العالم العربي

ترامب يدعو لاستقرار الشرق الأوسط في زيارته المرتقبة، وسط توتر يسيطر على علاقات واشنطن مع تل أبيب.

في إطار زيارته المرتقبة إلى الشرق الأوسط، يظهر أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يحمل في جعبته الكثير من التطلعات لتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة، بينما تتصاعد المخاوف من تأثير العلاقات المتوترة مع الاحتلال الإسرائيلي.

تشير المعلومات إلى أن ترامب يسعى خلال زيارته إلى الخليج الغني بالنفط إلى تحقيق فترة من الهدوء والسلام، بعيدًا عن النزاعات والحروب المستمرة التي تعاني منها دول الشرق الأوسط. غير أن هناك بوادر قلق متزايدة بشأن قدرة الاحتلال على التأثير سلبًا على هذا المسعى.

كما أفاد مسؤول غربي بارز لموقع ميدل إيست آي أن وصف “الانقسام” يعكس بشكل كبير العلاقات الحالية بين ترامب والاحتلال، معترفًا بأن الإحباط يتصاعد بين الطرفين.

في إطار هذه التوترات، تبرز تساؤلات حول إمكانية تخلي ترامب عن تل أبيب إذا استمرت العوائق في طريق تحقيق أهدافه. وينتظر المراقبون كيفية تعاطي الإدارة الأمريكية مع هذا الوضع وكيف ستؤثر هذه الديناميكيات على علاقات الولايات المتحدة بالمنطقة.

ويعتبر محللون ودبلوماسيون إن العديد من الملفات الحساسة تتنافس مع بعضها البعض قبل زيارة ترامب، مما يُثير حفيظة رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، لكن الملف الأكثر أهمية بالنسبة لترامب هو المحادثات النووية الجارية مع إيران، والتي قال نائب الرئيس الأمريكي جيه دي فانس هذا الأسبوع إنها “جيدة جدًا حتى الآن”.

فلأشهر عديدة، وجه ترامب انتقادات حادة لنتنياهو، بينما هاجم أقرب حلفائه الإعلاميين “عملاء الموساد” الذين حاولوا عرقلة مساعي الزعيم الأمريكي، قائلاً أن ترامب قاوم ضغوط الاحتلال لشن هجوم استباقي على الجمهورية الإسلامية.

وفي الوقت نفسه، منح ترامب نتنياهو دعمه الكامل لشن حرب على غزة وقطع الإمدادات عنها، كما نال استحسانًا في دولة الاحتلال لشنه حملة قصف على الحوثيين في اليمن، التي يتحرك الآن لإسكات بنادقها والتوصل إلى تسوية مع تل أبيب بشأن غزة، وهو ما يُثير استياء قاعدة نتنياهو.

فقد قال مايكل وحيد حنا، مدير برنامج الولايات المتحدة في مجموعة الأزمات الدولية، لموقع ميدل إيست آي: “في هذه المرحلة، من الواضح أن ترامب سيتخذ وقتما يشاء بعض القرارات الكبرى بشكل منفرد دون مراعاة كبيرة لمصالح الاحتلال، كما هو الحال بشأن إيران أو اليمن، لكننا لم نشهد هذا القدر من التجاوب في الملف الفلسطيني”.

يذكر أن وسائل إعلام عبرية أفادت يوم الجمعة أن وزير الدفاع الأمريكي بيت هيغزيث ألغى زيارةً لدولة الاحتلال كان من المزمع أن تبدأ قبل يوم واحد من زيارة ترامب للخليج في 13 مايو/أيار، وكان من المقرر أن يلتقي هيغزيث بنتنياهو ووزير دفاعه إسرائيل كاتس.

ويوم الثلاثاء، أصدر ترامب إعلانًا مفاجئًا بدخوله في “وقف إطلاق نار” مع الحوثيين، ومن المرجح أن يُزيل هذا القرار مصدر إزعاج في المحادثات النووية مع إيران، لأن الحوثيين يتلقون أسلحة وتدريبًا من طهران. 

ومن المقرر أن تجتمع الولايات المتحدة وإيران في عُمان لعقد جولتهما الرابعة من المحادثات يوم الأحد، قبيل وصول ترامب إلى الخليج.

كما أسعد إعلان ترامب حلفاء الولايات المتحدة العرب والمملكة العربية السعودية التي كانت تضغط على ترامب لإنهاء الهجمات قبل وصوله إلى المملكة، كما هدأ هذا الإعلان قاعدة ترامب “أمريكا أولاً” المتخوفة من الحرب.

لكن القرار هزّ دولة الاحتلال لأن ترامب اشترط الهدنة بعدم مهاجمة الحوثيين لسفن الشحن العالمية، تاركًا الدولة العبرية في موقف حرج، وقد جاء وقف إطلاق النار بعد أيام قليلة من سقوط صاروخ حوثي قرب المحطة الرئيسية لمطار بن غوريون قرب تل أبيب.

وأوضح مسؤول أمني أمريكي لموقع ميدل إيست آي أن وقف إطلاق النار كان أشبه بـ “لحظة حاسمة” في صفقة أرامكو، في إشارة إلى قرار ترامب عام 2019 بعدم الرد على هجوم ضخم بطائرات مسيرة تبناه الحوثيون في اليمن على منشآت نفطية سعودية.

ويوم الجمعة، أكد سفير ترامب لدى تل أبيب، والداعم القوي للاحتلال مايك هاكابي التزام الولايات المتحدة بوقف إطلاق النار، وصرح في ذات اليوم الذي سقط فيه صاروخ حوثي فوق دولة الاحتلال بأن الولايات المتحدة لن تتدخل إلا إذا كان أحد الضحايا يحمل جواز سفر أمريكيًا.

وأضاف هاكابي أن هناك 700 ألف مواطن أمريكي إسرائيلي مزدوج، محذرًا الحوثيين من الإضرار بمصيرهم.

ومع المحادثات النووية المقرر عقدها يوم الأحد والهدنة الهشة في اليمن، حوّل ترامب انتباهه إلى قطاع غزة، الذي يحذر عمال الإغاثة من أنه قد ينحدر إلى مجاعة جماعية في لحظة وصول ترامب إلى المنطقة.

وقال آرون ديفيد ميلر، المفاوض الأمريكي السابق في الشرق الأوسط والزميل البارز في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، لموقع ميدل إيست آي: “لا يزال ترامب مقيدًا بغزة قبل زيارته، ولا يمكنه أن يتمنى زوالها”.

وأضاف ميلر: “إنه بحاجة إلى خطة مساعدات في نقاط حواره، لأنه سيُنتقد بشدة من قِبل السعوديين على ما لا يحدث هناك، باختصار، سيواجه ترامب قادة عربًا مسرورين بمحادثاته مع إيران والهدنة مع الحوثيين، لكنهم غير راضين تمامًا عن غزة”.

ويبدو أن ترامب يُسارع لمعالجة هذه المخاوف، مع استيعاب قبضة الاحتلال الخانقة على القطاع، كما يقول الخبراء.

ترامب يعود إلى خطط غزة فقد أطلع مبعوث ترامب إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، الذي أصبح خبيرًا عالميًا في حل النزاعات، مجلس الأمن الدولي يوم الأربعاء على الوضع في غزة.

وأفادت تقارير إعلامية عبرية أن ترامب قد يكشف عن خطة جديدة لوقف إطلاق النار في غزة نهاية هذا الأسبوع قد يُشير فيها إلى دور لحماس في إدارة غزة مستقبلًا.

وأفاد موقع ميدل إيست آي أن الولايات المتحدة تُحاول إدخال منظمة غير ربحية غير معروفة سابقًا، وهي مؤسسة غزة الإنسانية، إلى القطاع، مستشهدًا بوثيقة من 14 صفحة تم تداولها بين منظمات الإغاثة والدبلوماسيين.

وستتولى المؤسسة مسؤولية توزيع المساعدات الإنسانية في القطاع المحاصر، بينما يتولى متعاقد أمني أمريكي خاص، معتمد من حكومة نتنياهو، تأمين المراكز التي سيتلقى فيها بعض الفلسطينيين وجبات تحتوي على 1750 سعرة حرارية، بتكلفة تزيد قليلاً عن دولار واحد للواحدة، وفقًا لدبلوماسيين وعاملين في مجال الإغاثة.

وقال مسؤول في الأمم المتحدة لموقع ميدل إيست آي أن إدارة ترامب “تضغط” على الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة لقبول الخطة، لكنهم أعربوا عن مخاوفهم من أن يتعارض المشروع مع القانون الإنساني الدولي.

وتساهم الخطة بشكل كبير في معالجة أهداف الاحتلال الرامية إلى تقليص دور الأمم المتحدة في غزة، حيث قال دبلوماسيان عربيان مطلعان لموقع ميدل إيست آي إن الخطة ستؤدي فعليًا إلى عسكرة تدفق المساعدات إلى القطاع وخصخصتها.

وسيدير المؤسسة مسؤول أمريكي فيما تأمل الولايات المتحدة في استقطاب أموال قطرية وسعودية وإماراتية، إلا أن دولة الاحتلال ستُشرف عليها بشكل واسع، وفقًا لما ذكره المسؤولون موضحين أن تل أبيب تُحجم عن منح السلطة الفلسطينية دورًا في إدارة المساعدات.

لكن حتى هذه الخطة أثارت انتقادات من شركاء نتنياهو في الائتلاف اليميني المتطرف، الذين صعّدوا دعواتهم لبسط الاحتلال الكامل على القطاع وفرض التهجير القسري للفلسطينيين.

فقد قال وزير الأمن القومي إيتامار بن غفير يوم الجمعة: “من الحماقة والخطأ الأخلاقي والاستراتيجي أن يحصل سكان غزة على الإمدادات بينما يُعاني رهائننا من الجوع”.

ومن غير الواضح كيف ستتوافق خطة المساعدات ذات البصمة الأمريكية مع قاعدة ترامب “أمريكا أولاً”، التي تظاهرت ضد دعوة ترامب في وقت سابق من هذا العام للسيطرة الأمريكية على قطاع غزة.

وانتقد مُقدمو برامج بودكاست مُحافظون، مثل تاكر كارلسون وعضوة الكونغرس مارجوري تايلور غرين، بشدة تعميق المشاركة الأمريكية في الشرق الأوسط.

وقال تشارلز فريمان، السفير الأمريكي السابق لدى المملكة العربية السعودية، لموقع ميدل إيست آي: “أعتقد أن هؤلاء الناس سيتساءلون: لماذا على الولايات المتحدة أن تتدخل في إدارة المساعدات لغزة بعد حرب إسرائيل؟”.

وأضاف فريمان أنه عندما يصل ترامب إلى الخليج، سيواجه أيضًا مخاوف جديدة لم يواجهها خلال زيارته للمنطقة عام 2017.

وأضاف فريمان: “لطالما اعتمدت دول الخليج على الولايات المتحدة لكبح جماح الاحتلال، أما ترامب، فيذهب إلى المنطقة وقد انهار توازن القوى، لقد رضخ ترامب لتكتيكات الاحتلال واستراتيجياته في غزة والضفة الغربية المحتلة”.

صفقة الطاقة النووية السعودية على الطاولة ويعتقد الخبراء أن اتفاق التطبيع الذي طال انتظاره بين دولة الاحتلال والسعودية في إطار اتفاقات إبراهيم التي أبرمها ترامب تبدو أبعد من أي وقت مضى.

فقد صرح مسؤولون عرب لموقع ميدل إيست آي أن الرياض تفاوضت مسبقًا على زيارة ترامب لمنع أي حديث عن التطبيع دون وقف إطلاق النار في غزة أو التحرك نحو إقامة دولة فلسطينية.

لكن يبدو أن ترامب لا يريد انتظار نتنياهو، فقد صرّح وزير الطاقة الأمريكي، كريس رايت، الشهر الماضي بأن الولايات المتحدة أحرزت تقدمًا مع السعودية نحو اتفاق لمساعدة الرياض على تطوير صناعة الطاقة النووية التجارية.

في غضون ذلك، نقل مجلس الأمن القومي التابع لترامب إلى رجال الأعمال قبل زيارته أن الإدارة غير ملتزمة بربط صفقة الطاقة النووية التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات بالتطبيع مع دولة الاحتلال، وفقًا لما ذكره مسؤول أمريكي كبير سابق لموقع ميدل إيست آي.

ويمثل هذا تغييرًا محوريًا يزيل أحد الركائز الثلاث الرئيسية التي كانت إدارة بايدن تستخدمها لإغراء الرياض بتوقيع اتفاقية تطبيع مع تل أبيب.

وعلى الرغم من أن المحللين يقولون إن المحادثات لم تكتمل بعد، إلا أن مجرد احتمال أن يبيع ترامب للسعودية تكنولوجيا نووية دون تطبيع العلاقات أثار قلق السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام، الذي كان يساعد إدارة بايدن في التفاوض على صفقة تطبيع.

فقد كتب غراهام على منصة X يوم الخميس: “أود أن أوضح جليًا أنني لن أؤيد أبدًا اتفاقية دفاعية مع السعودية أو أي عناصر أخرى من صفقة مقترحة لا تتضمن تطبيع العلاقة مع إسرائيل كجزء من الصفقة”.

غير أن إدارة ترامب مستعدة بالفعل لتسريع مبيعات أسلحة بمليارات الدولارات إلى الرياض، بما في ذلك طائرات حربية من طراز F-35. في إطار الصفقة الكبرى.

ويقول الخبراء أنه لم يبق لإتمام الصفقة سوى وعد بمعاهدة دفاع أمريكية، وهو أمر بالغ الأهمية يتطلب دعم مجلس الشيوخ، لتقديمه للسعودية مقابل التطبيع.

لذا، فإن ترامب يخبر نتنياهو أنه لن يسمح له بإفساد زيارته الثانية إلى الخليج العربي لا من بوابة اليمن ولا من بوابة الطاقة النووية السعودية.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى