

التدخلات الخارجية وتدويل الأزمات

أصبحت أزمات شمال أفريقيا ساحات مفتوحة لتدخلات خارجية متنافسة، حيث لعبت قوى إقليمية ودولية أدوارًا متزايدة في إعادة تشكيل موازين القوة.

وتشير الورقة بشكل خاص إلى أدوار:

  • روسيا، عبر الانخراط الأمني غير النظامي،
  • الإمارات، من خلال دعم فاعلين سلطويين،
  • تركيا، عبر تدخلات عسكرية مباشرة وشراكات أمنية.

وقد أدّى هذا التدويل إلى:

  • إطالة أمد الصراعات،
  • تقويض مسارات التسوية السياسية،
  • وإضعاف سيادة الدول الوطنية.

اقتصادات الظل وترسيخ دوائر عدم الاستقرار

تؤكد الورقة أن أحد أخطر مظاهر التدهور الأمني في شمال أفريقيا يتمثل في ترسّخ اقتصادات الظل، التي لم تعد هامشية أو مؤقتة، بل أصبحت نظمًا موازية توفّر سبل العيش، وتعيد توزيع الموارد، وتنتج ولاءات سياسية وأمنية بديلة.

وقد نشأت هذه الاقتصادات نتيجة تداخل:

  • ضعف الدولة،
  • القيود الاقتصادية الصارمة،
  • وانسداد آفاق التنمية الرسمية،

ما دفع قطاعات واسعة من السكان إلى الاعتماد على أنشطة غير نظامية مثل:

  • التهريب عبر الحدود،
  • التجارة غير المشروعة،
  • العمل ضمن شبكات وساطة مرتبطة بفاعلين مسلحين.

وبدلًا من أن تكون هذه الظواهر عرضًا مؤقتًا للأزمات، أصبحت مكوّنًا بنيويًا في الاقتصاد السياسي للمنطقة، يصعب تفكيكه دون تغييرات جذرية في أنماط الحكم.

الدولة الضعيفة والحوكمة الانتقائية

تُبرز الورقة أن أزمة شمال أفريقيا ليست في غياب الدولة، بل في انتقائية حضورها.
فالدولة تتدخل بقوة في بعض المجالات – خاصة الأمنية والضبطية – بينما تنسحب أو تُقصّر في مجالات:

  • الخدمات العامة،
  • العدالة الاجتماعية،
  • خلق فرص العمل.

هذا النمط من الحوكمة:

  • يعمّق فقدان الثقة بين الدولة والمجتمع،
  • يدفع المواطنين إلى البحث عن بدائل للحماية والرزق،
  • ويمنح الفاعلين غير الرسميين شرعية عملية على حساب المؤسسات الرسمية.

كما أن الاعتماد المفرط على المقاربات الأمنية يؤدي إلى تآكل إضافي للشرعية، إذ يُنظر إلى الدولة باعتبارها أداة ضبط لا شريكًا في التنمية.

تأثير السياسات الأوروبية على جنوب المتوسط

تنتقد الورقة بشدة السياسات الأوروبية تجاه شمال أفريقيا، معتبرة أنها تُسهم بشكل مباشر في إعادة إنتاج عدم الاستقرار، حتى وإن رُوّج لها باعتبارها سياسات حماية للأمن الأوروبي.

وتشمل هذه السياسات:

  • دعم أنظمة سلطوية باسم الاستقرار،
  • تركيز التمويل على ضبط الحدود بدل التنمية،
  • تحويل التعاون الأمني إلى أداة ابتزاز متبادل.

وتشير الورقة إلى أن تفويض إدارة الحدود لدول جنوب المتوسط أو لفاعلين محليين، غالبًا ما يتم دون آليات مساءلة فعّالة، ما يؤدي إلى:

  • انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان،
  • تعميق اقتصاديات التهريب،
  • وزيادة قابلية المجتمعات للانفجار الاجتماعي.

البيئة والمناخ كعوامل مضاعِفة للأزمات

تُسلّط الورقة الضوء على أن التغير المناخي والتدهور البيئي لم يعودا قضايا مستقبلية، بل عوامل راهنة تُفاقم عدم الاستقرار.

وتشمل هذه التحديات:

  • ندرة المياه،
  • تدهور الأراضي الزراعية،
  • موجات الجفاف المتكررة،
  • الضغط على المدن نتيجة النزوح الداخلي.

وتؤدي هذه العوامل إلى:

  • تقويض الأمن الغذائي،
  • تصاعد النزاعات المحلية على الموارد،
  • وزيادة دوافع الهجرة، سواء داخل الدول أو عبر الحدود.

وترى الورقة أن تجاهل البعد البيئي في السياسات الأمنية والتنموية يُعد خطأً استراتيجيًا، نظرًا لتشابكه العميق مع باقي مصادر التهديد.

دوائر العنف المحلي وتآكل القدرة على الاحتواء

تشير الورقة إلى أن تدهور الأوضاع الأمنية في شمال أفريقيا لا يتجلّى فقط في التهديدات العابرة للحدود، بل أيضًا في تصاعد أنماط العنف المحلي داخل الدول نفسها، سواء في المناطق الهامشية أو في المراكز الحضرية الكبرى.

وقد أصبح العنف:

  • وسيلة للتفاوض السياسي،
  • وأداة لضبط الاقتصاديات غير الرسمية،
  • ووسيطًا لحسم النزاعات الاجتماعية في ظل غياب قنوات مؤسسية فعّالة.

وفي هذا السياق، تفقد الدولة قدرتها على احتواء النزاعات، لتتحول من فاعل منظم إلى طرف في الصراع أو مراقب عاجز عن التدخل.

تفتّت السيادة وتعدد مراكز القوة

توضح الورقة أن مفهوم السيادة في عدد من دول شمال أفريقيا بات مجزأً ومتنازعًا عليه، حيث تتقاسم السيطرة الفعلية على الأرض:

  • مؤسسات رسمية ضعيفة،
  • فاعلون مسلحون محليون،
  • شبكات اقتصادية غير مشروعة،
  • ورعاة خارجيون.

هذا التفتت لا يعني بالضرورة انهيار الدولة، لكنه ينتج دولة هشة هجينة، تمارس السلطة بشكل انتقائي، وتخضع لموازين قوى متغيرة.

ويؤدي هذا الوضع إلى:

  • صعوبة تطبيق أي اتفاقات سياسية،
  • هشاشة ترتيبات وقف إطلاق النار،
  • قابلية عالية للارتداد نحو العنف.

العلاقات الأوروبية – شمال الأفريقية: إدارة الأعراض بدل الأسباب

تنتقد الورقة المقاربة الأوروبية السائدة، معتبرة أنها تركّز على إدارة أعراض عدم الاستقرار بدل معالجة جذوره البنيوية.

فبدل الاستثمار في:

  • الإصلاح السياسي،
  • التنمية الاقتصادية المستدامة،
  • وبناء مؤسسات شاملة،

تركّز السياسات الأوروبية على:

  • احتواء الهجرة،
  • تقليل المخاطر الأمنية قصيرة الأمد،
  • وعقد صفقات ثنائية مع نخب حاكمة.

وتحذّر الورقة من أن هذا النهج:

  • يوفّر استقرارًا مؤقتًا،
  • لكنه يعمّق الاختلالات على المدى المتوسط والطويل،
  • ويزيد من اعتماد أوروبا على شركاء غير مستقرين.

دور الساحل الأفريقي في تعقيد المشهد

تؤكد الورقة أن منطقة الساحل الأفريقي أصبحت عنصرًا حاسمًا في فهم ديناميات شمال أفريقيا، نظرًا للترابط الأمني والاقتصادي الوثيق بين المنطقتين.

فعدم الاستقرار في دول الساحل:

  • يغذّي تدفقات السلاح والمقاتلين،
  • يعزّز شبكات التهريب،
  • ويدفع بموجات نزوح إضافية نحو شمال أفريقيا وأوروبا.

كما أن انسحاب أو تقليص الوجود الدولي في الساحل – سواء الأوروبي أو الأممي – زاد من فراغات السلطة، التي سرعان ما ملأتها جماعات مسلحة وقوى خارجية متنافسة.

حدود المقاربة العسكرية

تشدد الورقة على أن المقاربة العسكرية وحدها غير كافية لمعالجة تعقيدات المشهد الأمني في شمال أفريقيا.

ففي غياب:

  • إصلاحات سياسية ذات مصداقية،
  • شمول اجتماعي واقتصادي،
  • واستراتيجيات تنموية طويلة الأمد،

ستظل العمليات الأمنية:

  • ردود فعل مؤقتة،
  • غير قادرة على تفكيك البُنى المنتجة للعنف،
  • وقابلة لإعادة إنتاج الأزمة بصيغ جديدة.

فشل المقاربات الجزئية وتكلفة غياب الرؤية الشاملة

تؤكد الورقة أن التعامل مع أزمات شمال أفريقيا من خلال سياسات مجزأة ومؤقتة قد أثبت فشله مرارًا، سواء على مستوى الحد من الهجرة أو احتواء التهديدات الأمنية.

فالمقاربات التي تفصل بين:

  • الأمن والتنمية،
  • السياسة والاقتصاد،
  • الداخل والخارج،

تغفل الطبيعة المتشابكة للأزمات، وتؤدي إلى نتائج قصيرة الأمد لا تصمد أمام الضغوط البنيوية العميقة.

وتشير الورقة إلى أن غياب رؤية أوروبية شاملة تجاه جنوب المتوسط جعل السياسات تتأرجح بين:

  • ردود فعل ظرفية على أزمات طارئة،
  • ومحاولات احتواء سريعة تُنتج اعتمادًا متبادلًا هشًّا.

إعادة إنتاج السلطوية باسم الاستقرار

تحذّر الورقة من أن دعم أنماط الحكم السلطوية في شمال أفريقيا تحت ذريعة “الاستقرار” يؤدي عمليًا إلى تأجيل الانفجار لا منعه.

ففي غياب:

  • قنوات مشاركة سياسية حقيقية،
  • آليات مساءلة فعّالة،
  • وعدالة اجتماعية واقتصادية،

تتراكم المظالم، ويتحوّل الاستقرار الظاهري إلى هشاشة كامنة قابلة للانهيار عند أول صدمة اقتصادية أو سياسية.

وترى الورقة أن هذا النهج لا يهدد فقط أمن دول شمال أفريقيا، بل ينعكس مباشرة على الأمن الأوروبي عبر الهجرة، والجريمة، والتطرف.

نحو مقاربة بديلة: من الاحتواء إلى الشراكة

تدعو الورقة إلى الانتقال من سياسات الاحتواء قصيرة الأمد إلى شراكة حقيقية عبر المتوسط، تقوم على معالجة الأسباب الجذرية لعدم الاستقرار.

وتشمل هذه المقاربة:

  • دعم إصلاحات الحوكمة وبناء المؤسسات،
  • الاستثمار في التنمية الاقتصادية المحلية،
  • إدماج البعد البيئي والمناخي في السياسات الأمنية،
  • تعزيز التعاون الإقليمي ومتعدد الأطراف بدل الصفقات الثنائية الضيقة.

وتؤكد الورقة أن الأمن المستدام لا يمكن تحقيقه عبر نقل الحدود جنوبًا أو تفويض إدارتها، بل عبر بناء فضاء متوسطي أكثر توازنًا وعدالة.

إعادة تعريف المصلحة الأوروبية

تخلص الورقة إلى أن المصلحة الأوروبية الحقيقية لا تكمن في عزل نفسها عن جنوب المتوسط، بل في الاعتراف بالترابط البنيوي بين الضفتين.

فأوروبا وشمال أفريقيا:

  • يتشاركان تحديات ديموغرافية وبيئية،
  • يرتبطان اقتصاديًا بشكل عميق،
  • ويتأثر أمن كل منهما مباشرة بما يجري في الآخر.

ومن ثم، فإن استمرار السياسات الحالية يعني استدامة الأزمات، بينما يفتح التحول نحو شراكة متكافئة الباب أمام تقليل المخاطر وتعظيم الفرص المشتركة.

تحويل الترابط من عبء أمني إلى فرصة سياسية

تشدد الورقة في خاتمتها على أن العلاقة بين أوروبا وشمال أفريقيا لا يمكن الاستمرار في إدارتها باعتبارها علاقة احتواء أمني، لأن هذا المنطق أثبت عجزه عن إنتاج استقرار مستدام.

فالترابط القائم بين الضفتين – سواء عبر:

  • الهجرة،
  • الاقتصاد،
  • الأمن،
  • أو البيئة –

هو ترابط واقعي لا يمكن تفكيكه، لكن يمكن إعادة توجيهه من كونه مصدر تهديد إلى كونه إطارًا للتعاون والمنفعة المتبادلة.

وترى الورقة أن تجاهل هذا الترابط أو محاولة عزله عبر سياسات الردع والحدود لن يؤدي إلا إلى:

  • تعميق الأزمات،
  • زيادة كلفة التدخلات الأمنية،
  • وتوسيع الفجوة السياسية والاجتماعية بين الشمال والجنوب.

أهمية العمل متعدد الأطراف

تؤكد الورقة أن أي تحوّل حقيقي في المشهد الأمني لا يمكن أن يتحقق دون إحياء العمل متعدد الأطراف، سواء على المستوى الأوروبي أو المتوسطي أو الدولي.

فالتعامل الثنائي الضيق مع دول أو نخب بعينها:

  • يحدّ من القدرة على التأثير البنيوي،
  • ويُضعف أدوات الضغط الإيجابي،
  • ويكرّس أنماط الاعتماد غير المتوازن.

في المقابل، يوفر العمل متعدد الأطراف:

  • أطر مساءلة أوسع،
  • تقاسمًا أكثر عدالة للأعباء،
  • وقدرة أكبر على ربط الأمن بالتنمية والإصلاح المؤسسي.

دمج الأمن بالتنمية والبيئة

تشدد الورقة على ضرورة كسر الفصل التقليدي بين:

  • السياسات الأمنية،
  • السياسات التنموية،
  • والسياسات البيئية.

فالتغير المناخي، وندرة الموارد، والضغط الديموغرافي، ليست ملفات جانبية، بل محركات مركزية لعدم الاستقرار في شمال أفريقيا وجنوب المتوسط.

وترى الورقة أن أي مقاربة أمنية لا تُدرج هذه الأبعاد ضمن تصميمها ستظل قاصرة، مهما بلغت كلفتها أو شدتها.


من إدارة الأزمات إلى بناء الاستقرار

تدعو الورقة صناع القرار الأوروبيين إلى الانتقال من منطق إدارة الأزمات المتكررة إلى منطق بناء الاستقرار طويل الأمد.

ويعني ذلك:

  • القبول بإصلاحات سياسية تدريجية لكنها حقيقية،
  • الاستثمار في المجتمعات المحلية بدل الاقتصار على التعاون مع النخب،
  • إعادة تعريف مفهوم “الاستقرار” ليشمل العدالة والقدرة على الصمود، لا مجرد غياب العنف.

خلاصة

تخلص الورقة إلى أن المشهد الأمني المتدهور في شمال أفريقيا ليس قدرًا محتومًا، بل نتيجة خيارات سياسية قابلة للتغيير.

وأن استمرار المقاربات الحالية سيؤدي إلى:

  • مزيد من عدم الاستقرار،
  • ومزيد من الضغوط على أوروبا نفسها.

في حين أن التحول نحو شراكة متوازنة، شاملة، ومتعددة الأبعاد، يمكن أن:

  • يحدّ من التهديدات الأمنية،
  • ويحوّل جنوب المتوسط من مصدر قلق دائم إلى شريك فعلي في الاستقرار.

نبذة عن المعهد الإيطالي للشؤون الدولية (IAI)

المعهد الإيطالي للشؤون الدولية (IAI) هو مركز أبحاث مستقل غير ربحي، تأسس عام 1965 بمبادرة من ألتييرو سبينيلي.

يعمل المعهد على:

  • تحليل قضايا السياسة الدولية،
  • دعم التكامل الأوروبي،
  • وتعزيز التعاون متعدد الأطراف.

ويغطي في أبحاثه مجالات:

  • الأمن والدفاع،
  • العلاقات الدولية،
  • الاقتصاد السياسي،
  • الطاقة والمناخ،
  • وديناميات الشرق الأوسط والبحر المتوسط وأفريقيا.
المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى