نساء يحجن وحدهن .. تقاليد فريدة في البوسنة وكوسوفو

في قلب البلقان، حيث تختلط التقاليد العميقة بالتحولات الاجتماعية المتسارعة، تبرز ظاهرة غير مسبوقة تهز أركان المجتمع: نساء يحجِّن وحدهن في البوسنة وكوسوفو.
مشهد يثير صدمة ومفارقة، يفتح جرحاً عميقاً في نسيج الأعراف التي حكمت الأجيال، ويطرح تساؤلات حارقة عن حرية المرأة، استقلاليتها، ودورها في مجتمع لا يزال يتقوقع بين تمسكه بالتقاليد وخطواته الأولى نحو الحداثة.
هنا، بين هامات الجبال ومساجد التاريخ، تبدأ رحلة بحث صاخبة تكشف عن مواقف متضاربة، آراء ملتهبة، وأصوات ترفض القيد، وأخرى تصر على الثبات في ظل جحيم التقاليد.
موقع “أخبار الغد” يكشف عن أسرار وأبعاد هذه الظاهرة الكارثية في عيون من عاشها، ونظر إليها، وجادل حولها، تنوعت بين مؤيدة ومتحفظة، في محاولة لفهم عمق هذه الظاهرة وأبعادها الاجتماعية والدينية والثقافية.
حُج النساء في مواجهة التقاليد
أكدت ظاهرة حج النساء منفردات في البوسنة وكوسوفو أنها تثير جدلاً واسعاً بين المواطنين والمختصين والمهتمين، حيث تقف بين التقاليد الصارمة والحقوق الشخصية، وتفتح الباب لنقاشات حول حرية المرأة ودورها في المجتمعات المحافظة.
آراء المواطنين: بين الفخر والتحفظ
أكدت ميرة توفيق من سراييفو أن حج المرأة بمفردها يُعد إنجازاً شخصياً يعبر عن قوة الإرادة والتزامها الديني، إذ قالت:
“حين قررت الحج وحدي، شعرت بأنني أمارس حقي في التعبير عن إيماني دون الحاجة إلى وصاية أو مرافقة، وهذا أمر يعكس تقدم مجتمعنا في منح المرأة استقلالية دينية واجتماعية.”
وأشار رادوفيتش إيليش من بانيا لوكا إلى أن هذه الظاهرة تتحدى الأعراف التقليدية التي تربط المرأة بالدعم الأسري:
“في مجتمعاتنا، عادة ما ترتبط المرأة بدور العائلة، وهذا الحُج المنفرد يشكل خروجاً عن المألوف ويحتاج إلى إعادة تفكير في أدوارنا وأدوار المرأة في الدين والمجتمع.”
أوضح ليوبوفا ماركوفيتش من بريشتينا أن تقبل المجتمع لحُج النساء وحدهن يعكس تغيرات تدريجية:
“كنا في السابق نرى ذلك غريباً، لكن اليوم نلاحظ أن الفتيات الشابات ينظرن إلى هذه التجربة كرمز للحرية والتقدم، وهذا يشجع على قبول الفكرة بشكل أكبر.”
آراء المختصين: أبعاد دينية واجتماعية
أكد الشيخ ناصر كابان من سراييفو أن الدين لا يمنع المرأة من الحج منفردة، بل يشجع على التفرغ للعبادة “الأساس في الدين هو النية والإخلاص، ولا يوجد نص يمنع المرأة من أداء الحج دون مرافقة، وهذا يؤكد حرية المرأة في اختيار طريقة عبادتها.”
أشار الدكتور إيفان مالوفيتش، أستاذ علم الاجتماع في إحدي الجامعات، إلى أن هذه الظاهرة تفتح نقاشاً حول دور المرأة في المجتمعات البلقانية:
“حُج النساء منفردات يعكس تحولات عميقة في الوعي الاجتماعي والسياسي، ويمثل تحدياً للأدوار التقليدية التي فرضت على المرأة قيوداً اجتماعية ودينية.”
أوضح المحامي حسن سيلكو من بريشتينا أن الحماية القانونية أصبحت تضمن حق المرأة في أداء شعائرها الدينية بدون قيود:
“القوانين المحلية والدولية تعترف بحقوق الإنسان، وهذا يشمل حرية المرأة في الحج دون الحاجة لمرافقة، وهو تطور إيجابي يدعم تمكين المرأة.”
آراء المهتمين: تقاليد تتغير
أكدت الناشطة النسائية أمل بيسيتش من سراييفو أن الحج المنفرد للمرأة يمثل انتصاراً للحريات الدينية “عندما تؤدي المرأة الحج بمفردها، فإنها تكسر قيود التقليد وتحصل على فرصة لإظهار قوتها واستقلالها، وهذا له أثر نفسي واجتماعي عميق.”
أشار الباحث الثقافي زفولان ديميترييف من بريشتينا إلى أن هذا التقليد الجديد يعكس تأثير العولمة والتغير الثقافي “العالم أصبح قرية صغيرة، وتأثيرات الثقافات المختلفة تجعل النساء في البوسنة وكوسوفو يعيدن النظر في أدوارهن، ويؤدين الشعائر الدينية بأساليب مختلفة.”
أوضح الناشط الحقوقي دينيك ميكيتش من سراييفو أن الإعلام له دور في نشر الوعي حول هذه الظاهرة “تغطية حج النساء وحدهن تساعد في كسر الصور النمطية، وتجعل القصة تصل إلى جمهور أوسع، مما يغير النظرة المجتمعية تدريجياً.”
مواقف متباينة من المجتمع
أكدت ساندرا جوسيتش من بانيا لوكا أن المجتمع ما زال متردد في قبول هذه الظاهرة بالكامل “الكثير من الناس يرون أن الحج المنفرد للمرأة غير مقبول اجتماعياً، ويخشون من الآثار السلبية على سمعة العائلة.”
أشار آريان ميتروفيتش من بريشتينا إلى أن التقاليد لا تزال تلعب دوراً قوياً في فرض قواعد على النساء “حتى مع تقدم الحقوق، ما زالت هناك ضغوط من العائلة والمجتمع، تجعل المرأة تشعر بالذنب أو الخوف إذا قررت الحج بدون مرافق.”
بين التقليد والحداثة
تُظهر ظاهرة حج النساء وحدهن في البوسنة وكوسوفو تداخلات معقدة بين الدين، المجتمع، والحقوق الشخصية، حيث تتصارع القيم التقليدية مع التطلعات الحديثة نحو الحرية والاستقلالية.
تبقى هذه الظاهرة إحدى نقاط التحول الكبرى في المجتمعات المحافظة، والتي تثير تساؤلات مستمرة حول دور المرأة ومكانتها الحقيقية في عالم متغير.
حُج النساء وحدهن في البوسنة وكوسوفو: تقليد شائك يتحدى الأعراف ويكشف نقاشات حادة
حُج النساء وحدهن في البوسنة وكوسوفو ليس مجرد رحلة دينية فردية، بل هو صرخة مدوية تكسر قيود الصمت وتعيد رسم خريطة الحقوق والحرية في مجتمعات تحاصرها التقاليد.
إنها معركة مستمرة بين القديم والجديد، بين الخوف من التغيير والرغبة في التحرر، بين رقابة المجتمع وإرادة المرأة المستقلة.
هل ستتمكن هذه الظاهرة من قلب الموازين وتغيير المفاهيم الراسخة، أم ستظل حبيسة الجدل والرفض؟ الإجابة تبقى في أيدي نساء يقدمن على هذه الخطوة الجريئة، وقلوب مجتمع يراقب ويصارع خوفه من المجهول.
هناك، في صمت الحرمين، يكتب التاريخ فصلاً جديداً من كفاح المرأة البوسنية والكوسوفية، فهل يستمع له العالم؟