ثقافة وتاريخ

عبداللطيف يوسف: ابن أسيوط .. قائد تربوي وفني ومحبوب من كل من عرفوه

في زمنٍ أصبحت فيه القدوة الحقيقية عملةً نادرة، يبقى اسم عبداللطيف يوسف علامة مضيئة في سجل الشرف التربوي والوطني في محافظة أسيوط.

رجل وُلد في بيت من بيوت العراقة والانتماء، ونشأ على القيم، فغرسها في نفوس أجيال متعاقبة من الطلاب والمعلمين، حتى أصبح رمزًا للفكر المستنير والإدارة الحكيمة والتفاني النبيل.

من بداياته البسيطة كمدرس تربية فنية إلى صعوده ليكون رئيسًا لعدة قطاعات تعليمية كبرى، ترك عبداللطيف يوسف إرثًا لا يُمحى، واسمًا محفورًا في ذاكرة كل من عرفه أو عمل معه .. موقع “أخبار الغد” يحاول أن يُنصف سيرة رجل عاش من أجل رسالته، ومضى تاركًا أثرًا لا يزول.

نشأته في قلب أسيوط: من عائلة جادالله العريقة

وُلد عبداللطيف يوسف في يوم 1 يناير عام 1935، بمدينة أسيوط، لأحد أكبر العائلات في الصعيد، وهي عائلة جادالله، التي اشتهرت بنفوذها واحترامها في المجتمع المصري.

نشأ في بيئة غنية بالقيم الإنسانية والتربوية، وكان لتقاليد العائلة في الإسهام في خدمة المجتمع دور كبير في تشكيل شخصيته.

منذ سن مبكرة، أظهر عبداللطيف يوسف شغفًا بالتعليم والفن، ما جعله يواصل مسيرته الدراسية، والتي كانت تشكل نقطة انطلاقه في مجال التربية والتعليم.

كان دائمًا يُنظر إليه كقائدٍ وقامةٍ محترمة في محيطه الاجتماعي، بفضل عائلته وأخلاقياته العالية .. تلك القيم النبيلة التي ورثها كانت ركيزة أساسية في شخصيته، وجعلته محل احترام من الجميع، سواء في محيطه العائلي أو المهني.

بداية مشوار طويل في التربية الفنية والتعليم

انطلق عبداللطيف يوسف في مسيرته المهنية بعد تخرجه، حيث بدأ حياته التعليمية في مدرسة سكره الابتدائية بمحافظة أسيوط.

كان أستاذًا للتربية الفنية، وعُرف بشغفه الكبير تجاه عمله، حيث لم يكن يرى في مهمته مجرد تعليم، بل كان يهتم بتطوير ذائقة طلابه الفنية وإبداعهم في مجال الرسم والنحت. لم يكن مجرد مدرس يتبع المناهج الدراسية، بل كان بمثابة مرشد روحاني فني لطلاب أسيوط.

ثم انتقل إلي عدة مدارس أخرى بأسيوط، من بينها مدرسة البورة الابتدائية ومدرسة عزبة سليم بقرية بني حسين، حيث واصل تقديم أروع الأمثلة في التفاني والإبداع في تعليم الأجيال الجديدة.

كانت كل مدرسة يعمل بها بمثابة مشروع حيوي له، يسعى دائمًا إلى جعلها بيئة تعليمية حافلة بالتحفيز والتفوق.

مسيرته الإدارية: من ناظر إلى رئيس قطاعات تعليمية

بفضل كفاءته القيادية ونجاحه في مجال التعليم، تم تكليف عبداللطيف يوسف بتولي عدة مناصب إدارية، حيث شغل منصب ناظر “مدير” لمدرسة البورة الابتدائية ومدرسة عزبة سليم الابتدائية ومدرسة علوان الابتدائية.

ورغم أن تلك المناصب كانت تتطلب مسؤوليات كبيرة، إلا أن عبداللطيف كان دائمًا على قدر هذه المسؤوليات، يدير كل مدرسة بحب واهتمام، ويعمل جاهدًا على توفير بيئة تعليمية مثالية.

وفي مرحلة لاحقة من مسيرته، انتقل إلى العمل كموجة للتربية الفنية في العديد من الإدارات التعليمية، حيث شغل منصب موجة التربية الفنية في إدارات دشنا التعليمية بمحافظة قنا وأبوتيج التعليمية بمحافظة أسيوط وأسيوط التعليمية.

من خلال هذه المناصب، ساهم في تطوير المناهج الدراسية للمواد الفنية وقدم العديد من البرامج التدريبية للمعلمين، مما كان له تأثير مباشر في رفع مستوى التعليم الفني في هذه المناطق.

تدرج عبداللطيف يوسف في المناصب الإدارية ليشغل منصب رئيس قطاع الأقباط التعليمي، ثم رئيس قطاع صلاح سالم التعليمي، وأخيرًا رئيس قطاع أسيوط بحري التعليمي، حيث ترأس العديد من الإدارات وقاد العملية التعليمية بمدينة أسيوط حتي بلوغ سن المعاش.

وكان دائمًا يهتم بتطوير العملية التعليمية على مختلف الأصعدة، سواء كانت أكاديمية أو فنية، مما جعل إداراته التعليمية تحتل مكانة متميزة على مستوى المحافظة.

أستاذ محبوب من الجميع: قدوة إنسانية وتربوية

كان عبداللطيف يوسف شخصية محبوبة من الجميع، ليس فقط بفضل كفاءته المهنية ولكن أيضًا بسبب أخلاقه العالية.

كان يتمتع بقدرة فريدة على التأثير في الآخرين، سواء كان مع طلابه أو زملائه .. كان دائمًا يسعى إلى تقديم النصائح القيمة، ليس فقط فيما يتعلق بالمجال التعليمي والفني، بل في جوانب الحياة اليومية، مما جعله يتمتع باحترام وتقدير كبيرين من الجميع.

كان دائمًا يُنظر إليه كأب حقيقي ومرشد لجميع من عملوا معه .. كان يتعامل مع الجميع برحابة صدر، وكان مستعدًا لتقديم يد العون والمساعدة لكل من يحتاجها.

استطاع أن يبني علاقات قوية مع الطلاب، حيث كانوا يشعرون دائمًا أن لديهم مرشدًا حقيقيًا يهتم بتطويرهم وتوجيههم في الحياة.

التكريم الذي يليق بمكانته: شارع باسمه في أسيوط

في عام 1984، تم تكريم عبداللطيف يوسف بطريقة مميزة، حيث أُطلق اسمه على أحد أكبر وأجمل شوارع أسيوط، وهو شارع يقع في حي مشهور بمنطقة فريال مدينة أسيوط.

وكان هذا التكريم بمثابة تقدير للمسيرة التعليمية الطويلة التي قدمها، وللإرث الذي تركه في المجال التربوي والفني.

لم يكن هذا الشارع مجرد تكريم رسمي، بل كان بمثابة شهادة حية على حب الناس لهذا الرجل العظيم الذي كرس حياته لخدمة التعليم.

التحديات الصحية والرحيل المفاجئ

على الرغم من التحديات الكثيرة التي مر بها طوال مسيرته، والتي كانت تتطلب منه جهدًا وعناءًا كبيرًا، إلا أن عبداللطيف يوسف ظل صامدًا.

في الأيام الأخيرة من حياته، تعرض لوعكة صحية استدعت دخوله العناية المركزة لمدة 35 يومًا، حيث ظل يُصارع المرض، ولكنه توفي بعد معركة طويلة مع المرض.

حيث فقدت محافظة أسيوط في فجر يوم الاثنين 23 يناير عام 2023، أحد أبرز أبنائها، فكان عبداللطيف يوسف من الشخصيات التي تركت بصمة واضحة في المجال التربوي والفني، وشهدت مسيرته الحافلة تأثيرًا عميقًا في كل من تعامل معه، سواء على مستوى الطلاب أو الزملاء أو المجتمع ككل.

ولدت شخصيته المتفردة، وتفانيه في العمل، محبة وإعجابًا من جميع من عرفوه، حتى أُطلق اسمُه على أحد أكبر الشوارع في أسيوط، تكريمًا لدوره العظيم.

إرث خالد في مجال التعليم والفن

رحل عبداللطيف يوسف، لكن ذكراه ستظل خالدة في المجتمع التعليمي في أسيوط وفي قلوب كل من تعلموا على يديه.

لقد ترك بصمة واضحة في مجال التربية الفنية والتعليم بشكل عام، وكان بمثابة قائد ومُصلح في مجاله .. سيرته ستظل مصدر إلهام للأجيال القادمة، كما أن تكريمه سيظل محل تقدير على مر الزمن.

كان عبداللطيف يوسف مثالًا للقدوة والتفاني في العمل، وهو أحد تلك الشخصيات التي لا تُنسى بسهولة .. إنه الزعيم الوطني في مجال التعليم والفن الذي قدم لوطنه وأمته أفضل ما لديه، وساهم في صناعة مستقبل مشرق للعديد من الأجيال.

إرث لا يزول .. وسيرة خالدة في ذاكرة الوطن

لم يكن عبداللطيف يوسف مجرد اسم في سجلات التعليم، بل كان مدرسةً في الأخلاق، ومؤسسةً في الإدارة، ومصدرَ إلهامٍ في حب الوطن وخدمة الناس.

رحيله في 23 يناير 2023 مثّل خسارة فادحة للمجتمع التربوي والأسيوطي، لكنه ترك خلفه إرثًا غنيًا من الإنجازات والذكريات الطيبة.

سيظل اسمه حيًا في القلوب، محفورًا على جدران المدارس، ومخلدًا في شارع يحمل اسمه منذ عام 1984، رمزًا للوفاء والاحترام.

لم يمت عبداللطيف يوسف، لأن الكبار لا يموتون، بل تبقى أعمالهم شاهدة، وسيرتهم مشاعل تهدي من يأتي بعدهم. رحمه الله وطيب ثراه.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى