حرائق الواحات تُقرع ناقوس الخطر في المغرب

تشهد واحات المغرب سلسلة حرائق مدمّرة تهدّد البيئة والاقتصاد المحلي وتستدعي تدخلاً سريعاً لتفعيل منظومة وقائية شاملة، وفق ما جاء في تقرير جديد أصدره المعهد المغربي لتحليل السياسات بالتعاون مع خبراء بيئيين ومسؤولين حكوميين.
على مدى الأسابيع الماضية اشتعلت النيران في واحات أكادير الهنا وطاطا وأكلز وتاغجيجت وغيرها، متلفة مئات الهكتارات من أشجار النخيل ومهددة بذلك مصدر رزق ما يقارب مليونيْ مواطن يعتمدون على هذه المنظومات البيئية المصنَّفة “رئة المناطق الصحراوية”. يأتي هذا التصاعد وسط تغيرات مناخية حادّة وارتفاع درجات الحرارة، في وقت لا تزال فيه الواحات القديمة تفتقر إلى عمليات التنقية والصيانة الدورية التي تقيها شرّ اندلاع الحرائق.
وسط هذه الأزمة، أوصى المعهد المغربي لتحليل السياسات ببلورة خطة وطنية تستند إلى:
- التحسيس المجتمعي المستمر بسُبل الوقاية وإشراك الساكنة المحلية في تنقية الجريد اليابس.
- توسيع أسطول طائرات “الكنادير” وتجهيز نقاط تزويد مائية قريبة من الواحات المعرضة للخطر.
- اعتماد تقنيات الاستشعار عن بُعد ورصد الأحوال المناخية للإنذار المبكر.
- إعادة تأهيل الواحات القديمة جنباً إلى جنب مع برامج غرس النخيل الجديدة لضمان التوازن البيئي.
كما طالب التقرير بتخصيص جزء من الاعتمادات المرصودة لمكافحة الحرائق—التي قُدرت لهذا العام بنحو 17 مليون دولار—لتدريب فرق تدخل قاعدية في كل إقليم وواحة، وتأمين معدات إطفاء خفيفة ومتوسطة تُسلَّم مباشرةً للساكنة والفلاحين.
“المعادلة واضحة: كل درهم يُنفق على الوقاية يوفّر أضعافه من الخسائر البيئية والمادية”، يحذّر التقرير الذي يُعدّ الأول من نوعه في رصد الخسائر الاجتماعية الناجمة عن حرائق الواحات خلال العقد الأخير، ويقترح إنشاء مرصد وطني سنوي لتتبع مؤشرات الحرائق داخل المنظومة الواحية.
في خضم هذه الجهود، شرعت بعض الجماعات الترابية بالفعل في إطلاق حملات توعوية موسمية بالتنسيق مع الوكالة الوطنية للمياه والغابات، فيما تتطلع الجهات الفاعلة إلى صدور مرسوم حكومي يضع إطاراً تشريعياً خاصاً بالواحات، يُلزم الإدارات المعنية بتطبيق تدابير صيانة سنوية مموَّلة ومراقَبة.
بعد مرور أسابيع قليلة فقط على آخر حريق، بدأت وفود برلمانية بزيارات ميدانية للوقوف على حجم الأضرار وتعبئة دعم مالي إضافي لضحايا الفلاحين، في حين يواصل الخبراء التحذير من موسم صيف حار قد يفاقم الوضع إن لم تُفعَّل التدابير المقترحة على وجه السرعة.
“الواحات ليست مجرد أشجار؛ إنها حضارة كاملة مهدَّدة بالاندثار ما لم نتحرك اليوم، لا غداً”، جاء في خاتمة التقرير.
“النار لا تنتظر أحداً… والوقاية الآن أقل تكلفة من إعادة الإعمار لاحقاً.”
• شكيل عالم، باحث في البيئة والتغيرات المناخية: “إهمال الواحات القديمة وغياب عمليات التنقية الدورية سمح بتراكم الجريد اليابس، فازدادت احتمالية اشتعال الحرائق. الحل يبدأ بعودة السكان للمشاركة في صيانة واحتهم واستخدام التكنولوجيا الحديثة للإنذار والإطفاء السريع.”
• نادية بوعيدا، نائبة برلمانية: “تكرار الحرائق صار تهديداً حقيقياً للبيئة والاقتصاد المحلي. فتح تحقيقات معمقة وتبنّي إجراءات وقائية فعالة ومستدامة لم يعد خياراً بل ضرورة وطنية.”
• عبد الرحيم هومي، المدير العام للوكالة الوطنية للمياه والغابات: “رغم تراجع عدد حرائق الغابات هذا العام، فإن الواحات ما زالت هشّة. نعمل على توسيع أسطول الطائرات المُخصَّصة للإطفاء، لكن الشراكة مع المجتمع المدني والساكنة هي الركيزة الأساسية للنجاح.”