
كتب ماهر المذيوب، النائب السابق في مجلس نواب الشعب التونسي ، عبر صفحته الشخصية على موقع فيسبوك، تدوينة مطوّلة تناول فيها ما وصفه بـ”اللحظات الصادمة والمزلزلة” التي شهدتها العاصمة القطرية الدوحة مساء الإثنين 23 يونيو/جوان 2025، في تمام الساعة السابعة والنصف مساءً، وما أعقبها من مشاعر عميقة التأثير وتداعيات نفسية بالغة.
وقال المذيوب إن ما جرى لن يمر مرور الكرام، وإنه يمثل لحظة فاصلة ستغيّر معالم الوعي العام، مضيفًا: “دوحة اليوم والغد، لن تكون كما كانت بالأمس”، إلا أنه أعرب عن يقين راسخ بأن “شياطين الجن والإنس، لن يضروكم إلا أذى”، مهما بلغت طبيعة التهديدات أو أدواتها.
“قطر أرض الخير… وقادتها لا يُخيفون”
وأضاف المذيوب، المقيم في قطر منذ أكثر من عشرين عامًا، أن التهديدات التي قد تواجهها البلاد، سواء كانت أخلاقية، صوتية، إلكترونية، أو تقليدية، لا يمكنها أن تهز ثقة الناس أو تخترق نسيجهم الوطني والديني. وأكد أن الشعب القطري وقياداته يتميزون بـ”قوة رهيبة، جبّارة، لا تُقهَر”، وأنهم من الشعوب القليلة التي “تستحضر مخافة الله في السرّ والعلانية، وتتصرف على هذا الأساس”.
“رأيت ذلك بنفسي طوال عقدين”
واستعرض المذيوب تجربته الشخصية قائلاً: “عشت في قطر عشرين عامًا، وزرت وخالطت شعوبًا عربية وإسلامية كثيرة، وأستطيع أن أجزم أن قطر إحدى أكثر الدول استثمارًا في الإنسان، علمًا وتعلّمًا وكرامة”. وأشار إلى أن هذا النهج جعل الشعب القطري يشعر بأنه “يعيش في جنة الله على الأرض”، ما يفسّر صعوبة اختراقه أو تحريكه ضد قياداته.
“حب لا يُكتب… لكنه يُعاش”
وتوقف المذيوب عند طبيعة العلاقة التي تربط القطريين بقيادتهم، واصفًا إياها بأنها “قصة محبة حقيقية، معاشة، ومختبرة”، يصعب التعبير عنها بالكلمات. وقال إن هناك شعورًا صادقًا، في عمق كل قطري وقطرية، بأن القيادة ليست فوق الشعب، بل معه، وبه، ومن أجله.
“كرم أصيل… وأعمال خالصة لوجه الله”
وأشاد المذيوب بالكرم الخليجي المعروف تاريخيًا، لكنه اعتبر أن قطر أضافت إلى هذا الكرم بعدًا آخر، يتمثل في “النية الصافية، والعمل الخالص لوجه الله، بلا أجندات أو غايات خفية”. وأضاف: “من قوة قطر الحقيقية أنها من أكثر الدول العربية والإسلامية استثمارًا في السلام، وحل النزاعات، وبناء جسور الحوار”.
“ثبات في وجه الضغوط… ورفض للربا والزنا”
وفي إشارة إلى الضغوط الدولية التي تعرضت لها قطر، خاصة في ما يتعلق بالقضايا الجنسانيّة، شدد المذيوب على أن “القيادة لم تتنازل، رغم الضغط الرهيب، ورفضت المساس بأصول دينها الإسلامي”. واعتبر أن من أهم ما يميز البيئة القطرية، هو أنه “لا يمكن أن تجد فيها تشجيعًا رسميًا – مباشرًا أو غير مباشر – على الربا أو الزنا”، واصفًا ذلك بأنه “جوهر يحترمه كل مسلم صادق مع نفسه”.
خاتمة: إيمان وثقة رغم العاصفة
رسالة ماهر المذيوب جاءت متّسقة في مضمونها، جامعة بين الإيمان العميق، والتجربة الإنسانية، والتحليل الواقعي. وهي دعوة إلى الثبات والتمسك بالقيم، مهما كانت التحديات، لأن الأذى، وإن بلغ مداه، لا يستطيع أن يمسّ الجوهر النقي لشعب عرف طريقه، وتمسّك بقيادته.
وكان نص الرسالة كما يلي
الدوحة ـ قطر، في 24 جوان/يونيو 2025 لَن يضروكم إلا أذى الساعة السابعة والنصف (19:30) من مساء يوم 23 جوان/يونيو 2025، وما بعدها، كانت هنا في #الدوحة ـ قطر، لحظات صادمة، لغرابة المصدر، وقوية في طبيعة حمولتها، ومزلزلة للكيان النفسي للناس، ولها ما لها من تداعيات جوهرية ومفصلية، غدًا وما بعد الغد… في حياة الناس جميعًا.
فدوحة اليوم والغد، لن تكون كما كانت بالأمس…
ومع ذلك، فإنني، وبعد عقدين من الإقامة في دوحة الخير، يمكنني القول، كما آمنت دائمًا وأبدًا، وحتى يرث الله الأرض ومن عليها، ومهما كانت طبيعة التهديدات أو الهجمات التي يمكن أن تتعرض لها دوحة الخير وشعبها — أخلاقية، أو صوتية، أو إلكترونية، أو تقليدية، أو ما فوق فوقها — فإن شياطين الجن والإنس:
لَن يضروكم إلا أذى 1- لي قناعة جازمة، أن الشعب القطري، وقياداته على جميع المستويات، يتميزون بقوة رهيبة، جبّارة، لا تُقهَر. إنهم من أكثر الشعوب العربية والإسلامية، قيادة وشعبًا، الذين يستحضرون مخافة الله سرًّا وعلانية في أعمالهم اليومية، ويعتقدون اعتقادًا عميقًا لا يتزعزع، بأن القوة لله جميعًا، ويتصرفون على هذا النحو بالأمس، واليوم، وغدًا.
2- عشت هنا في قطر 20 عامًا، وعشت في بلادي تونس سنين دأبًا، وسافرت وخالطت، بحكم عملي، أغلب الشعوب العربية والإسلامية، ويمكنني أن أقول جازمًا:
إن قطر إحدى أهم الدول التي تحوز من أكثر الثروات على الأرض في التاريخ الحديث، في حالة استثنائية وغير معتادة، في استثماراتها الحقيقية والمستدامة في بناتها وأبنائها، في علمهم وتعلمهم وتطويرهم مدى الحياة، وفي تحقيق أسمى درجات الحياة بكرامة وعزّة وفخر.
وهذا ما فشلت فيه فشلًا ذريًّا ومريعًا أنظمة عربية وإسلامية “لديها ثروات خارقة” صرفتها على أهوائها ومغامراتها… فدفعت أثمانًا قاسية وحياتية. ويمكنني أن أقول بدون حذر: من الصعب أن تجد اختراقًا نفسيًّا في قطري أو قطرية، فتغدر أو توجه نيران حقدها تجاه قياداتها، مهما اختلفت التفاصيل…
فكل قطري بداخله إحساس عميق، مختبَر وحقيقي، بأنه يعيش في جنة الله على الأرض، فكيف يفكر أن يخرج منها؟ مهما حاولت الشياطين…
3- هنالك أمور وأشياء تُعاش، ونفشل، في الأغلب، عندما نريد كتابتها، هنا قصة محبة حقيقية، ومعاشة، ومختبَرة، بين جميع القطريين وقيادتهم…
4- عرف التاريخ القديم والحديث الكرم العربي في أسمى معانيه، لدى شخصيات اعتبارية، أو أناس عاديين، أو مؤسسات دولة. والحقيقة أن شعوب ودول الخليج العربي لها تاريخ مشرّف، ورائع، واستثنائي في حياة شعوب الأرض. والشعب القطري جزء أصيل من هذا الخير الإنساني العميم، بإضافة نوعية: ذلك الحرص الحديدي، على المستوى الشخصي أو المؤسساتي، أن يكون العمل خالصًا لوجه الله، بدون أية أجندة، أو نشر لفكرة، أو استثمار خفي.
والأهم أن قطر، إحدى أهم وأكبر وأكثر الدول العربية والإسلامية في العالم، التي تستثمر في فض النزاعات، وفك الاشتباكات، وبناء جسور الحوار والسلام… وهنا تكمن قوة قطر الحقيقية، مهما صار أو يصير.
5- أعلم أن البعض يعتبر ما سبق أمورًا ميتافيزيقية، غيبية، أو غير جوهرية. ومع ذلك، سأضيف نقطتين في هذا المجال:
أولها، أن قطر، في تاريخها الحديث الذي عشناه ونعيشه يوميًا، لم تخجل أو تستحي يومًا من إيمانها العميق بأصول دينها الإسلامي الحنيف. فكثيرون حاولوا، بجميع الطرق، وخاصة أخبثها، فرض أدنى تنازل في القضايا الجنسانيّة. لقد كان ضغطًا رهيبًا وفظيعًا، ولكنهم لم يتنازلوا.
أما النقطة الأخرى، فهي جوهرية وحيوية، في رؤية كل مسلم يحترم نفسه، ويعيش على هذه الأرض: هنا، يمكنك أن تتصرف كما تحب ضمن ما يكفله القانون، ولكنك مستحيل أن تجد تشجيعًا رسميًا مباشرًا أو غير مباشر على أكبر آفتين في حياة الناس: الربا والزنا.
ماهر المذيوب
ة.