الحكومة تصدّق أخبار الغد وتؤكد فضيحة تنقيب الآثار بقصر ثقافة الطفل بالأقصر

تأكيدًا لما نشره موقع أخبار الغد في سبق صحفي مدوٍ كشف بالأدلة والوقائع الكاملة عن فضيحة التنقيب عن الآثار داخل قصر ثقافة الطفل التابع لفرع الهيئة العامة لقصور الثقافة بالأقصر، تتساقط اليوم الأقنعة الرسمية واحدًا تلو الآخر، وتنكشف الحقيقة كما هي دون رتوش أو تزييف، ليبقى أخبار الغد وحده صاحب الصوت الأول والإنذار المبكر قبل أن تتحرك الحكومة ببطء بعد فوات الأوان.
أوضح أخبار الغد في تقريره السابق، وبالمستندات، أن واقعة الحفر والتنقيب لم تُكتشف أثناء زيارة وزير الثقافة، كما زعمت الوزارة في بيانها المضلل، بل تم ضبطها مساء يوم 31 مايو 2025 من قبل الأجهزة الأمنية بمحافظة الأقصر وبإخطار مباشر من العاملين بالمحافظة إلى نائب رئيس الهيئة ومحافظ الإقليم، قبل أن تصل المعلومة متأخرة إلى مكتب الوزير نفسه.
هذا ما أكده لاحقًا المستشار محمود فوزي، وزير الشؤون النيابية والقانونية والتواصل السياسي، خلال اجتماع لجنة الثقافة والإعلام بمجلس الشيوخ، عندما صرّح بأن كافة أجهزة الدولة قد تحركت في الواقعة، في تنسيق مع الجهات الأمنية ومحافظ الإقليم ووزارة الثقافة، وهو ما يمثل اعترافًا صريحًا من الحكومة بصحة المعلومات التي نشره موقع أخبار الغد بالأمس.
لم تكن مجرد واقعة حفر، بل جريمة مكتملة الأركان. شركة وهمية دخلت القصر من أبوابه الرئيسية بقرارات رسمية، دون أوراق سليمة أو مراجعة قانونية، بعد أن ضغط مدير إدارة الصيانة بفرع ثقافة الأقصر هشام عز الدين العماري على الإدارات المحلية لإسناد أعمال الترميم إلى شركة مجهولة الهوية،
بينما غاب دور الشؤون القانونية تمامًا، ومر الأمر مباشرة إلى مجلس إدارة الهيئة، ليوقّع عليه الوزير وهو يغمض عينيه، في سابقة من الاستهتار المؤسسي وعدم المسؤولية لا يمكن السكوت عنها.
صرخات العاملين في قصر الثقافة لم تكن لتُسمع لولا تدخل الجهات الأمنية، وبعد أن كان محمود – أحد العاملين – يُرسل يوميًا إلى موقع الحفر بأوامر شفوية، ليُشارك في صمت في جريمة لم يُدرك أبعادها إلا بعد فوات الأوان. ورغم ذلك، لا يزال صغار الموظفين هم الضحايا الذين يُسحبون للتحقيق، بينما يُترك من وقّع وقرّر ومرّر وبارك بلا مساءلة.
المأساة لا تكمُن فقط في فعل الحفر والتنقيب، بل في ما سبقه من تعطيل متعمّد لمشروع ترميم رسمي تم تقديمه قبل عامين كاملين، حين قدمت الإدارة الهندسية حلولًا متكاملة واستعانت بمركز بحوث الإسكان والبناء، وتم التفاوض مع الإنتاج الحربي وإعداد الدراسات الفنية والمقايسات، بل وصدر أمر إسناد للإنتاج الحربي نفسه، ومع ذلك جُمّد المشروع لأسباب غامضة ومرعبة، ليُفتح الباب بعد ذلك لشركة مشبوهة تدخل القصر وتبدأ الحفر، وكأننا في مزاد لبيع التاريخ لا في منشأة ثقافية من المفترض أن تحمي الذاكرة الوطنية.
المخزي أن الوزارة بدلًا من أن تعتذر، أو تعترف بالكارثة، اختارت التجميل والتلاعب بالألفاظ، فأصدرت بيانًا يزعم أن الوزير “اكتشف” الواقعة بنفسه أثناء جولة تفقدية، بينما الحقيقة – كما أكدها محضر الأمن برقم 6308 لسنة 2025 – أن الحادثة سُجلت في قسم شرطة الأقصر بتاريخ 31 مايو الماضي، أي قبل أن يُغادر الوزير مكتبه إلى الأقصر.
وحتى بعد انكشاف كل شيء، لا تزال الوزارة تمارس هوايتها في تصدير الأكاذيب وتقديم الوزير بمظهر المنقذ، في حين أن الجميع يعلم أن من أدخل الشركة هو مدير إدارة الصيانة بفرع ثقافة الأقصر، وأن من تجاهل مراجعة الأوراق هو نائب رئيس الهيئة، وأن من اعتمد القرار دون فحص هو الوزير نفسه، الذي نال اليوم عن جدارة لقب “وزير اللقطة“، بعد أن باتت الكاميرا أهم عنده من الكارثة، والظهور الإعلامي أولى من محاسبة الفاسدين.
أخبار الغد يؤكد مرة أخرى: ما جرى في قصر ثقافة الطفل ليس انحرافًا فرديًا، بل نتيجة مباشرة لفساد إداري عميق وإهمال مزمن وتسيب متراكم داخل الهيئة العامة لقصور الثقافة، التي تحولت إلى مستنقع من المجاملات والتكليفات المشبوهة، تُدار فيه المشاريع بالأهواء، ويُمرر فيه الفساد بورقة وابتسامة.
هذه ليست قضية ثقافية، بل قضية وطنية، تخص الذاكرة والتاريخ والمستقبل، وما لم تبدأ المحاسبة من الأعلى، من الوزير الذي وقع، ومن مجلس الإدارة الذي أقر، ومن المسؤولين الذين سكتوا وتواطؤوا، فإن قصر ثقافة الطفل لن يكون آخر ضحايا الفساد، بل حلقة في سلسلة سوداء عنوانها العجز والتواطؤ.
في زمن عزّت فيه الحقيقة، كانت أخبار الغد الصوت الأول الذي قالها صريحة، بالأسماء والتواريخ والمستندات، واليوم تأتينا الحكومة نفسها لتؤكدها. والعار سيظل يُطارد كل مَن شارك وسكت، ولو زُيِّن بالألقاب أو التصريحات الرسمية.