د.سامح مسلم يكتب : ملف موثق يثبت مصرية جزيرتي تيران وصنافير

تثار قضية جزيرتي تيران وصنافير حول السيادة عليهما؛ فبينما أعلنت الحكومة المصرية عام 2016 توقيع اتفاقية لترسيم الحدود البحرية مع السعودية تقضي بنقل الجزيرتين إلى السيادة السعودية، تؤكد الوثائق التاريخية والخرائط الدولية أنهما أراضٍ مصرية منذ قرون، أي قبل إنشاء المملكة السعودية عام 1932 .
في هذا الملف التحليلي، نستعرض بلغة مبسطة أهم الأدلة التاريخية والجغرافية والقانونية التي تثبت تبعية تيران وصنافير لمصر. سنعرض مجموعة خرائط وأطالس قديمة موثّقة من مكتبات عالمية، ونقارن بين الخرائط التاريخية (مثل خريطة 1882 Carte de l’Égypte)، والخرائط البريطانية زمن الانتداب، والخرائط البحرية قبل ترسيم 1990 وبعده.
كما سنوضح التناقض القانوني لاتفاقية 2016 مع هذه الوثائق، ونعرض كيف مهدت الحكومة المصرية الأرضية سياسيًا وقانونيًا لنقل السيادة تحت غطاء “ترسيم حدود” دون استفتاء شعبي ودون اعتبار لأحكام القضاء المصري.
أخيرًا، نشرح دور النقطة 32 وخط غرينتش على خرائط Google Earth في نزاع تيران، ونقارن بين الخريطة المصرية الرسمية قبل 2016 وبعد تعديلها.
هدفنا تقديم وثيقة شاملة يستطيع المواطن العادي فهمها، وفي الوقت ذاته موثوقة بالاستناد إلى خرائط ووثائق دولية تؤكد استحالة التفريط في أرض مصرية تاريخية.
الخرائط التاريخية التي تؤكد مصرية تيران وصنافير
الأدلة الأقوى على تبعية الجزيرتين لمصر تأتي من الخرائط والأطالس القديمة التي رسمتها جهات رسمية دولية. هذه الخرائط – المحفوظة في مكتبات عالمية كمكتبة الكونغرس الأمريكي ومكتبة الجيش البريطاني والأرشيف الفرنسي – تبين بوضوح الحدود المصرية الشرقية على البحر الأحمر، وتُظهر جزيرتي تيران وصنافير ضمن الأراضي المصرية. فيما يلي تحليل لأبرز تلك
الخرائط:
• خريطة Carte de l’Égypte لعام 1882 (مصلحة الحرب الفرنسية): هذه خريطة فرنسية رسمية بمقياس 1:1,000,000 تقريبًا، نُشرت في يوليو 1882 بواسطة Depot de la Guerre (مصلحة الحرب الفرنسية).
تظهر الخريطة حدود مصر في عهد الخديوية على البحر الأحمر . من اللافت أن الخريطة تضم شبه جزيرة سيناء كاملة ضمن مصر، وتُظهر امتداد السيادة المصرية عبر خليج العقبة. تتضمن الخريطة جزيرتي تيران وصنافير بالقرب من مدخل الخليج على أنهما تابعتان لمصر، إذ لا يفصل أي خط حدودي بينهما وبين ساحل سيناء. الخريطة محفوظة في أرشيف مكتبة فرنسا الوطنية وجدت نسخة منها ضمن مكتبة الجيش الأمريكي وعليها ختم Army Map Service مما يعزز موثوقيتها . يُلاحظ أن هذه الخريطة سبقت تأسيس السعودية بعقود طويلة، ما يعني أن الوجود المصري هناك كان أمرًا معترفًا به دوليًا.
- خرائط القرن الـ19 وأوائل الـ20 (قبل تأسيس السعودية):
إلى جانب خريطة 1882، توجد خرائط أوروبية أخرى تؤكد الأمر نفسه. على سبيل المثال، رسم الجغرافي كارل رادفيلد (Carl Radefeld) خريطة لمصر ضمن أطلس ألماني عام 1844، وقد نُشر لاحقًا في 1860 . في هذه الخريطة يظهر اسم جزيرة تيران واضحًا تحت السيادة المصرية .
الباحث المصري تَقادم الخطيب نشر صورة لهذه الخريطة موضحًا أنها تبيّن تيران ضمن حدود مصر في القرن الـ18 . كذلك، خريطة قام بها الفرنسيون إبّان حملة نابليون (1798) تُظهر البحر الأحمر كأنه بحر داخلي مصري، مما يعني استمرار تبعية جميع جزر مدخل الخليج (ومنها تيران وصنافير) لمصر طوال قرون . هذه الخرائط القديمة المأخوذة من أطالس تاريخية أوروبية تؤكد أن وضع الجزيرتين كجزء من الأراضي المصرية هو الأمر الثابت تاريخيًا.
• اتفاقية 1906 والخرائط البريطانية بعدها: في عام 1906 تم توقيع اتفاقية ترسيم الحدود بين الدولة العثمانية (ولايتها الحجاز) والخديوية المصرية تحت الاحتلال البريطاني. نصّت تلك الاتفاقية على رسم خط حدودي من رفح على المتوسط إلى طابا على خليج العقبة .
ورغم أن الاتفاقية تعلقت بالحدود البرية أساسًا، إلا أنها أقرّت ضمنيًا سيادة مصر على ما يقع غرب هذا الخط حتى داخل مياه خليج العقبة بما في ذلك الجزر عند مدخل المضيق . وقد ورد في دراسات حدودية أن جزيرتي تيران وصنافير دخلتا ضمن سيطرة مصر بموجب اتفاق 1906 الذي مدّد نفوذ مصر إلى ما بعد طابا .
ولم تكن المملكة العربية السعودية قد تأسست بعد (تأسست 1932)، ما يعني أن الجزيرتين كانتا تحت السيطرة المصرية رسمياً قبل ظهور أي دولة منافسة .
• بعد 1906، أصدر المساحة المصرية خرائط رسمية تبيّن هذا الواقع. نُشرت مثلاً خريطة مصرية عام 1913 بواسطة مصلحة المساحة (المساحة المصرية) توضح علامات الحدود المصرية وفق اتفاقية 1906، ويظهر عليها أن حدود الحجاز تبدأ من العقبة مما يعني أن ما يقع إلى الغرب (مثل تيران وصنافير) تابع لمصر .
هذه الخريطة الموثقة والموقّعة من المندوبين كانت دليلًا رسميًا على سيادة مصر إلى أطراف خليج العقبة. كذلك أكد د.صبري العدل (أستاذ التاريخ المتخصص بتاريخ سيناء) أن خريطة مصلحة المساحة المصرية رقم 6 لسنة 1937 تثبت تبعية تيران لمصر ، وهي خريطة صدرت بعد تأسيس السعودية واستمرت في اعتبار الجزر مصرية.
• في الأرشيفات البريطانية أيضًا إشارات مهمة. تشير وثائق بريطانية تعود إلى فترة ما بين الحربين العالميتين إلى استمرار ممارسة مصر سيادتها على الجزيرتين. إذ توجد خرائط بريطانية حول مناورات عسكرية بريطانية قرب خليج العقبة تضمنت جزيرتي تيران وصنافير ضمن نطاق التحركات المصرية بموجب معاهدة 1936 . كما أن الخرائط البريطانية العامة لتلك الحقبة لم ترسم أي حدود تفصل الجزيرتين عن مصر، وبعضها ظل يلون الجزيرتين بلون مصر أو يتركهما بلا لون مميز (كأرض تتبع آخر سلطة إدارية معروفة وهي مصر).
• الأطالس والخرائط الدولية (روسية وأوروبية): لم تقتصر الأدلة على الخرائط المصرية والبريطانية؛ فقد عثر الباحثون على خرائط في مكتبات عالمية تؤكد الأمر ذاته. خريطة روسية قديمة لمصر محفوظة في مكتبة برلين بألمانيا (ترجع لأوائل القرن الـ20) أدرجت جزيرتي تيران وصنافير ضمن مصر، حتى أنها قامت بـ“ترقيمهما” كجزء من خارطة مصر تحت الكود رقم 10 ضمن ملحق الخريطة .
وجود هاتين الجزيرتين على خريطة روسية رسمية لمصر دليل على اعتراف دولي واسع بسيادة مصر عليهما. كذلك توجد خرائط ألمانية وبريطانية أخرى من عقد 1920 ومابعده تطرقت لوضع الجزيرتين. ورغم أن بعضها – خصوصًا تلك الصادرة بعد 1950 – قد حاولت تصويرهما كجزء من الحجاز أو السعودية (لأسباب سياسية آنذاك)، إلا أن هذه الخرائط المتأخرة تناقض كمًّا كبيرًا من الوثائق الأقدم والأكثر رسمية التي بحوزتنا .
الخلاصة أن معظم الخرائط والأطالس قبل منتصف القرن العشرين تقف في صف تأكيد مصرية تيران وصنافير. هذه الأدلة الجغرافية الموثقة تضاهي في حجّيتها الوثائق القانونية، إذ أن رسم الحدود في الخرائط الرسمية كان بمثابة إقرار دولي ضمني بالسيادة. وبما أن الجزيرتين ظهرتا بشكل متكرر داخل حدود مصر في خرائط صادرة عن قوى عالمية (فرنسا، بريطانيا، ألمانيا، روسيا…)، فإن سيادة مصر عليهما كانت أمرًا مستقرًا عبر العصور.
مقارنة بين خريطة 1882 والخرائط البريطانية والخرائط البحرية الحديثة
من المفيد إجراء مقارنة زمنية لتتبع كيفية تصوير تيران وصنافير في الخرائط عبر مراحل مختلفة:
• مقارنة خريطة 1882 بالانتداب البريطاني: خريطة Carte de l’Égypte (1882) كما أسلفنا، تُظهر الجزيرتين ضمن مصر. بعد حوالي 40 عامًا، خلال الانتداب البريطاني على فلسطين (1920–1948) وبالتوازي حكم بريطانيا لمصر (احتلال حتى 1922 ثم معاهدة 1936)، استمرت الخرائط البريطانية في اعتبار سيناء ومضيق تيران امتدادًا لمصر. صحيح أن بعضها كان يركز على رسم حدود مصر مع الانتداب في رفح ولم يتطرق لترسيم واضح داخل خليج العقبة، لكنه لم يُبرز أي سيادة أخرى على الجزر.
فعلى سبيل المثال، خريطة بريطانية لعام 1922 أُعدت لتوضيح حدود مصر باللون الأحمر وحدود الدولة العثمانية سابقًا بالأصفر، ظهرت فيها تيران وصنافير باللون الأصفر (لون أراضي الدولة العثمانية) . هذا قد يبدو للوهلة الأولى معارضًا لمصرية الجزيرتين، لكنه يفسَّر بأن الخريطة اعتمدت وضعًا يعود لما قبل 1906 حين كانت السيادة العثمانية اسمية على عموم الحجاز وسيناء. لكن بعد 1906، غيّرت بريطانيا خرائطها وأصدرت أخرى تظهر الحدود الجديدة. وبحلول 1937، كما ذكرنا، كانت خريطة المساحة المصرية (بالتنسيق مع البريطانيين) واضحة في تبعية تيران لمصر .
• الخرائط البحرية الدولية قبل 1990: قبل عام 1990، كانت الخرائط البحرية المعتمدة (مثل تلك الصادرة عن الأسطول البريطاني أو الأميركي) تُظهر مياه مصر الإقليمية عند مدخل خليج العقبة بطريقة لا تستثني الجزيرتين من السيطرة المصرية.
الخرائط الملاحية عادة لا تلون الدول لكنها تضع أسماء الجزر والدول بجانبها؛ وعلى خرائط مضيق تيران حتى الثمانينيات، كان اسم جزيرة تيران يُذكر دون إسناد لدولة أخرى، وأحيانًا بكلمة (EGYPT) أو (مصـر) للدلالة . على سبيل المثال، خريطة مضيق تيران المنشورة عام 1983 عن وكالة رسم الخرائط الأميركية تُظهر جزيرتي “Jazīrat Tīrān” و”Jazīrat S͟anāfīr” قبالة سواحل سيناء دون أي خط حدود دولي يفصلهما عن مصر . هذا يعني أن الوضع الراهن آنذاك أن الجزيرتين تحت الإدارة المصرية الفعلية، وهو ما لم تعترض عليه أي خرائط دولية معروفة قبل 1990.
• التغيير في الخرائط بعد ترسيم 1990: عام 1990 شهد تحوّلًا هامًا – وإن كان فنّيًا وغير مُعلن للعامة حينها – في نظرة الخرائط المصرية للجزر. ففي 9 يناير 1990 أصدر الرئيس المصري آنذاك حسني مبارك القرار الجمهوري رقم 27 لسنة 1990 الذي حدد إحداثيات نقاط الأساس المصرية لقياس البحر الإقليمي . هذا القرار الذي تم إيداعه لدى الأمم المتحدة في 2 مايو 1990 ، رسم خطوط الأساس على سواحل مصر بما فيها الساحل الشرقي في سيناء. المشكلة أنه توقف بالخط عند نقطة على ساحل سيناء دون أن يضم الجزيرتين ضمن خطوط الأساس المصرية. وبعبارة مبسطة، لم تعتمد مصر أي نقطة أساس على جزيرة تيران أو صنافير في ترسيم 1990، بل اعتمدت آخر نقطة (رقم 32) عند رأس نصراني في شرم الشيخ .
هذا يعني أن الحدود البحرية المعلنة مصريًا تركَت فراغًا حول الجزيرتين. في ذلك الوقت لم ينتبه الجمهور لهذا التفصيل الفني، لكنه أصبح جوهريًا لاحقًا. بعد 1990، ظهرت بعض الخرائط البحرية الدولية (وربما خرائط الأمم المتحدة) التي أبرزت هذا الفراغ أو رسمت خطًا يفصل بين المياه المصرية والمياه السعودية مارًّا بين ساحل سيناء والجزيرتين. غير أن الأهم أن الجانب السعودي أيضًا أصدر مرسومًا ملكيًا عام 2010 يحدد نقاط الأساس السعودية في البحر الأحمر، واعتبر فيه أن الجزيرتين تقعان ضمن مياهه . وبالتالي، أي خريطة بعد 2010 اعتمدت إحداثيات السعودية ستُظهر الجزيرتين كجزء من الأراضي السعودية (بحكم خطوط الأساس المرسمة).
بالمحصلة، المقارنة تكشف تناقضًا: الخرائط القديمة والغالبية العظمى من الوثائق الجغرافية تعتبر تيران وصنافير مصريتين، بينما بعض الخرائط الفنية الحديثة التي نتجت عن إعلانات أحادية (1990، 2010) رسمت وضعًا مختلفًا يتبنى الرواية السعودية. هذا التناقض ذاته دليل أن هناك قطيعة مع التاريخ في اتفاقية 2016، وهو ما سنوضحه قانونيًا في القسم التالي.
التناقض القانوني لاتفاقية 2016 مع الوثائق التاريخية
أعلنت الحكومتان المصرية والسعودية في أبريل 2016 عن اتفاقية لتعيين الحدود البحرية بينهما في البحر الأحمر، نصّت بوضوح على أن جزيرتي تيران وصنافير تقعان في الجانب السعودي من الحدود. هذا الاتفاق أثار اعتراضات قانونية واسعة في مصر لأنه يتناقض مع دستور البلاد ومع الأدلة التاريخية التي أشرنا إليها:
• مخالفة الدستور المصري: ينص دستور مصر (2014) في المادة 151 والمادة 1 على حظر التنازل عن أي جزء من إقليم الدولة . كما يلزم عرض أي معاهدة تتضمن تنازلًا عن أراضي على استفتاء شعبي. ورغم أن الحكومة المصرية حاولت الالتفاف على ذلك بادعاء أن الاتفاقية ليست تنازلًا عن أرض مصرية بل “إعادة أرض سعودية” – وهو أمر مختلف عليه بشدة – فإن معارضي الاتفاقية طعنوا بأنها غير دستورية. وقد أيّدت محكمة القضاء الإداري المصرية هذا الرأي في يونيو 2016 وحكمت ببطلان الاتفاقية ، مؤكدةً سيادة مصر المستقرة على الجزيرتين.
وظل الجدل القانوني محتدمًا إلى أن صدّق البرلمان على الاتفاق في يونيو 2017 دون استفتاء، ثم أيدت المحكمة الدستورية العليا صحة إجراءات التصديق في 2018 ، مما أغلق المسار القضائي الداخلي رغم استمرار الاعتراض الشعبي.
• تعارضها مع الوثائق والخرائط الدولية: كما استعرضنا، هناك وفرة من الوثائق التاريخية – خرائط معاهدات 1841 و1906، خرائط حربية ورسمية من القرن 19 و20 – تعترف بسيادة مصر على تيران وصنافير . الاتفاقية الموقعة 2016 أغفلت تمامًا هذه الخلفية. على سبيل المثال، لم تأخذ الاتفاقية في الحسبان خريطة اتفاقية 1906 التي جعلت الجزيرتين ضمن الأراضي المصرية . أيضًا تجاهلت حقيقة أن مصر مارست سيادة فعلية عبر قواتها على الجزيرتين منذ 1949 (عندما أقامت مواقع عسكرية لمنع التغلغل الإسرائيلي) ولم يكن ذلك موضع إعتراض دولي . بل إن السعودية نفسها لم تطالب بالجزيرتين رسميًا طوال عقود، سوى رسالة في يناير 1950 من الملك سعود تفوّض مصر في حماية الجزيرتين دون أن تذكر نقل ملكية .
كل هذه المعطيات تجعل اتفاقية 2016 في تناقض صريح مع الوضع التاريخي المعترف به دوليًا. وقد وصف خبراء القانون هذه الاتفاقية بأنها تفرّط في حقوق مصر التاريخية وتتبنى رواية غير مدعومة بوثائق مكافئة .
• اعتراف الحكومة بالتناقض الضمني: المثير أن البيانات الرسمية المصرية حينها بررت الاتفاقية بالإشارة إلى وثائق 1990 الفنية. ذكرت الحكومة أن اللجنة المشتركة استندت إلى قرار 1990 المصري والمرسوم السعودي 2010 وأن تطبيقهما الفني أوصل لوقوع تيران وصنافير في المياه السعودية .
بهذا الاعتراف، تكون الحكومة قد أقرت ضمنيًا أن ترسيم 1990 (الذي لم يكن محل نقاش شعبي) كان الأساس في تغيير الوضع. غير أن منتقدي الاتفاقية ردّوا بأن القرار 1990 نفسه مخالف للدستور (حيث لم يُعرض على البرلمان وقتها) ولا يمكن أن يستخدم ذريعة لتجاهل كل الخرائط الأقدم والأكثر شرعية . وبالتالي، يرى خبراء قانونيون أن اتفاقية 2016 تفتقر للسند التاريخي والقانوني السليم، وأن أي تحكيم دولي مستقل كان يمكن أن ينظر بعين الاعتبار لتلك السوابق التاريخية التي أهملتها الاتفاقية.
باختصار، اتفاقية ترسيم 2016 ونتيجتها المتمثلة بتسليم الجزيرتين للسعودية تتناقض مع السوابق الدستورية والتاريخية. وهو ما يفسر لماذا ووجهت برفض شعبي واسع ودعاوى قضائية سابقة لإقرارها. هذا ينقلنا إلى سؤال مهم: كيف مضت الحكومة قدمًا في هذه الخطوة رغم هذا التناقض؟ الإجابة تكمن في استعراض التحركات السياسية والقانونية التي مهدت للأمر.
كيف تم التمهيد لنقل السيادة دون استفتاء أو أحكام قضائية
منذ سنوات سبقت إعلان اتفاقية 2016، كانت هناك خطوات تمهيدية اتخذتها الدولة المصرية لتوفير أساس “قانوني” ظاهري لنقل تيران وصنافير، ولكي يتم تمرير الاتفاق دون الاحتكام المباشر للشعب أو اصطدامٍ نهائي بأحكام القضاء. نشرح ذلك في النقاط التالية:
- قرار 1990 وإيداعه الأمم المتحدة: كما ذكرنا، كان صدور القرار الجمهوري 27 لعام 1990 نقطة مفصلية. هذا القرار الذي لم يكن معروفًا لعامة الشعب عند صدوره رسم خطوط الأساس المصرية مستبعدًا الجزر من الداخل . وبإيداعه في الأمم المتحدة حين انضمت مصر لاتفاقية قانون البحار، أصبح بمثابة وثيقة دولية صامتة تشير – بشكل غير مباشر – إلى أن مصر لا تعتبر الجزيرتين ضمن مياهها الداخلية. لم تُثَر أي ضجة حول هذا الأمر في حينه، ربما لأن أحدًا لم يتخيل استخدامه للتنازل لاحقًا. لكنه شكل اللبنة القانونية الأولى التي اعتمدت عليها لجنة ترسيم 2016 .
- الاتصالات السرية بين مصر والسعودية (خطابات 1990): خلال إعداد اتفاقية 2016، أعلنت الحكومة المصرية وجود خطابات متبادلة عام 1990 بين القاهرة والرياض بشأن الجزيرتين . ويُفهم من التصريحات الرسمية أن تلك الخطابات ربما تضمنت تفاهمًا مبدئيًا على أن السعودية تعتبرهما تابعين لها وتتركهما لمصر لإدارتها حتى يحين الترسيم.
هذه المراسلات لم تُنشر نصوصها، لكن الإشارة إليها كانت بهدف إقناع الرأي العام بأن الأمر ليس جديدًا بل هو “محسوم منذ التسعينات”. بمعنى آخر، الإيحاء بأن حكومة مبارك اعترفت ضمنًا بحق السعودية – وهو استنتاج محل خلاف كبير إن لم تُنشر الوثائق كاملة. ولكنها ساعدت السلطة الحالية في تسويق الاتفاقية كـ”استكمال لخطوات سابقة” وليست تنازلًا مفاجئًا.
- المرسوم الملكي السعودي 2010: في عام 2010 أصدرت السعودية مرسومًا يحدد إحداثيات خطوط الأساس لسواحلها ، وقد اعتُبر هذا المرسوم في الرياض تحصيل حاصل لسيادتها على الجزيرتين (من منظورهم). الجانب المصري على الأرجح كان على علم بهذا المرسوم. وبالتالي عند التفاوض الرسمي 2016، كان السعوديون يحملون ورقة قانونية أخرى (إلى جانب قرار 1990 المصري) تدعم موقفهم.
لم تعترض مصر على مرسوم 2010 وقت صدوره، ما اعتُبر ضمنيًا موافقة أو على الأقل صمت القبول. هذا التطور يُظهر أن التنسيق السياسي كان جاريًا منذ سنوات خلف الأبواب المغلقة لتحضير المسرح القانوني لترسيم جديد.
- تغيير الخطاب الرسمي والمناهج الدراسية قبل الإعلان: يُذكر أنه في السنوات التي سبقت 2016، بدأت تظهر إشارات رسمية خافتة لتغيير الموقف من الجزيرتين. فمثلاً، موقع هيئة المساحة الجيولوجية المصرية أصدر عام 2016 – بالتزامن مع إعلان الاتفاق – خريطة مصرية منسوبة لعام 1928 تظهر الجزيرتين خارج الحدود المصرية .
تم ترويج هذه الخريطة في صحف موالية للحكومة (مثل صحيفة عكاظ السعودية والمصري اليوم) على أنها “دليل” أن الجزيرتين ليستا مصريتين تاريخيًا . أي أن الحكومة بحثت وانتقت خريطة قديمة واحدة قد توحي بذلك، لتسويق الاتفاقية شعبياً. في المقابل، تجاهلت عشرات الخرائط الأقدم والأحدث التي تناقض هذه الرواية.
كذلك قامت جهات حكومية كوزارة البيئة بإجراءات إدارية تفترض انتقال الجزيرتين قبل إقرار الاتفاق – مثل حذف جزيرتي تيران وصنافير من قائمة المحميات الطبيعية المصرية على موقع الوزارة عام 2016 . وبعد توقيع الاتفاق، نُشرت خرائط مصرية رسمية جديدة لا تتضمن الجزيرتين ضمن حدود مصر وتم تعديل المناهج المدرسية وفق ذلك . هذه التغييرات السريعة تؤكد أن الأمر كان مخططًا وموجهًا من السلطات العليا لإقناع المواطن بأن خريطة مصر تغيرت وعليه تقبل ذلك كواقع.
- تمرير الاتفاقية دون استفتاء وتحييد أحكام القضاء: دستوريًا، كان يجب عرض اتفاقية كهذه على استفتاء شعبي لأنها تتضمن تغييرًا في حدود الدولة. لكن السلطة التنفيذية تجنبت تسميتها “تنازلًا عن أرض” وأصرت أنها “استعادة أرض سعودية”، وبالتالي زعمت أن الاستفتاء غير لازم. وعندما حاول ناشطون وسياسيون إجبار الحكومة على الاستفتاء عبر الضغط الجماهيري والقضاء، قامت السلطة بخطوات سريعة لقطع الطريق:
• وافق مجلس الوزراء ثم مجلس النواب على الاتفاقية في يونيو 2017 وسط إجراءات أمنية مشددة ومنع تظاهرات ، ضاربين عرض الحائط بحكم نهائي من المحكمة الإدارية العليا كان قد صدر في يناير 2017 ببطلان الاتفاقية.
• المحكمة الدستورية العليا تدخلت لتعطيل أحكام القضاء الإداري، فأصدرت في وقت لاحق حكمًا بوقف كافة الأحكام المتناقضة حول الاتفاقية، معتبرة أن إقرار المعاهدات من أعمال السيادة التي تخرج عن الرقابة القضائية. هذا أنهى أي مسار قانوني داخلي للطعن .
• أما الجمهور، فقد ووجهت اعتراضاته في الشارع بحملات توقيف واعتقالات بتهمة التظاهر غير المشروع . أي تم تحييد الشارع بالقوة وتحييد القضاء بإجراءات استثنائية، ليمر الاتفاق عبر البرلمان الخاضع للحكومة.
بتضافر هذه الخطوات، تمكنت السلطة من إنجاز نقل السيادة شكليًا وقانونيًا دون الرجوع المباشر للشعب. من وجهة نظر المعارضين، ما حدث هو التفاف ممنهج على الإرادة الشعبية والدستور: استغلال ثغرات قانونية قديمة (كقرار 1990)، وتغييب الشفافية في التفاوض، ثم الإسراع في التصديق البرلماني مع تغييب الاستفتاء. وهكذا تم تغليف عملية نقل الأرض المصرية بمسمى “ترسيم الحدود” لإعطائها غطاء شرعي ظاهري، رغم تعارضها مع المبادئ الدستورية والأحكام القضائية القائمة . هذا يفسر الغضب الشديد الذي عمّ قطاعات واسعة من المصريين آنذاك، والذين شعروا بأن الأمر تم “بالإكراه” السياسي وليس بالقبول الشعبي.
النقطة 32 وخط غرينتش: الإحداثيات الفنية في نزاع تيران
برز في نقاش قضية تيران وصنافير مسألة فنية لكنها أثارت فضول الكثيرين، وهي إحداثيات النقطة 32 وما يسمى خط غرينتش على خرائط Google Earth فيما يخص ترسيم الحدود عند الجزيرتين.
نشر الخبراء خرائط وصورًا بالأقمار الصناعية لتوضيح هذه النقطة، ونبسط معناها هنا:
• ما هي النقطة 32؟
عندما صدر قرار ترسيم خطوط الأساس المصرية عام 1990، تم ترقيم نقاط الأساس على طول الساحل المصري. على ساحل جنوب سيناء، كانت آخر نقطة أساس مرسمة هي رقم 32 عند موقع رأس نصراني بشرم الشيخ . هذه النقطة تمثل أقصى امتداد للخطوط المستقيمة المرسومة من الساحل قبل مدخل مضيق تيران. عمليًا، كان ينبغي – لو اعتبرت مصر الجزيرتين تابعتين لها بالكامل – أن توصل خط الأساس إلى أقصى نقطة شرق جزيرة صنافير أو تيران. لكن ذلك لم يحدث؛ توقفت مصر عند رأس نصراني فقط. وهكذا بقيت المياه حول تيران وصنافير خارج خط الأساس المصري (أي لم تُعتبر مياهًا داخلية مصرية).
المحكمة الإدارية العليا المصرية لاحظت ذلك وذكرت في حيثيات حكمها (2017) أنه كان ينبغي تعديل إحداثيات النقطة 32 لتنقل إلى شرق صنافير لو كانت الجزر مصرية في نظر الحكومة . أي أن حتى القضاء لاحظ التلاعب الفني في ترسيم 1990 والذي أدى لإخراج الجزيرتين من نطاق خطوط السيادة البحرية المصرية.
• ما هو خط غرينتش المذكور؟
خط غرينتش هو خط الطول المرجعي الدولي (صفر درجة) الذي تُقاس منه كافة خطوط الطول شرقًا وغربًا. في سياق نزاع تيران، تمت الإشارة إلى “خط غرينتش” لتبسيط فهم الإحداثيات الواردة في الاتفاقية وقرار 1990 والتي تُذكر دائمًا بالدرجات شرق غرينتش.
فعلى خرائط Google Earth، يمكن للمستخدم أن يرى خطوط الطول الرئيسية (مثل خط 34° شرقًا المار بجوار الجزيرتين). خط الطول 34° شرق تقريبًا يمر بين ساحل سيناء والجزيرتين، وهو قريب جدًا من خط الحدود البحرية المرسوم في الاتفاقية. وعند التدقيق تبين أن إحداثيات نقطة الأساس المصرية الأصلية (32) تقع تقريبًا عند خط طول 34°18’ شرقًا، بينما إحداثيات أقصى شرق صنافير هي حوالي 34°30’ شرقًا. هذا الفارق يعني نحو 12 دقيقة طولية (أي حوالي 22 كم على الأرض) بقيت خارج نطاق السيادة المصرية في البحر.
خبراء الخرائط وضعوا خطًا أخضر على Google Earth يمثل خط الأساس المصري الأصلي، وخطًا أحمر يمثل خط الحدود الجديد الذي وُقّع عام 2016. يتضح من الصورة (المرفقة في منشورات بعض الباحثين) كيف أن الخط الأحمر (حدود 2016) يميل شرقًا بشكل كبير تاركًا الجزيرتين إلى يمينه داخل المياه السعودية، في حين أن الخط الأخضر القديم يقع غربهما.
• ماذا يعني ذلك في النزاع؟
هذا يعني أن القضية حُسمت بفرق إحداثيات. فمن الناحية الجغرافية البحريّة، لو كانت مصر قد اختارت نقطة أساسها الأخيرة شرق صنافير، لبقيت مياه ما حول الجزيرتين مصرية داخليًا، ولما تمكّنت السعودية من الادعاء بأنهما ضمن مياهها الإقليمية دون نزاع. لكن اختيار رأس نصراني كنقطة أخيرة جعل ما حول الجزر يصنّف قانونًا كـ”مياه مجاورة مفتوحة” يمكن للسعودية الادعاء بها.
هذا التفصيل الفني الخطير لم يكن معروفًا شعبيًا إلا بعد إثارة القضية، حيث شرح الجغرافيون مفهوم خطوط الأساس وكيف استخدمتها الحكومة لترسيم حدود بحرية مغايرة للواقع التاريخي. وهكذا تحولت إحداثيات رقمية إلى محور أساسي لفهم لماذا تقول مصر رسميًا اليوم أن الجزيرتين ليستا ضمن أرضها – لأنها ببساطة أسقطتهما من حساباتها في خرائط 1990. ومن الجانب الآخر، لماذا يرفض الكثير من المصريين ذلك – لأنهم يعتبرون ما جرى مجرد تلاعب بالأرقام لا يلغي الحقائق التاريخية والجغرافية الثابتة.
باختصار، النقطة 32 هي الرمز لإخراج تيران وصنافير من الخرائط المصرية، وخط غرينتش (خطوط الطول) هو الأداة التي استخدمت لتحديد ذلك الإخراج على الخرائط الرقمية الحديثة. وفهم هذه النقطة يعيدنا دائمًا إلى لب النزاع: هل التلاعب الحدودي الحديث يغيّر التبعية القديمة؟ الإجابة لدى المصريين الغيورين على أرضهم هي لا؛ فالمسألة ليست إحداثيات صماء بل سيادة وطن.
الخريطة المصرية قبل 2016 وبعدها
من الدلائل الواضحة على تغيّر الموقف الرسمي المصري تجاه الجزيرتين هو تغيّر الخرائط المصرية ذاتها قبل الاتفاقية وبعدها. نلاحظ ما يلي:
• قبل 2016: طوال العقود الماضية، كانت الخرائط الرسمية لجمهورية مصر العربية تشمل جزيرتي تيران وصنافير ضمن حدود الدولة. على سبيل المثال، كل أطلس مدرسي أو خريطة صادرة عن هيئة المساحة المصرية قبل 2016، كانت تضع خط الحدود المصرية الشرقية بصورة تشمل الجزيرتين (غالبًا بدون تمييز خاص لأنهما تعتبران بديهيًا تابعتين لمصر). كما أن الخرائط العسكرية المصرية والمجسات السياحية لمنطقة شرم الشيخ وجنوب سيناء أظهرت تيران كموقع مصري استراتيجي (حيث يوجد عليها محطة مراقبة دولية ضمن القوة متعددة الجنسيات بعد معاهدة كامب ديفيد).
لم يكن هناك أي إصدار رسمي مصري – قبل التسعينات – يشير إلى أن الجزيرتين خارج الحدود. حتى على المستوى الدولي، في الخرائط السياحية والأطالس، كانت الجزيرتان تُلونان عادة بلون مصر أو تكتب بجانبهما كلمة “Egy.” اختصارًا لمصر، باعتبارهما تتبعان إداريًا لمحافظة جنوب سيناء المصرية.
• بعد 2016: عقب إقرار اتفاقية ترسيم الحدود، بدأت الجهات الرسمية المصرية بتعديل الخرائط المحلية لتتوافق مع الوضع الجديد. نُشرت خريطة رسمية حديثة لمصر خالية من تيران وصنافير ضمن حدودها . أي يظهر فراغ عند مضيق تيران وخط الحدود البحرية المصرية مرسوم عند شرم الشيخ دون احتواء الجزيرتين. هذه الخريطة نُشرت على المواقع الحكومية وأُرسلت إلى المؤسسات الدولية لتصبح الخريطة المعتمدة لمصر. وفعلاً، اعتمدت الأمم المتحدة في أرشيف معاهدات الحدود لديها الخريطة المرفقة بالاتفاقية والتي تضع الجزيرتين في الجانب السعودي .
داخليًا، تم تنقيح الكتب المدرسية في الجغرافيا والتاريخ لحذف أي ذكر للجزيرتين كجزء من مصر . مثلاً، نُشرت صور في إعلام المواطنين تُظهر طبعات جديدة من الأطلس المدرسي المصري وقد تم إزالة الجزيرتين من خريطة مصر، بينما طبعات أقدم كانت تظللها بلون مصر. كذلك خرائط الهيئات الحكومية (كوزارة السياحة وهيئة الاستعلامات) في مواقعها الإلكترونية وبعدها في المطبوعات، أزيلت منها الجزيرتان تمامًا أو وُضع عليهما لون مختلف كجزء من خارطة السعودية. هذا التغيير أدهش الكثيرين حتى ممن لم يتابعوا تفاصيل القضية، لأنه لأول مرة في التاريخ الحديث يرون خريطة لمصر بدون تيران وصنافير.
• رد فعل المواطنين والخبراء: بطبيعة الحال، قوبل هذا التعديل برفض من قبل خبراء مصريين مستقلين. فمثلاً، نشر خبراء خرائط مقارنة بين خارطة مصر في طبعات أطلس ما قبل 2016 وبعدها للتأكيد على أن التغيير سياسي وليس مبنيًا على حقائق جديدة. وأشار البعض أن هذه سابقة خطيرة أن تغيّر دولة حدودها المعترف بها طواعيةً.
وعلى الجانب الآخر، احتفت وسائل إعلام سعودية بالتغيير؛ حيث نشرت السعودية في 2023 خريطة رسمية جديدة للمملكة تشمل لأول مرة تيران وصنافير داخل حدودها ، وتم تعميمها على المحافل الدولية. أي أن ما خسرته الخريطة المصرية، ربحته الخريطة السعودية.
بصورة مرئية واضحة: إذا وضعنا خريطة مصرية رسمية صادرة عام 2015 بجانب خريطة مصرية صادرة عام 2018 سنجد الفرق الجوهري هو اختفاء جزيرتي تيران وصنافير من نطاق مصر في الخريطة الجديدة. هذا الفارق يكثّف جوهر القضية كلها. فالأرض التي ظلت لقرون مرسومة ضمن الوطن المصري، تم محوها بقرار سياسي من الخرائط المصرية خلال عام واحد. وهذا يفسّر الوجدان الجمعي لدى المصريين بأن شيئًا عزيزًا قد اقتُطع من خريطتهم وذاكرتهم.
خاتمة: التأكيد على مصرية الجزيرتين وضرورة التحرك
في ضوء ما تقدم، تتجمع بين أيدينا حقائق ووثائق دامغة تؤكد استحالة التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير باعتبارهما أرضًا مصرية تاريخيًا.
فالخرائط الدولية القديمة ، والاتفاقيات العثمانية-البريطانية ، والسجلات المصرية والبريطانية في القرن العشرين ، كلها تشير إلى سيادة مصر المستقرة على الجزيرتين قبل أي مطالبة سعودية. ولم يظهر أي إدعاء سعودي سيادي عليهما إلا بعد مرور أكثر من نصف قرن من الإدارة المصرية الفعلية (منذ 1950)، وهو ما يضعف أي حجة مبنية على أسس تاريخية.
الاتفاقية الموقعة عام 2016 تجاهلت كل ذلك الإرث واعتمدت على ترتيبات فنية حديثة لا ترقى إلى قوة الحق التاريخي والقانوني. ومن ثمّ، فإن هذه الاتفاقية لا تغيّر حقيقة أن تيران وصنافير جزيرتان مصريتان بموجب الوثائق الدولية.
إن قضية تيران وصنافير ليست نزاعًا حدوديًا عاديًا يمكن حله في غرف مغلقة؛ فهي تمس كرامة وطن وشعور شعب بالسيادة على أرضه. وعليه، لا بد من عرض هذه القضية على كافة المنصات القانونية والإعلامية محليًا ودوليًا لكشف جوانبها للعالم.
على الصعيد الداخلي، يظل من حق الشعب المصري أن يُستفتى على مصير أرضه وفق الدستور – وقد كان شعار المحتجين آنذاك ”#الاستفتاء_هو_الفيصل” دليلًا على وعي شعبي عميق . وعلى الصعيد الدولي، يمكن تحريك القضية عبر التحكيم الدولي أو الأمم المتحدة بإبراز الوثائق والخرائط التي في صالح مصر، لاسيّما أن معظمها محفوظ في مكتبات عالمية مرموقة ويمكن لأي جهة محايدة الاطلاع عليها .
وفي الختام، يؤكد هذا الملف أن التفريط في أي شبر من التراب المصري أمر غير مقبول تاريخيًا وشعبيًا. جزيرتا تيران وصنافير جزء لا يتجزأ من السيادة المصرية وفق ما تثبته سجلات تزيد عن مائتي سنة، ولا يجوز التفريط فيهما تحت أي ظرف. الحفاظ على هذه الأرض واجب وطني، واستعادتها للسيادة المصرية (إن انتقلت مؤقتًا) هو حق لن يسقط بالتقادم.
ويبقى الأمل معقودًا على تكاتف الجهود القانونية والدبلوماسية والإعلامية لإبقاء هذه القضية حيّة في الذاكرة والمحافل، حتى يتم تصحيح الوضع وتعاد الخرائط لتطابق الحقائق، ويعرف العالم أن المصريين لا يبيعون أرضهم ولا يفرّطون في تاريخهم مهما كانت الضغوط. المصري لن يرضى بغير أرضه كاملة، وهذه رسالة يجب أن تصل واضحة للجميع.
المصادر والمراجع: الخرائط والوثائق المشار إليها أعلاه مستندة إلى مراجع دولية موثقة، منها مكتبة الكونغرس الأمريكي ، أرشيف جامعة دورهام البريطانية ، سجلات الأمم المتحدة ، ودراسات قانونية وأكاديمية تناولت القضية . تم الاستشهاد تفصيليًا بالمصادر في سياق النص لكل معلومة رئيسية لتأكيد مصداقيتها. يرجى مراجعة العلامات المرجعية للتثبت من كل معلومة. هذا الملف جهد بحثي متكامل يهدف لنشر الحقيقة ودحض أي ادعاءات مخالفة، والله والوطن من وراء القصد.