ثقافة وتاريخملفات وتقارير

كارثة قصور الثقافة: فساد متجذر وهدم منظّم.. ثقافة مصر بين المطرقة والسندان!

في قلب المشهد الثقافي المصري الراهن، تتكشف فضيحة مدوية تهز أركان الهيئة العامة لقصور الثقافة، حيث انعدام الشفافية في إدارة العقود الاستثمارية يعمق جراح المؤسسة ويضعها خارج نطاق الرقابة القانونية السليمة.

تراكم الديون التي تجاوزت حاجز الـ 2 مليار جنيه، دون أي خطة واضحة وفعالة للسداد، يضع الهيئة على شفير الانهيار المالي.

وفي غياب رقابة حكومية ونيابية فعلية، امتدت يد الفساد لتلتهم ما تبقى من القليل، وسط إغلاق مفاجئ وغير مبرر لمقرات ثقافية حيوية كان من المفترض أن تكون منارات للإبداع والفكر، ما أدى إلى تدمير البنية التحتية الثقافية على مدار سنوات.

لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل تفاقمت الأزمة مع الإهمال المستمر للعاملين والمبدعين، وغياب أي برامج دعم حقيقية لتطوير المواهب في الأقاليم، فيما تم تصدير صورة مزيفة عبر تسويق إعلامي مضلل من مؤسسات رسمية تهدف إلى تغطية الفشل الإداري الذريع.

لم تعد المشاريع الاستثمارية سوى محاولات بائسة لتحقيق أرباح مادية على حساب الثقافة، مع سوء استغلال فج للموارد المادية والبشرية التي كانت المفترض أن تدعم حركة الثقافة في مصر.

كما أن تجاهل الالتزام بالقوانين المنظمة لاستخدام المباني والمقرات الثقافية يهدد سلامة العاملين والزوار على حد سواء، في حين تخلف الهيئة عن اللحاق بركب التحول الرقمي يضعها في خانة المؤسسات التي لم تستوعب تحديات العصر.

موقع “أخبار الغد” يكشف أسرار الهيئة التي تراجعت من منارة ثقافية إلى ميدان مفتوح للفساد والتسيب الإداري، في مشهد كارثي يستوجب وقفة جدية من الجميع لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.

فقد أكد عدد من المواطنين والمختصين أن ما يحدث في الهيئة العامة لقصور الثقافة ليس فقط أزمة إدارية أو مالية عابرة، بل كارثة شاملة تهدد أركان الثقافة المصرية وتفضح منظومة فساد مستفحلة، تخفيها تصريحات رسمية زائفة وحوارات صحفية مسيسة.

ردود الفعل الغاضبة من المواطنين والخبراء والمهتمين

أكد محمود حسني، أستاذ العلوم السياسية، أن الأزمة في الهيئة تتجاوز ضعف التمويل لتصل إلى جذر فساد إداري متعمق يستغل الموارد العامة دون رقيب.

وأضاف حسني كل حديث عن إعادة البناء هو مجرد حبر على ورق .. الحقيقة أن الهيئة تعاني من تسيير غير مهني وفساد متسلل يخصم من المال العام لصالح جهات معينة، وهناك شبهات حول عقود استثمارية غير شفافة ومصادر تمويل مشبوهة تجهلها الرأي العام

أوضحت ليلى فهمي، ناشطة ثقافية، أن المواطن العادي يشعر بغياب دور قصور الثقافة تماماً، ما يُطرح من خطط استثمارية لا يلامس حاجة الجمهور ولا يعكس أصلاً واقع المراكز المغلقة والمهددة.

لا توجد رقابة فعلية، والفساد الإداري المستشري يتحكم في كل شيء، والحديث عن مشروع “المقهى الثقافي” مجرد واجهة لتبييض الأموال والتغطية على الفشل الحقيقي.

أكد أحمد صالح، ناشط حقوقي، تم الكشف عن معاملات مالية مشبوهة داخل الهيئة، تتضمن رشاوى وعقودا مريبة مع شركات استثمار ثقافي لا علاقة لها بثقافة مصر الحقيقية. المؤسسات الإعلامية الحكومية تسعى إلى تلميع الصورة، لكن الحقيقة أن الفساد الإداري مرتبط بشبكات قوية تدير الملف الثقافي.

أشارت الدكتورة هالة محمود، أستاذة علم الاجتماع، أن الهجوم على قصور الثقافة هو نتيجة تراكم سنوات من الفساد الإداري، لكن ما يحدث الآن هو تفكيك ممنهج للهيئة. إغلاق المقرات يفتقد لأي خطة بديلة حقيقية، ولا تواكب احتياجات المجتمع. هناك استغلال غير مشروع للمباني والميزانيات في مشاريع لا تخدم الثقافة.

أوضح “و. ر.”، موظف في الهيئة حالياً، أن الفساد الإداري ليس جديدًا، لكنه زاد تفاقماً في السنوات الأخيرة. تم التعاقد مع شركات وسطاء للتغطية على عجز الميزانيات، وهذا على حساب العاملين والجمهور. تم حرمان الموظفين من حقوقهم الأساسية، والقرارات غير الشفافة أدت إلى تدهور الخدمات الثقافية.

أكد نادر مصطفى، مهتم بالتراث الثقافي، أن أزمة ضعف الإنترنت في المناطق النائية ليست مبرراً لإغلاق المقرات، بل هو ذريعة لإفراغ القصور من محتواها. هناك تلاعب واضح في الاستثمارات وعدم استغلال الموارد بشكل صحيح. الإهمال الممنهج أثر على مستقبل الثقافة الشعبية والتراث.

أشارت نجلاء فاروق، ممثلة فنية، أن ما نشاهده في قصور الثقافة هو إقصاء ممنهج للمبدعين الشباب والفنانين المستقلين. المشاريع الاستثمارية تستهدف الربح وليس دعم المواهب أو الإنتاج الثقافي. الإغلاق يقتل فرص الفنانين ويضعف الحراك الثقافي في القري والنجوع والمدن بكافة المحافظات.

أكد حسن إبراهيم، باحث اقتصادي، أن مشاريع الاستثمار التي يروج لها مسؤولو الهيئة في الواقع لا تدر عائدات مستدامة، بل تخلق ديونًا جديدة وتعتمد على تمويل حكومي غير كاف. الأرقام التي يتم الإعلان عنها لا تتطابق مع الواقع المالي، مما يثير تساؤلات جدية حول شفافية الحسابات.

أوضحت مريم عبد العزيز، ناشطة ثقافية، أن مؤسسة أخبار اليوم حاولت تقديم صورة إيجابية للحالة، لكن الحديث الرسمي غائب عن ملفات الفساد الحقيقية، ومن ضمنها سوء استغلال المخصصات، وتضخم الرواتب غير المبرر لبعض المديرين، بالإضافة إلى غياب رقابة فعلية من جهات الرقابة المالية.

أشار عمرو زكي، ناشط حقوقي، مشكلة الفساد في الهيئة العامة لقصور الثقافة مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بغياب المساءلة القانونية. لا أحد يحاسب المسؤولين على القرارات التي دمرت المؤسسات الثقافية، وهذا يعكس فشل الدولة في إدارة الموارد الثقافية واستثمارها لصالح المجتمع.

أكدت نادية سليمان، مواطنة من محافظة أسيوط، أنا من سكان صعيد مصر، وكنا نعتمد كثيرًا على الأنشطة الثقافية في بيت الثقافة بالقري والنجوع، لكن إغلاقه ترك فراغًا كبيرًا. لا توجد بدائل حقيقية، والخطة الاستثمارية لا تخدمنا. هناك غياب واضح لمشاركة المجتمع في هذه القرارات.

أوضحت نبيلة محمود، خبير في تكنولوجيا المعلومات، أن المشروع الرقمي للتطبيق التفاعلي يبدو طموحًا لكنه بعيد عن الواقع التقني واللوجستي، خاصة مع ضعف البنية التحتية للإنترنت في العديد من المناطق. الكبار في الهيئة يفتقرون إلى الخبرة الرقمية اللازمة لإنجاح هذه المبادرات.”

أشار عادل مصطفى، فنان تشكيلي، أن الإهمال الثقافي لا يؤثر فقط على المرافق والمباني، بل على روح الفن والإبداع، حيث يُقتل المبدع بسبب غياب الدعم الحقيقي. استثمار الهيئة لا يقدم أي دعم حقيقي للفنانين، بل يستثمر في مشاريع شكلية تفتقد لأي مضمون ثقافي.

أكدت رانيا حسن، كاتبة وروائية، أن الفساد الإداري في الهيئة أدى إلى تدهور البرامج الثقافية وغياب المسابقات والمبادرات التي كانت تشجع على الإبداع الأدبي والفني. الحديث عن خطة خمس سنوات هو مجرد وعود لا أكثر، في حين أن الوضع الراهن يزداد سوءًا يومًا بعد يوم.

أوضح “س. ا.” موظف في الهيئة حالياً، أن ما يُقال عن خطة الإصلاح بعيد عن الحقيقة. الموظفون يعانون من تقليص الميزانيات وعدم وضوح الرؤية. الفساد منتشر داخل الإدارة، وهناك محاولات لإخفاء هذا الواقع من خلال حملات إعلامية رسمية تهدف إلى تلميع صورة الإدارة.

الهجوم المكثف في تعليقات الجمهور وردود الأفعال

كشف متابعون عبر منصات التواصل الاجتماعي عن موجة من الغضب والرفض لما نشرته جريدة «الأخبار» ومؤسسة «أخبار اليوم» حول قصور الثقافة، مؤكدين أن الحوار الصحفي مع اللواء خالد اللبان لم يتناول أبعاد الفساد الحقيقي، بل حاول تبرير الإغلاقات وتقليل حجم الخسائر.

كما هاجم الجمهور الهيئة العامة لقصور الثقافة، متهمينها بالتواطؤ في هدم الثقافة الشعبية وتشويه صورة المؤسسات الثقافية المصرية، مطالبين بفتح تحقيق شامل مع المسؤولين ورفع الغموض عن عقود الاستثمار والمشاريع المرتبطة بالهيئة.

تكشف هذه الوقائع جليًا حجم التدهور الذي أصاب الهيئة العامة لقصور الثقافة، حيث تحولت مؤسسة كانت من المفترض أن تكون منارات للعلم والفنون إلى حقل مفتوح للفوضى والفساد والإهمال. الانتهاكات المتراكمة من غياب الشفافية، وسوء الإدارة، وتراكم الديون، والإهمال المتعمد للعاملين والمبدعين، كلها عوامل قادت إلى تآكل البنية الثقافية الوطنية وأضعفت القدرة على مواكبة التطورات الحديثة.

لقد آن الأوان لأن تتحرك الجهات الرقابية والحكومية بكل حزم وشفافية لإعادة بناء هذه المؤسسة الحيوية، ووضع آليات صارمة للرقابة والمحاسبة، وضمان توفير الدعم الحقيقي للمواهب والكوادر الفنية. فالثقافة ليست مجرد مشاريع استثمارية أو أرقام مالية، بل هي ركيزة أساسية لهويتنا ومصدر إلهام أجيال المستقبل.

إذا لم يتم اتخاذ خطوات فورية وجذرية، سيظل المشهد الثقافي عرضة للانهيار الكامل، وستبقى قصور الثقافة مجرد صروح خاوية من روحها، بعيدًا عن الدور العظيم الذي طالما حلم به الشعب المصري. لهذا، علينا جميعًا أن نرفع الصوت ونطالب بالشفافية، العدالة، والإصلاح الحقيقي قبل فوات الأوان.

الوضع في الهيئة العامة لقصور الثقافة يعكس أزمة شاملة ومتعددة الأبعاد تتطلب مراجعة جذرية من قبل الجهات المسؤولة، بعيدًا عن الدعاية الإعلامية والوعود الكاذبة، مع ضرورة توفير بدائل ثقافية حقيقية تحترم إرث الشعب المصري وتدعم مواهبه وتحقق تطلعاته. فهل من يسمع صوت الثقافة قبل أن تسقط بين أنياب الفساد والإهمال؟

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى