شباك نورمقالات وآراء

د. أيمن نور يكتب: زلازل الشرق الأوسط الأرض تهتزّ من شدة الظلم


صباحٌ بدأ كعادته… ثم قررت الأرض أن تصرخ. لم يكن زلزال اليونان الذي ضرب على بُعد 71 كم من هيراكليون، عند الساعة 06:19 صباحًا، مجرد هزّة أرضية بقوّة 7.2 درجات، بل كان صفعة كونية على وجه الصمت، ونذيرًا كامنًا خلف ارتجاف الطبيعة.


لم يكن الزلزال ابنًا وحيدًا للبحر المتوسط، بل كانت معه في حالة ارتجاف عشر دول على الأقل:

مصر، تركيا، اليونان، إيطاليا، ليبيا، قبرص، بلغاريا، المملكة المتحدة، مقدونيا، وألبانيا.
وكأن الجغرافيا نفسها قد اختارت أن تدخل في نوبة قلق جماعي، ترجّ الأرض كي توقظ من فوقها، وتعيد ترتيب السُكون تحت أقدام الغافلين.


الزلزال لا يطرق الأبواب، لكنه يفتح كل النوافذ على أسئلةٍ بلا أجوبة. من غزة إلى إسطنبول، ومن القاهرة إلى بيروت، الأرض لم تعد تحتمل الصمت، ولم تعد تطيق رؤية القتل والتشريد والحصار والقنابل والانفجارات بلا أن تُعَبّر هي الأخرى… على طريقتها.


في غزة، لم تكن الهزّات الأرضية إلا انعكاسًا لصوت المجازر، وكل ارتداد لم يكن إلا صدى لانفجار لم تتوقف بعد شظاياه. الطبيعة لا تحقد، لكنها تعرف كيف تغضب. وحين تُمنَع الشعوب من الغضب… تغضب الأرض بالنيابة.


في إسطنبول، سمع الناس صوت الزلزال في أعماقهم، لأن في كلّ ضميرٍ حيّ، قلقٌ دفين من ارتدادات الظلم. وفي كل مدينة يطرقها الزلزال، ينهض السؤال: كم من هزّة لم تسجّلها أجهزة الرصد، لكنها سُجّلت في وجدان الأحرار؟
كل زلزال هو إنذار… لا يصدره العقلاء، بل يخطّه الغضب على خرائط الصمت.


وكل إنذار لا يُصغى له، يتحوّل إلى ارتطام بحقائق لا ترحم.


آنَ للحكّام أن يعلموا… أن الأرض، مثل الشعوب، لا تسكت طويلاً. وأن الظلم، كالرطوبة، يتسلل إلى أساسات المجتمعات، حتى تهتزّ دون سابق إنذار.
هذا الزلزال لم يكن فقط من صنع الجيولوجيا، بل من صنع قرونٍ من الغبن. وما عاد الناس بحاجة إلى دليل علمي كي يؤمنوا أن ما يحدث فوق الأرض، أحيانًا، يكون نتيجة لما يحدث فوق الكراسي.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى