د.مخمد عماد صابر يكتب: غزة فى زمن الأضاحى بين بهجة العيد ونكبة الأمة!

“بأي حالٍ عُدتَ يا عيدُ؟”
ليس مجرد بيت شعر قاله المتنبي في لحظة حزن، بل بات نداءً يُطلقه كل حرٍّ اليوم، وهو يرى عيد الأضحى يقترب مجددًا بينما ما زالت الدماء تنزف في غزة، والأنين لا يتوقف، والخذلان العربي والإسلامي يزداد انكشافًا.
عيد الأضحى، عيد التضحية، العيد الذي كُسِرت فيه القلوب، يأتي للمرة الثانية على التوالي خلال هذه الحرب الإبادية التي تعصف بأرض الرباط. لا ماء، لا دواء، لا غذاء، ولا سقف يقي من القصف، بينما الجثث تحت الأنقاض، والأطفال يموتون جوعًا.
فأي عيدٍ هذا؟ وأي تهنئة تُقال؟
أهل غزة اليوم هم القربان الحقيقي في عيد الأضحى، يقدمون أنفسهم ودماءهم وأطفالهم وأحلامهم، لا طلبًا لراحة أو مكافأة، بل طاعة لله، وصبرًا على الجهاد، ومرابطةً في سبيل أمة تتأرجح بين الغفلة والتخاذل.
غزة؛ القربان الحيّ للأمة النائمة، هم الذين يُحيون معاني العيد، حين غابت عن معظم المسلمين. ففي الوقت الذي يستعد فيه البعض لذبح أضحيتهم في أمان، هناك من يُذبح في غزة كل يوم، بل كل ساعة، دون أن تهتز قلوب المتفرجين.
علمنا ديننا الحنيف أن العبادة ليست طقوسًا مجرّدة، بل وعيًا بالمقاصد، وفقهًا للأولويات. فليس من التديُّن أن نحج كل عام ونتفاخر بذلك، بينما هناك من لا يجد لقمة أو خيمة أو دواء.
دين الإسلام “أولويّات”، ووعي بالمقاصد، إن الأولى اليوم أن يُعاد ترتيب سلّم الطاعات، وأن تُقدم غزة في الطليعة، وأن نعي أن نصرة المظلوم واجب، وأن الإنفاق على إحياء النفوس أولى من النسك المكرر، ومن أدى فريضة الحج مرة، فليعلم أن الأولوية اليوم لغزة، وأن ثمن الحج التطوعي يمكن أن يكون طوق نجاة لأسرة أو دواءً لطفل يحتضر أو خيمةً تؤوي مشردًا.
لكن؛ ما أقسى المشهد حين تتحول أمة المليارين إلى متفرج على الذبح!. إن العار لا يكمن فقط في تخاذل الحكام، بل في صمت الشعوب، في تراجع الغضب، في التطبيع مع الكارثة، وكأن الدم الفلسطيني لا يستحق حتى الحزن.
فهل ننتظر حتى يُفنى من بقي من أهل غزة كي نستيقظ؟ هل أصبح مشهد الطفل الجائع والمرأة المنكوبة مألوفًا إلى درجة التجاهل والأمة الإسلامية بين الذبح والفرجة؟، أليس في الأمة رجل رشيد؟.
إن أعظم ما يمكن أن يخرج به المسلم من هذه الأزمة هو إعادة فهم دينه، لا كمجموعة من الشعائر، بل كنظام حياة يقاوم الظلم، وينصر المظلوم، ويقدس كرامة الإنسان.
طريق المقاومة يبدأ بالفهم، وأول خطوات النهضة أن نسترد الوعي، أن نُعيد ترتيب أولوياتنا، أن نُحيي مفهوم الأمة الواحدة، وأن نكفر بالخوف والتردد، وأن نعلم أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.
وأولي خطوات الوعى التسلح بالدعاء، سلاح المستضعفين لا يُستهان به، ونحن نستقبل هذه الأيام المباركة، علينا أن نُكثر من الدعاء. لا كبديل عن الفعل، بل كرافد للنية الصادقة. فالدعاء إن لم يكن وقودًا لتحرّك، فهو استهزاء بمقام الله.
ندعو الله أن يرفع البلاء عن غزة، وأن يكف أيدي المجرمين، وأن يُعجّل بالنصر، ويُلهم الشعوب أن تنهض من سباتها، وأن يفتح أبواب المساعدات، ويكسر الحصار، ويذل من خان وتخاذل وتآمر.
نعم “عيدٌ بنكهة الدم” ولكن “الفجر قادم”. رغم كل هذا القهر، ورغم هذا الموت المعلّق على سماء غزة، فإننا نؤمن أن فجر النصر آت. فالله لا يخذل من صدق، ولا ينصر من خان. ودماء غزة اليوم ستكتب سطور الحرية غدًا.
عيد الأضحى ليس فقط ذبح أضحية، بل هو تجديد عهد التضحية في سبيل الله.
وإن كان أهل غزة قد قدموا كل شيء، فإن أقل ما نقدمه نحن هو أن نكون معهم، دعاءً، ومالًا، وصوتًا، وموقفًا.
بأي حالٍ عدت يا عيد؟.. عدت والدموع في العيون، لكن الإيمان لا يخبو، والرجاء لا ينقطع.
بأن حال عدت ياعيد؟.. عدت لتُوقظنا، وتدفعنا نحو شرف الموقف، وكرامة النصرة.
فاللهم اجعل هذا العيد عيد نصر وتمكين، وحرر غزة وفلسطين، واهدِ أمتنا لتقوم بما وجب عليها… آمين.