
الوجود اليهودي قبل الإسلام
قبل ظهور الإسلام، كانت شبه الجزيرة العربية موطناً لمجتمعات يهودية مهمة، لا سيما في اليمن (مملكة حمير) وخيبر ويثرب (المدينة المنورة) ووادي القرى وتيماء.
شكل هؤلاء تجمعات قبلية وعشائرية تمتعت بحكم ذاتي نسبي، ومارست الزراعة والتجارة والصياغة.
وجاءت الحقبة النبوية والخلفاء الراشدين مع تحولات كبرى مع بزوغ الإسلام، تغيرت ديناميكية العلاقات.
عقد النبي محمد ﷺ “صحيفة المدينة” التي نظمت العلاقة بين المسلمين واليهود كأمة واحدة مع الاعتراف بخصوصيتهم الدينية.
بعد فتح خيبر سنة 7 هـ، أقر النبي نظاماً جديداً سمح لليهود بالبقاء والعمل في أراضيهم مقابل نصف إنتاجهم.
في عهد الخليفة عمر بن الخطاب، تم إجلاء اليهود من خيبر ونواحي الحجاز لأسباب أمنية وسياسية مرتبطة بجعل الحجاز منطقة ذات أغلبية مسلمة صرفة، مما أدى إلى هجرات جماعية نحو الشام والعراق.
وجاء العصر الأموي والعباسي بالاندماج في النسيج الحضاري، ففي ظل الدولة الأموية ثم العباسية، انتقل مركز الثقل اليهودي إلى العراق وخاصة بغداد، حيث ازدهرت حياة يهودية فكرية واقتصادية.
تأسست مدرسة التلمود البابلي في سورا وفومبديثا، وأصبحت المرجع الفكري ليهود العالم. برزت طبقة من التجار اليهود (الراذانية) الذين ربطوا بين العالم الإسلامي وأوروبا والصين.
كما ظهرت النحوية العبرية على يد سعيد الفيومي وداود بن أفرايم البغدادي، متأثرة بالمناهج العربية.
وجاء العصر الذهبي في الأندلس فقد شهدت الأندلس (إسبانيا الإسلامية) ازدهاراً غير مسبوق للحياة اليهودية تحت حكم المسلمين.
برز موشى بن ميمون (الرمبام) كفيلسوف وطبيب، ويهوذا هاليفي كشاعر، وابن جبيرول كشاعر وفيلسوف.
كان اليهود “أهل ذمة” يتمتعون بحماية القانون مقابل الجزية، وشغلوا مناصب في البلاط (كوزراء ومترجمين وأطباء).
طوروا لهجة “اليهودية-العربية” (مكتوبة بالعبرية) للكتابة العلمية والفلسفية.
العصور الوسطى وتفاوت في المعاملة فتختلف معاملة اليهود باختلاف العصور والمناطق ففترة المرابطين والموحدين (شمال أفريقيا والأندلس) شهدت تضييقاً على غير المسلمين .
والعصر المملوكي (مصر والشام)فرضت قيوداً اجتماعية لكن استمر النشاط الاقتصادي .
الدولة العثمانية اتبعت نظام “الملة” الذي منح الطوائف غير المسلمة حكماً ذاتياً واسعاً.
وتنقسم المجتمعات اليهودية الرئيسية في العالم الإسلامي
إلي اليهود المغاربة (المغرب) مجتمع قديم متنوع بين “المغارسة” (القدماء) و”الطوشافيم” (المهجرين من الأندلس).
واليهود البغداديون مركز فكري وتجاري رئيسي .
واليهود اليمنيون مجتمع منعزل حافظ على تقاليد قديمة
واليهود الفرس في إيران وأفغانستان، اليهود الكردستان في شمال العراق.
الحياة الاجتماعية والاقتصادية
لهم مثل مهن الصياغة والتجارة والطب والزراعة (في مناطق معينة) .
اللباس غالباً ما تميزوا بلباس خاص كما تنص “قوانين الغيار”.
عاشوا في أحياء خاصة (حارات) لكن ليس دائماً كجيتو مغلق.
القضاء كان لهم قضاة خاصون (دانا ) للقضايا الدينية والأحوال الشخصية .
وجاءت التحولات في العصر الحديث مع التدخل الاستعماري الأوروبي في القرن التاسع عشر، حصل يهود العالم الإسلامي على “حماية” القنصليات الأوروبية، مما خلق فجوة اجتماعية مع جيرانهم المسلمين.
أدى تأسيس إسرائيل ( الكيان الصهيوني ) 1948 إلى هجرة جماعية لمعظم يهود العالم الإسلامي (حوالي 850,000 شخص)، مما أنهى وجود مجتمعات عمرها قرون.
إرث من التعايش والتحديات
شكل اليهود جزءاً عضوياً من النسيج الاجتماعي في العالم الإسلامي لقرون، وساهموا في حضارته.
علاقتهم بالمجتمعات المسلمة تجاوزت الإطار القانوني للذمة لتشمل تبادلات ثقافية واقتصادية واجتماعية عميقة، رغم فترات التوتر والاضطهاد.
دراسة هذا التاريخ تذكرنا بتعقيد العلاقات بين الأديان وقدرة المجتمعات على التعايش رغم الاختلاف.







