
تُظهر التحولات السياسية الجارية في عدد من الدول الإسلامية، وعلى رأسها الإمارات والسعودية، اتجاهًا مثيرًا للقلق يتمثل في تقارب تدريجي مع قوى معادية للمصالح الإسلامية، مثل الهند في عدائها لباكستان، والكيان الصهيوني في احتلاله لفلسطين.
هذا التحول ليس فقط انحرافًا عن الموقف التاريخي للأمة، بل هو انعكاس لتغلغل صهيوني ناعم وناشط داخل مراكز القرار في تلك الدول، يخدم أجندة تفكيك الأمة وإعادة تشكيلها ضمن مشروع الهيمنة الصهيونية العالمية.
أولاً: دعم الهند على حساب باكستان– الأسباب والسياقات.
- العداء غير المعلن للإسلام السياسي: ترى أنظمة كالسعودية والإمارات في باكستان تهديدًا مزدوجًا: أولًا بسبب مواقفها الإسلامية المناصرة للقضية الفلسطينية، وثانيًا لاحتضانها تيارات إسلامية ذات توجه سياسي.
- التقاطع مع المصالح الأمريكية والصهيونية: يربط الإمارات والسعودية بالولايات المتحدة تحالف أمني طويل الأمد. وقد دفعت الضغوط الأمريكية لتقريبهم من الهند ( الحليف الاستراتيجي الجديد لواشنطن في آسيا ) رغم ما تمثله الهند من خطر على المسلمين في كشمير وعلى باكستان.
- استراتيجية موازنة النفوذ التركي والإيراني: ترى السعودية والإمارات في الهند قوة يمكن استثمارها لتقييد النفوذ التركي والإيراني في المنطقة، وكأنهم يقايضون قضية كشمير والمبادئ الإسلامية بمكاسب جيوسياسية ضيقة.
ثانيًا: مستويات التغلغل الصهيوني في الدول الإسلامية.
- الاختراق السياسي: نشهد سفراء إسرائيليين في أبوظبي والرباط والمنامة، وتعاونًا استخباراتيًا غير مسبوق. كما أصبحت “تل أبيب” وجهة سياسية مقبولة لدى بعض القادة العرب.
- الهيمنة الاقتصادية: شركات إسرائيلية تنفذ مشاريع أمنية وزراعية وتقنية في الخليج وشمال أفريقيا، تحت عناوين “التكنولوجيا والسلام”، بينما تخترق البنى الاقتصادية وتجمع المعلومات.
- التحكم في الرواية الإعلامية:
المنابر الإعلامية الممولة من بعض العواصم الخليجية بدأت تطبع المفردات الصهيونية، مثل استخدام “الجيش الإسرائيلي” بدلًا من “جيش الاحتلال”، أو تقديم الفلسطيني كـ”مسبب للعنف”. - النفوذ في التعليم والثقافة:
بدأت مناهج التعليم في بعض الدول العربية تُفرغ من القضايا الجوهرية، وتحذف مواد عن الجهاد أو فلسطين أو الاستعمار. كما يُروّج لفكرة “السلام الإبراهيمي” لتمرير التطبيع كقيمة حضارية.
ثالثًا: النتائج والمآلات المحتملة.
- عزلة الدول المقاومة (مثل باكستان وتركيا وقطر): يزداد الضغط عليها سياسيًا وإعلاميًا واقتصاديًا لعزلها وتشويه مواقفها.
- إضعاف القضية الفلسطينية رسميًا: التحالف الصهيوني-الخليجي يسعى إلى تهميش منظمة التحرير والمقاومة، ودعم قيادات بديلة تتماهى مع “صفقة القرن”.
- تفاقم الطائفية والصراعات البينية: يُغذي المشروع الصهيوني انقسامات داخل العالم الإسلامي– بين سنة وشيعة، عرب وعجم، إسلاميين وليبراليين– لتشتيت الأمة وتفريغها من أي جهد موحد.
- تشكيل شرق أوسط جديد تحت القيادة الصهيونية: ما يُطلق عليه “التحالف الشرق أوسطي” بقيادة تل أبيب، هو مشروع لإحلال “إسرائيل” كقوة مهيمنة إقليميًا، تشرف على المنطقة اقتصاديًا وأمنيًا، وتُعيد رسم الخرائط والتحالفات.
رابعًا: سبل النهوض وواجب المواجهة.
- على مستوى الدول الإسلامية (الحرة):
- بناء تحالف استراتيجي بديل: يضم باكستان وتركيا وماليزيا وقطر وإندونيسيا وبعض الدول الإفريقية الرافضة للهيمنة الصهيونية.
- تبني دبلوماسية مقاومة للتطبيع: دعم فلسطين وكشمير كقضيتين مركزيتين، واستثمار المحافل الدولية لعزل الاحتلال وفضح جرائمه.
- دعم الإعلام البديل: إنشاء منصات إسلامية عابرة للقارات، تفضح المشروع الصهيوني وتكشف خيانة الأنظمة المطبعة.
- على مستوى الشعوب والحركات:
- إحياء الوعي الجماهيري: عبر الخطاب الديني والتعليمي والإعلامي والفني، لحشد الأمة حول ثوابت الصراع.
- المقاطعة الاقتصادية: رفض منتجات العدو الصهيوني ومقاطعة الشركات المتعاونة معه أو مع حلفائه المباشرين.
- توحيد الجهود الشعبية: عبر لجان شعبية ومؤسسات مدنية تشكل جبهة مقاومة موحدة عابرة للحدود.
- خاتمة: الوقوف في وجه المشروع الصهيوني لم يعد خيارًا سياسيًا أو موقفًا أيديولوجيًا فحسب، بل أصبح واجبًا دينيًا وأخلاقيًا ووجوديًا. إذ إن ترك الساحة للصهاينة وذراعهم في المنطقة، يعني تسليم مصير الأمة لمن يحتقرها ويسعى لإفنائها حضاريًا. إن الدول الحرة، والحركات الواعية، والجماهير المؤمنة ما زالت تمتلك أدوات القوة، شرط أن توظفها في مشروع جامع لمقاومة المشروع الصهيوني، قبل أن يُحكم قبضته على مقدرات الأمة.