مقالات وآراء

د.محمد عماد صابر يكتب: دلالة إعلان القادة الشهداء.. حين ينتصر المنهج قبل المعركة

لم يكن إعلان القادة الشهداء في هذا التوقيت فعلًا إعلاميًا ولا ردًّا عاطفيًا على جريمة الاغتيال، بل كان رسالة وعيٍ مقصودة، تقول إن المعركة تُدار بعقلٍ حاضر، وإن الدم لم يُسفك ليُربك الصف، بل ليؤكد أن الصف متماسك، وأن القيادة ليست فردًا يُستهدف فتتوقف المسيرة، وإنما منظومة تُبنى وتُورَّث وتُحمى.


في هذا الإعلان معنى عميق لمفهوم الطمأنينة في قلب الصراع. فالعدو يراهن دائمًا على كسر القيادة ليكسر الإرادة، فإذا به يُفاجأ بأن القيادة مُرتَّبة، وأن البدائل جاهزة، وأن الحركة لا تعرف الفراغ. هنا تظهر دلالة أن الفئة القليلة يمكن أن تنتصر على الفئة الكثيرة بإذن الله، لا بالعدد ولا بالعدة وحدها، بل بحسن الترتيب، ووحدة الهدف، وصفاء العقيدة، واليقين بأن الأمر كله لله.


هذا المشهد يعيد إلى الأذهان صورة الصف المسلم الأول، حين كان القائد يعرف من بعده، ويعرف من يحمل الراية إن سقطت، وحين لم تكن القيادة ارتجالًا ولا صدفة، بل إعدادًا وتزكية واختيارًا.

لم يكن غياب القائد يعني توقف الدعوة، ولم يكن استشهاده يعني انهيار المشروع، لأن المشروع كان أكبر من الأشخاص، ولأن التربية سبقت المعركة، والتنظيم سبق الصدام.


إن مقومات النصر هنا تتجلى بوضوح. الأخذ بالأسباب دون تعلق بها، وإعداد العدة دون غرور، وحسن التنظيم دون استعراض، والاعتماد على الله دون تواكل. هذه معادلة نادرة في واقع الحركات الإسلامية اليوم، حيث يختل التوازن أحيانًا بين العمل والتوكل، أو بين التنظيم والروح، أو بين القوة والأخلاق. أما هنا فنحن أمام نموذج يمارس الأسباب بأعلى درجات الدقة، وفي الوقت نفسه يُسلّم القلب لله تسليم العابد الواثق، لا السياسي القَلِق.

العجيب في هذا النموذج أنه يُدار تحت القصف، وأمام أعين العالم، وفي ظل اختراقات أمنية غير مسبوقة، ومع ذلك لم تنكشف مفاصله، ولم تتعطل حركته، ولم ينهَر نظامه. كأن هذا الثبات عبادة، وكأن هذا الصبر اصطفاء، وكأن هذه الدقة في العمل نوع من التعبد لله، حتى يختار هو سبحانه من يحمل الأمانة، ومن يقود المرحلة، ومن يُستخلف بعد الشهادة.

إن في هذا درسًا بليغًا لكل الحركات الإسلامية العاملة للإسلام. درسًا في أن الطريق إلى النهضة لا يُبنى بالشعارات، ولا بالارتجال، ولا بالثقة العمياء، بل بالتربية العميقة، والتنظيم الرشيد، والأخذ بأسباب القوة، وبناء الصف على أساس أن القائد قد يُستشهد، وأن الصف يجب أن يبقى، وأن المشروع لا يجوز أن يُربط بحياة أحد كائنًا من كان.

إن دماء الشهداء هنا لم تُضعف الصف، بل شدّت عوده، ولم تُربك القيادة، بل أثبتت رسوخها، ولم تُغلق الطريق، بل فتحت سؤال المسؤولية على الأمة كلها: هل نتعلم؟ هل نعي؟ هل نُعيد بناء حركاتنا على أساس السنن الربانية لا ردود الأفعال؟


نسأل الله أن يتقبّل الشهداء، وأن يخلفهم خيرًا، وأن يوفق المقاومة، وأن يثبتهم على دينهم، وأن يجعل هذه الدماء نورًا يهدي الأمة إلى طريقها، حتى تُقاد المسيرة يومًا إلى المسجد الأقصى، قيادة واعية، وصفًا متماسكًا، ونصرًا من عند الله، وما النصر إلا من عند الله.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى