مصر

مشروع قانون الإيجار القديم يفتح باب العدالة بين الملاك والمستأجرين

أعلن مجلس الوزراء المصري إحالة مشروع قانون جديد للإيجار القديم إلى البرلمان تمهيدًا لبدء مناقشات موسعة حوله في جلسات رسمية داخل أروقة مجلس النواب بهدف معالجة اختلالات العلاقة القانونية والاقتصادية بين طرفي عقد الإيجار القديم بشكل تدريجي ومتوازن يراعي الظروف الاقتصادية المتغيرة

أكدت الحكومة أن المشروع يهدف إلى تصحيح أوضاع امتدت لعقود طويلة دون تعديل قانوني حقيقي حيث تضررت شريحة واسعة من الملاك جراء ثبات القيمة الإيجارية لعقاراتهم في ظل ارتفاع تكلفة المعيشة وتضخم أسعار الخدمات الأساسية والعقارات في الأسواق الحرة بينما يعيش المستأجرون في ظروف معيشية متفاوتة قد لا تتيح لهم الانتقال الفوري لعقود إيجار جديدة بأسعار السوق الحالية

أوضحت الجهات المعنية أن مشروع القانون يتضمن فرض قيمة إيجارية ابتدائية جديدة تختلف حسب طبيعة العقار وموقعه على أن يتم تطبيق زيادات سنوية تراكمية بنسبة محددة خلال فترة انتقالية لا تقل عن خمس سنوات وتهدف تلك المرحلة التمهيدية إلى ضمان الاستقرار المجتمعي وتخفيف العبء عن المستأجرين تدريجيًا بالتزامن مع تحسين عائدات الملاك دون الإضرار بأي طرف

لفتت مصادر تشريعية مطلعة إلى أن اللجنة المختصة بمجلس النواب تستعد لعقد أولى جلسات الاستماع المجتمعي بشأن مشروع القانون بداية من يوم الإثنين الموافق الخامس من مايو على أن تستمر الجلسات حتى التاسع عشر من الشهر ذاته وتبدأ المناقشات بلقاء مع ممثلي المستأجرين تليها جلسة مخصصة للاستماع إلى وجهة نظر ملاك العقارات المتأثرة بالقانون الحالي

نوهت مصادر برلمانية بأن الجلسات تهدف إلى الوصول لصيغة توافقية ترضي الطرفين وتقدم حلاً وسطًا يدعم العدالة الاجتماعية ويعيد التوازن للعلاقات التعاقدية في ضوء المتغيرات الاقتصادية التي تشهدها الدولة حاليًا مشيرة إلى أن القانون لن يصدر إلا بعد الاستماع لكافة الأطراف ومراعاة ظروف الفئات المتضررة من كلا الجانبين

أشارت تقارير رسمية إلى أن القانون الحالي رقم 136 لسنة 1981 الذي يحكم العلاقة الإيجارية للعقارات المؤجرة لأغراض السكن وغير السكن مثل العيادات والمحال التجارية تم الطعن عليه قضائيًا من قبل متضررين

حيث أصدرت المحكمة الدستورية العليا حكمًا يقضي بعدم دستورية بعض مواده لما فيها من إخلال بمبدأ التوازن العقدي واستمرار العلاقة الإيجارية إلى أجل غير مسمى دون تعديل للقيمة

استعرضت الوثائق القانونية أن الحكم الصادر عن المحكمة الدستورية العليا فتح الباب أمام تدخل تشريعي ضروري لتعديل منظومة الإيجار القديم وفق قواعد حديثة تتناسب مع المبادئ الدستورية والعدالة الاقتصادية وبما يحفظ حق كل من المالك والمستأجر في استخدام ملكه أو سكنه دون أن يكون مقيدًا بقيود تاريخية غير مناسبة للواقع الحالي

أعلنت الحكومة أن عدد الوحدات السكنية التي تخضع لنظام الإيجار القديم يتجاوز 3 ملايين وحدة موزعة على محافظات الجمهورية منها حوالي 1.2 مليون وحدة غير سكنية تشمل محال وعيادات ومكاتب وأن تعديل القانون الحالي سيؤثر بشكل مباشر على حياة ما يزيد عن 10 ملايين مواطن سواء من الملاك أو المستأجرين

أوضحت التقديرات أن الملاك يمثلون ما يقارب 3 ملايين مواطن ممن يمتلكون عقارات مؤجرة بعقود قديمة تعود في بعض الحالات إلى أكثر من خمسين عامًا حيث يحصل بعضهم على قيمة إيجارية تقل عن 10 جنيهات شهريًا بينما تبلغ القيمة السوقية الفعلية لهذه العقارات عشرات الآلاف من الجنيهات شهريًا مما يمثل فجوة قانونية واقتصادية ضخمة

بينت البيانات أن المستأجرين بدورهم يواجهون تحديات مالية متعددة تتعلق بضعف الدخل وارتفاع تكاليف المعيشة وتفاوت الدخول بين فئات المجتمع حيث تشير التقديرات إلى أن حوالي 60% من المستأجرين من أصحاب الدخول المتوسطة والمنخفضة وبالتالي فإن تعديل القانون يتطلب مراعاة البعد الاجتماعي لتلك الفئة مع تجنب إحداث صدمة معيشية تؤثر على استقرارهم

أردفت جهات حكومية أن مشروع القانون لن يطبق بأثر رجعي على العقود السابقة ولن يتم طرد أي مستأجر بالقوة أو دون فترة سماح كافية بل سيتم منح المستأجرين فترة انتقالية تتراوح بين 5 إلى 7 سنوات يتم خلالها رفع القيمة الإيجارية بشكل تدريجي مدروس مع إمكانية تقديم دعم حكومي أو قروض ميسرة لبعض الفئات المتضررة من التعديل لضمان استمرارهم في السكن أو النشاط التجاري

زعم بعض التقارير الاقتصادية أن القانون الجديد قد يسهم في إنعاش سوق العقارات ويدفع الملاك إلى ترميم وتجديد وحداتهم المهجورة نتيجة ضعف العائد حيث تشير الإحصاءات إلى أن حوالي 30% من العقارات الخاضعة للإيجار القديم تعاني من الإهمال بسبب عدم قدرة الملاك على تغطية مصاريف الصيانة والإصلاح وهو ما يتسبب في تدهور البنية التحتية للمناطق القديمة

أفاد محللون بأن تعديل القانون من شأنه أن يعزز العائدات الضريبية للدولة من خلال إدخال تلك العقارات في المنظومة الضريبية الحقيقية بعدما كانت تحظى بقيم إيجارية رمزية لا تتيح فرض ضرائب عادلة كما سيدعم قطاع التمويل العقاري ويشجع البنوك على تمويل مشاريع تجديد وتطوير المباني القديمة

أجاب خبراء في القانون المدني بأن مشروع القانون الجديد يوازن بين الحقوق التعاقدية والعدالة الاجتماعية ويستند إلى تجارب دولية مشابهة في التعامل مع ملفات الإيجار طويل الأجل وأن تطبيقه التدريجي يضمن الحفاظ على السلم المجتمعي ويمنح كل الأطراف الوقت اللازم للتكيف مع الواقع القانوني الجديد

أضاف مختصون في التخطيط العمراني أن تعديل منظومة الإيجار القديمة سيسهم في إحياء مراكز المدن التاريخية التي هجرت نتيجة انعدام الجدوى الاقتصادية للعقارات الواقعة فيها وأن فتح المجال أمام تعديل العلاقة التعاقدية سيعيد إليها الحياة والنشاط ويحفز الاستثمار العقاري في هذه المناطق الحيوية

استدرك محللون اقتصاديون بأن الخطوة المقبلة يجب أن تتضمن آليات رقابة حقيقية على تنفيذ القانون ومنع استغلال الملاك أو المستأجرين للوضع القانوني الجديد وضرورة وجود لجان فض نزاعات مستقلة تضمن حماية حقوق الطرف الأضعف في العلاقة وتقدم حلولًا عاجلة لأي خلاف قد ينشأ عن التطبيق

تابعت لجنة الإسكان بالبرلمان أعمالها التحضيرية لجلسات الحوار المجتمعي بالتعاون مع جمعيات أهلية ومراكز قانونية وخبراء اقتصاديين بهدف عرض كافة الجوانب الفنية والاجتماعية للقانون وضمان أن يعبر المشروع النهائي عن توازن حقيقي يحفظ الحقوق ويمنع الاحتكار أو التشريد أو أي آثار جانبية سلبية

استرسلت مراكز بحثية متخصصة في تحليل بنود مشروع القانون مؤكدة أن الاستناد إلى دراسات ميدانية وتحقيق مبدأ التدرج في التطبيق هو الخيار الأمثل لضمان عدالة انتقالية في منظومة الإيجار القديمة وتفادي أية اضطرابات قانونية أو اجتماعية قد تعيق تطبيق المشروع في المدى القريب أو المتوسط

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى